الحديث السابع والثلاثون: (الترغيب في فعل الحسنات)
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين.
الحديث.
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، عَنْ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى قالَ:
{إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ
بِحَسَنةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ
هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ
ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَهَا
اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ
سَيِّئَةً وَاحِدَةً}.رواه البخاري كتاب الرقاق (6126) ومسلم (131)
·
أهمية الحديث .
هذا حديث شريف عظيم يبعث في نفوس المكلفين الأمل المشرق
ويدفعها للعمل الصالح وكسب الثواب ,الذي فيه النجاة في الآخرة والسعادة في الدنيا
.(قواعد
وفوائد على الأربعين النوويةصـ326)
·
مفردات هذا الحديث .
كتب الحسنات والسيئات : أمر الملائكة الحفظة بكتابتها
هم : أراد وقصد
بحسنة : بطاعة مفروضة أو مندوبة .
ضعف : هو المثل وما زاد .
بسيئة : بمعصية صغيرة كانت أو كبيرة .(الوافي شرح الاربعين 330)
·
المسائل في هذا الحديث.
1) كتابة
الحسنات والسيئات .
قوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى قالَ: {إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ
وَالسَّيِّئَاتِ)
س/ ماالمراد بالكتابة هنا
في هذا الحديث ؟
قال الطوافي :
أي أمر الحفظة أن تكتب ,
أو المراد قدر ذلك في علمه على وفق الواقع منها .
·
وقال غيره .
المراد قدر ذلك وعرف
الكتبة من الملائكة ذلك التقدير فلا يحتاج إلى استفسار في كل وقت عن كيفية الكتابة
لكونه أمرا مفروغا منه .(الفتح :14/107)
2) الهم بالحسنة .
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنةٍ فَلَمْ
يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً)
س/ ما المقصود بالهم ؟
العزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل لا مجرد الخاطرة
العابرة .
ـ وقال الشيخ صالح ال الشيخ .
الهم نوع من الارادة.
ـ ومما يشهد ذلك :
حديث (إنَّ أَقْوَاماً خَلْفَنَا بِالمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً
، وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ)(رواه البخاري الجهاد
3/213)
إذا هم المسلم بعمل حسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة
كاملة دون أن يضاعفها له .
قال الطوفي :
إنما كتبت الحسنة بمجرد الإرادة ,لأن إرادة الخير سبب
إلى العمل ,وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير عمل القلب .(الفتح 14/108)
قال الشيخ صالح ال الشيخ.
قوله عليه السلام (فمن هم )
هذا يدل على ان الملكين اللذان يكتبان الحسنات والسيئات
يعلمان مايدور في قلب الانسان .
·
وقد كان بعض الأنبياء يعلم مايدور في قلب الذي أمامه
وقد كان النبي عليه السلام أخبر رجل بما في
نفسه وهذا بعض أنواع الغيب الذي يطلع الله
عليه من يشاء من عباده
·
قال
تعالى (عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً *إِلاَّ مَنِ
ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)
والرسول يدخل فيه الملكي والرسول البشري.(شرح الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
3) عمل
الحسنة.
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ، وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا
كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ
كَثِيرَةٍ)
إذا
عمل العبد حسنة يضاعفها الله بعشر أمثالها , وهذا في كل عمل قال تعالى (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)(الانعام :160)
س/ هل
هناك اعمال جاءت مضاعفتها أكثر من عشر أمثالها ؟
نعم ـ
هناك أعمال جاءت نصوص تدل على مضاعفتها
أكثر من ذلك منها:
1/ النفقة في سبيل الله ـ فالنفقة تضاعف بسبعمائة ضعف
قال
تعالى :( ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي
كُلِّ سُنْبُلَةٍ )(البقرة :261)
2/ هناك أعمال لا يعلم مضاعفة أجرها إلا الله عز وجل وهو
الصيام ـ حديث (عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ
آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)(البخاري كتاب اللباس 7/61 وشرح مسلم كتاب الصوم 3/206)
·
وتكون مضاعفة الحسنات بحسب حسن إسلام العبد وإخلاصه
وبحسب فضل العمل وزمن إيقاعه .
وقال الشيخ صالح ال الشيخ:
أن الناس يتفاوتون في الثواب
منهم من يكتب له عشرات الضعف , ومنهم سبعمائة ضعف
,ومنهم سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .
وهذا يختلف باختلاف العلم وتوقير الله عز وجل و والرغب في الآخرة لهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم هي أعظم الناس أجوراً
وأعظم منزلة .
حديث (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
, قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي , فَوَ الَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ
أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ ) .(شرح الاربعين النووية صالح ال الشيخ)
4) الهم
بالسيئة.
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ
وتَعالى : { وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ
حَسَنَةً كَامِلَةً)
إذا هم
العبد بفعل سيئة ثم تركها من أجل الله عز وجل فإنها تكتب له حسنة كاملة وتكتب له
بشرط خوف من الله
حديث (إنما
تركها من أجلي )شرح مسلم كتاب الايمان( 1/334)
س/
ماحكم إذا ترك المعصية خوفا من العباد؟
ففي
هذه الحالة يأثم ,لأنه قدم خوف العباد على الله عز وجل .
س/
ماحكم إذا تركها رياء ؟
يأثم
لأن الرياء حرام .
س/
مالحكم إذا هم بالمعصية وسعى لها وحال دونها القدر ؟
ذكر
جماعة من أهل العلم :
أنه
يعاقب واستدلوا حديث:(إذا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ
وَالْمَقْتُولُ في النَّارِ فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ هذا الْقَاتِلُ فما بَالُ الْمَقْتُولِ
قال إنه كان حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ)(البخاري كتاب الايمان 1/13 وشرح مسلم كتاب الفتن
5/737)
س/
مالحكم ان يكون الهم بالمعصية خاطرا خطر له ولم يستقر في قلبه بل كرهها ؟
إذا
كان الهم بالمعصية خاطرا خاطر له ولم يستقر في قلبه بل كرها ونفر منها مثل الوساوس الشيطانية والخواطر
الردية التي
سئل عنها عليه السلام فقال (ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ وَمَحْضُ
الْإِيمَانِ)(شرح مسلم كتاب الايمان 1/738)
ظن
الصحابة ان هذه الخواطر يحاسب عليها المرء وشق عليهم ذلك عندما نزل قوله (وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ
مَن يَشَاءُ)(البقرة :284)
فنزل
الله قوله تعالى (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ)(البقرة :286)
فبنيت
الآيات أن مالا طاقة للعبد به غير محاسب عليه ومنها خواطر النفس العابرة. (قواعد وفوائد على الاربعين النووية (328ـ329)
5) عمل
السيئة.
قوله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيما يَرْويهِ عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وتَعالى : { فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً
وَاحِدَةً}.
إذا عمل
العبد سيئة تكتب بمثلها دون مضاعفة
قال
تعالى :( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا
يُظْلَمُونَ)الانعام: (160)
وهذه الآية تشهد للحديث. وإن عملها كتبها سيئة واحدة .
س/ هل السيئة تضاعف وتعظم بتغير المكان او الزمان ؟
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز .
(أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا
تضاعف من جهة العدد ولكن تضاعف من جهة الكيفية أما العدد فلا لأن الله سبحانه
وتعالى قال : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ
عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا)
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في
الحرم ولا في غيره بل السيئة بواحدة دائما وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه )(فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة للشيخ عبد
العزيز ابن باز رحمه الله)
وصل
الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق