الأحد، 5 أبريل 2015


·      الحديث الثامن والعشرون:( السمع والطاعة)

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

الحديث.

عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:( وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ , فَقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ فَأَوْصِنا. قالَ: { أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا, فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ , تَمَسَّكُوا بِهَا , وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ }

رواهُ أبو داوُدَ والتِّرمِذِيُّ ، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.

·       أهمية الحديث.

اشتمل الحديث على وصية عظيمة جامعة شاملة, فأوصى بتقوى الله وطاعة ولاة الأمر ,والاعتصام بالسنة , والحذر من الابتداع ,فهذه أمور غاية في الأهمية , إذا تمسكت بها الأمة سعدت في دنياها وأخراها. (قواعد وفوائد على الأربعين النووية صـ 242)

 

 


·       مفردات الحديث.

"موعظة" من الوعظ , وهو التذكير بالعواقب , والتنوين هنا للتنجيم أي: موعظة بليغة , وكان ذلك بعد صلاة الصبح .

"وجلت" خافت

"ذرفت " سالت

"موعظة مودع" فهم الصحابة ذلك من مزيد مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم ,فإن المودع يستقصي مالا يستقصي غيره.

" الراشدين" جمع راشد ,وهو من عرف الحق واتبعه.

" النواجذ" جمع ناجذ , وهو آخر الأضراس الذي يدل ظهوره على العقل والأمر بالعض على السنة بالنواجذ كناية عن شدة التمسك بها .

" محدثات الأمور"

       الأمور المحدثة في الدين ,وليس لها أصل في الشريعة ,وهي مذمومة ,أما الأمور الجديدة التي لها أصل فليست بمذمومة.

"بدعة"

لغة : ما كان مخترعاً على غير مثال سابق ,

وشرعاً: ما أحدث على خلاف أمر الشرع ودليله .

"ضلالة" بعد عن الحق لأن الحق ما جاء به الشرع , فما لا يرجع إليه يكون ابتداعاً وضلالاً. (الوافي شرح الاربعين النووية صـ 211)

 



 

·       المسائل في هذا الحديث.

1)   الوعظ.

عَنْ أَبي نَجِيحٍ العِرْباضِ بنِ سَاريةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:( وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً)

مهام الداعي إلى الله كثيرة ,منها الوعظ , وإليك بعض الأمور التي تتعلق بهذه المهمة. حتى يؤتي الوعظ ثماره المرجوه.

·       تعريف الوعظ.

الوعظ: هو النصح والتذكير بالعواقب.

وقال ابن سيده : هو تذكيرك للإنسان بما تلين قلبه من ثواب وعقاب.

·       مشروعيته.

في الحديث دلالة على مشروعية الوعظ من فعله عليه الصلاة والسلام

وقال تعالى :( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا )(النساء:(63)

فالموعظة مشروعة وذلك لما فيها من خير عظيم قد يحققه الله عز وجل على يد الواعظ .

·       صفة الموعظة الناجحة.

1)انتقاء الموضوع المناسب الذي يحتاج إليه الناس.

مثلاً:

إذا راى إيثار الناس الدنيا على الآخرة ,وانغماسهم فيها على حساب الطاعة ,رغبهم بالآخرة ,وزهدهم بالدنيا.

مثلا:

ـ تنصح إنسان عن عدم سماع الأغاني وهو لا يحافظ على الصلاة يدعوا الناس إلى الاقتصاد في الطاعة وهم لا يقومون بأداء الفروض والواجبات كما هو مطلوب

فهذا من عدم الحكمة في انتقاء الموضوع.

2)   البلاغة في الموعظة.

الفصاحة في المواعظ مطلوبة قال تعالى (وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا )(النساء:(63)

كما وصف الصحابة مواعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعظنا رسول الله موعظة بليغة)(رواه الترمذي وأحمد وأبو دواد).

3)   اختيار الوقت والفرصة المناسبة .

بحيث يكون المستمع متفرغاً ,صافي الذهن ,غير مشغول بحاجاته والموعظة في هذا الحديث كانت بعد صلاة الفجر , في هذا الوقت يكون العبد في قمة نشاطه صافي الذهن. (قواعد وفوائد على الأربعين النووية صـ245)

4)   قصر الموعظة.

حديث(" إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ " . فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ , وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا .) رواه مسلم جمعة 2/520

فمن هدية عليه الصلاة السلام عدم التطويل لأنه يؤدي إلى الملل .
 

 

 

2/ موعظة مودع.

قوله رضي الله عنه (كَأنَّها مَوْعِظَةُ مُودِّعٍ)

قال ابن رجب :

يدل على أنه كان صلى الله عليه وسلم قد أبلغ في تلك الموعظة مالم يبلغ في غيرها فـلذلك فهموا أنها موعظة مودع .

وربما كان قد وقع منه صلى الله عليه السلام تعريض في تلك اللحظة بالتوديع , كما عرض بذلك في خطبة حجة الوداع , قال صلى الله عليه وسلم قال :( لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا) جامع العلوم والحكم 246)
 


 

          3) فضل سلف الأمة .

         قول العرباض :( وَجِلَتْ مِنْها القُلوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْها العُيُونُ)

        س/ ماذا يدل عليه هذا؟

        فيه دلالة على طيب معدن الصحابة , وطهارة نفوسهم ,وسلامة قلوبهم

        قوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ     آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً)الانفال :2

        4) الوصية بتقوى الله.

         قوله عليه السلام (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،)

       س/ ما معنى تقوى الله؟

تقوى العبد ربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك. (سبق التفصيل عن مسالة التقوى في حديث (ا تق الله حيثما كنت).
 


 
 

5/ الوصية بطاعة ولاة الأمر.

قوله صلى الله عليه وسلم (وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ)

س/ على ماذا يدل الحديث؟

يدل الحديث على أن طاعة ولاة الأمور واجبة , كما يشهد له قوله جل وعلا

ـ (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)النساء /59

ـ حديث(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَمَنْ عَصَى الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي " البخاري كتاب الاحكام 8/104 ومسلم كتاب الأمارة 4/501)

والمقصود هنا : ولاة الأمر الشرعيين الذين وصلوا إليها ضمن قواعد الشرع.

س/ ماحكم طاعة المتسلطين على الأمة بالنار والحديد؟

هؤلاء ينظر لطاعتهم من باب المصلحة والمفسدة .(قواعد وفوائد على الاربعين النووية صـ 249)

س/ ماهي الولايات الشرعية ؟

قال الشيخ صالح ال الشيخ :

الولايات الشرعية التي قال بها العلماء بأحد طريقتين:

ا) الاختيار ولاية الاختيار لها شروطها:

فإذا كانت لأهل الحل والعقد فإنهم يجتمعون ويختارون من اجتمعت له الشروط , كما جاءت في الاحاديث وهذه الشروط هي :

1)   ان يكون الامام قريشا  .

حديث (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ " .(رواه مسلم انظر شرح مسلم كتاب الامارة 4/481)

وهذا يشترط في الامامة الكبرى

أخرجه البخاري (هذا الحديث خبر عن المشروعية أي لا تنعقد الإمامة الكبرى إلا لقريشي مهما وجد منهم أحدا )(الفتح 16/235)

أما في غير الامامة الكبرى فيجوز تولية غير القريشي

س/ كيف نوافق بين هذا وبين قوله (وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ

هذا لا ينافي ما تقدم ولا يجيز إمامة العبد وإنما ذكره صلى الله عليه وسلم على وجه ضرب المثل ,وإن لم يصح وقوعه.( قواعد وفوائد على الاربعين النووية صـ251)

2)   أن يكون عالماً

3)   أن يكون يحسن خلافة الأمور.

وغير ذلك مما اشترطه أهل العلم في ولاية الاختيار.

 2) من باب التغليب

أن يغلب الإمام فإذا غلب فأنه يبايع ويسمع له فهذه ولاية غلبه وسيف

فخلافة الخلفاء الاربعة إلى معاوية بن يزيد كانت ولاية اختيار فمن بعد معاوية إلى زماننا هذا فالولاية ولاية تغلب .

جاء في الحديث (ثَلَاثِينَ عَامًا خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا حاكماً)(شرح الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ

 

 
 


·       الوصية بلزوم السنة.

1ـ وقوع الخلاف والفرقة .

قوله صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)

معناه: سيرى اختلافاً على الأمراء فوصيته من راى الاختلاف فعليه (وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ)

فيه إخبار منه لما سيقع به الأمة من خلاف في أصول الدين وفروعه .

2ـ العاصم من الخلاف والفرقة .

العاصم هو : التمسك بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمها كما فهمها سلف الامة.

س/ ما لمراد بالراشدين في قوله صلى الله عليه وسلم (وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها )؟

قال الشيخ صالح ال الشيخ :

الخلفاء الراشدين وصفوا بالخلافة بالرشد لأنهم علموا الحق وعملو به فهذا الوصف لا يكون إلا للخلفاء الراشدين والخليفة عمر بن عبد العزيز (شرح الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

 

س/ اختلف العلماء هل عمر بن عبد العزيز يعتبر من الخلفاء الراشدين ام لا ؟

قال الشيخ صالح ال الشيخ :

                الذي عليه أهل العلم كإمام أحمد وغيره:

               أنه من الخلفاء الراشدين لأنه علم الحق وعمل به وأما عامة الولاية ليسوا على ذلك .

         س/ هناك مقولة وهي (عن عمر بن عبد العزيز أنه خامس الخلفاء الراشدين )هل هذا صحيح؟

        قال الشيخ صالح ال الشيخ :

       هذا ليس بسديد لان معاوية بن يزيد أعظم منزلة من عمر بن عبد العزيز ,      وإذا كان ثم خامس للخلفاء الراشدين فمعاوية أحق بهذا الوصف من عمر بن   عبدالعزيز ,وليس هناك خليفة خامس وسموا عمر بن العبد العزيز بالخليفة الراشد فهذا صحيح. (شرح الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

 

 

3/ التحذير من البدع:

قوله صلى الله عليه وسلم (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ }

س/ ماهي الامور المحدثة؟

هي التي ليس لها أصل لا في الكتاب ولا في السنة (سبق شرح البدعة التفصيل عنها في الحديث الخامس).

صل الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق