الحديث الحادي والثلاثون :( الزهد في الدنيا)
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه أجمعين
الحديث.
عن أبي العبَّاسِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ الساعديِّ رَضِي اللهُ
عَنْهُ قالَ: (جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالَ:
يا رسولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِيَ اللهُ وأَحبَّنِيَ
النَّاسُ. فَقَالَ: { ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ
النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ }. حديثٌ حَسَنٌ رواهُ ابنُ ماجَه وغيرُهُ
بأسانيدَ حَسنةٍ.
·
مفردات الحديث :
"أحبني
الله " محبة
الله لعباده محبة حقيقة تليق بالله سبحانه
"أحبني
الناس: مالوا
إلى ميلاً طبيعياً , لأن محبتهم تابعة لمحبة الله .
"أزهد" من الزهد .لغة : الإعراض عن الشي احتقاراً له.
شرعاً: أخذ قدر الضرورة من الحلال المتيقن الحل .
"في الدنيا " باستصغار شأنها واحتقارها .
" يحبك الله " محبة الله للعبد رضاه عنه وإحسانه إليه .(الوافي شرح الاربعين النووية صـ 230)
·
المسائل في هذا الحديث :
1) الزهد.
أ)
تعريف الزهد :
لغة : الامر القليل الزهد في الدنيا أن لا تكون الدنيا في
القلب .(شرح
الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
قال
شيخ الاسلام ابن تيمية :
الزهد
ترك مالا ينفع في الآخرة .
والورع
:ترك ما
تخاف من ضرره في الآخرة .
قال
ابن القيم : وهذه
العبارة من أحسن ما قيل في "الزهد والورع"(مدارج السالكين صـ 283)
·
قال رجلا للإمام أحمد: هل يكون الغني زاهداً؟
نعم, إذا لم يأسي على ما فاته من الدنيا ولم يفرح بما كثر
ما عنده منها قد يكون الرجل عنده مالاً كثير جداً إذا نقصت لم يتأثر , وإن زاد ما فرح
ما عنده ,فهذا عنده وجود المال وعدمه واحد عنده لإقباله على الأخرة, وإنما حصل هذا
بيده فيستعمله ما ينفعه في الأخرة .(شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
·
قيل للحسن وغيره ـ من الزاهد؟
قال الزاهد: هو الذي يفضل غيره عليه إذا راى غيره أنه خير منه عند
الله وهذا يدل أنه متعلق بالله غير مهتم في الدنيا .( شرح الأربعين النووية للشيخ صالح
ال الشيخ)
·
قسم الامام احمد الزهد إلى :
1ـ ترك الحرام , وهذا فرض عين .
2ـ ترك الفضول من الحلال, وهذا عنده زهد الخواص.
3ـ ترك ما يشغل عن الله
, وهذا عنده زهد العارفين .(مدارج السالكين 284)
س/ كيف يكون الزهد في القلب ؟
قال ابو سليمان الداراني:
لا تشهد لأحد بالزهد , فإن الزهد في القلب وهذه الامور
الثلاثة هي:
1/ أن يكون العبد بما في يد الله أوثق منه بما في يده نفسه
وهذا ينشأ من صحة اليقين {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ
وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22]
2) أن يكون العبد إذا أصيب بمصيبة في دنياه ,
كذهاب مال أو ولد ,أرغب في ثواب ذلك مما ذهب منه من
الدنيا,وينشأ عن ذلك من كمال اليقين ويدل على الزهد في الدنيا .
ـ وروى ابن عمر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم :(اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ
بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ , وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ
,وَمِنَ اليَقِيِنِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا)
3) أن يستوي عند العبد حامده وذامه في الحق
, وهذا من
علامات الزهد في الدنيا واحتقارها وقلة الرغبة فيها
قال ابن مسعود:
اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله .(الوافي شرح الأربعين النووية صـ 231)
ب) الحامل على الزهد .
س/ ما الذي يحمل الانسان على الزهد ؟
الذي يحمل الانسان على الزهد أمور منها.
1/ استحضار الآخرة.
ووقوفه بين يدي خالقه في يوم الحساب والجزاء.
2/ استحضار أن للذات الدنيا شاغلة للقلوب عن الله تعالى
,ومنقصة للدرجات عنده .
أي إنها وما فيها مبعد عن الله إلا العلم النافع الدال
على معرفته وطلب قربه ,وذكر الله, وما والاه مما يقرب إليه تعالى .(الوافي شرح الاربعين النووية صـ233)
2) التقليل من شأن الدنيا.
قوله صلى الله عليه وسلم (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا )
س/ كيف يكون الزهد في الدنيا
؟
أن تكون الدنيا حقيرة في
عينيك فلا ترفع بها راساً, وقد ورد في نصوص كتاب الله وسن رسول الله عليه الصلاة
والسلام تزهد في الدنيا ,وبيان حقارتها وسرعة انقضائها .
قوله تعالى (﴿ وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾(سورة الحديد :20)
·
دوافع الزهد في الدنيا.
س/ ما الذي يدفع العبد في
الزهد بالدنيا ؟
ـ الذي يدفع العبد في
الزهد بالدنيا أمور منها:
1ـ قوة ايمان العبد
واستحضار وقوفه بين يدي الله عز وجل ,واستحضار أهوال يوم القيامة .
2ـ شعور العبد بأن الدنيا
تشغل القلوب عن التعلق بالله.
3ـ الدنيا لا تحصل للعبد
حتى يتعب وينصب في جمعها .
4ـ تحقير القرآن لشأن
الدنيا ونعيمها وإنها غرور وباطل ولعب ولهو.
·
الزهد المبتدع.
هو الزهد المخالف للسنة
لا خير فيه ,يظلم القلوب ويعميها
إليك بعض مقالات دعاة
الزهد المبتدعة :
1/ قال أحدهم.
أحب للمبتدئ ألا يشغل
قلبه بهذه الثلاث وإلا تغيرت حاله ,التكسب وطلب الحديث والتزوج ...)(قوت القلوب 3/ 135)
2/ وقال آخر.
إذا طلب الرجل الحديث
,أو سافر في طلب المعاش ,أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا)(الفتوحات المكية 1/37)
ومعلوم كل الحضارات لا تقوم
إلا على (العلم , الكسب , الزواج)
وحضارة الاسلام ما قامت الا على هذا
ـ أمر بالكسب حديث (مَا أَكَلَ أَحَدٌ
طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)(البخاري كتاب البيوع
3/8)
ـ أمر بالزوج حديث (يا معشر الشباب مَنْ
اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ
لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.
)البخاري كتاب النكاح 6/117)
3) محبة الله
قوله صلى الله عليه وسلم
:(ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ)
الزهد بالدنيا هو من طرق
محبة الله جل وعلا ومحبة الله للعبد شي عظيم من أحبه الله وفقه لما يحب ـ
ومحبة الله لها طرق اخرى أخبر الله بها في كتابه منها:
ـ الاحسان (والله يحب المحسنين ) ال عمران :134
ـ التوكل قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)(159ال عمران).
ـ الصبر قال تعالى ({وَاللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ} [آل عمران 146]
ـ التقوى قال تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ﴿آل عمران٧٦﴾
ـ التطهر الحسي والمعنوي قال تعالى (وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ )( التوبة108)
ـ القتال في سبيل الله قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)
الصف: (4)
ـ التوبة قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)البقرة :222
·
فطريق المحبة الله طاعته
بصدق , واجتناب نواهيه. (قواعد وفوائد على الاربعين النووية صـ 270)
·
س/ ما الأسباب الجالبة لمحبة
الله جلا وعلا ؟
قل ابن القيم رحمه الله
: الأسباب الجالبة للمحبة و الموجبة لها هي عشرة :
أحدها : قراءة القرآن بتدبر و التفهم
لمعانيه و ما أريد به .
الثاني : التقرب إلى الله بالنوافل
بعد الفرائض .يدخل في حديث الولي(مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ
حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ
الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي
بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأعِيذَنَّهُ)رواه
البخاري.
الثالث : دوام ذكره على كل حال : باللسان
و القلب و العمل و الحال ، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.
الرابع : إيثار محابه على محابك عند
غلبات الهوى .
الخامس : مطالعة القلب لأسمائه و صفاته
و مشاهدتها و معرفتها ، و تقلبه في رياض هذه المعرفة و مباديها ، فمن عرف الله بأسمائه
و صفاته و أفعاله : أحبه لا محالة .
السادس : مشاهدة بره و إحسانه ، و
نعمه الظاهرة و الباطنة .
السابع : و هو من أعجبها : انكسار
القلب بين يدي الله تعالى ، و ليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء و العبارات
.
الثامن : الخلوة به وقت النزول الإلهي
لمناجاته و تلاوة كلامه ، و الوقوف بالقلب و التأدب بأدب العبودية بين يديه ، ثم ختم
ذلك بالاستغفار و التوبة .
التاسع : مجالسة المحبين و الصادقين
، و التقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر ، و لا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة
الكلام ، و علمت أن فيه مزيداً لكالك و منفعة غيرك .
العاشر : مباعدة كل سبب يحول بين القلب
و بين الله عز و جل .
4) محبة الناس.
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَازْهَدْ فِيمَا
عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ }.
س/ ماهي الطريقة لمحبة الناس؟
الزهد بما في أيديهم فهو حطام الدنيا الفانية .( قواعد وفوائد على الاربعين النووية
صـ 271)
قال الشيخ صالح ال الشيخ.
أن لا يكون قلبك متعلق فيما في ايدي الناس ,لأن الناس جلبوا على
أنهم لا يحبون من نازعهم في شي يختصون به..( قواعد وفوائد على الاربعين النووية
صـ 271)
·
قال الحسن البصري.
لا يزال الرجل كريما على الناس مالم يطمع فيما في
أيديهم
قال اعرابي لأهل البصرة :من سيدكم ؟ قالوا : الحسن قال
: بم سادكم ؟
قالوا : احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم
فقال :ما أحسن هذا .(الوافي شرح الاربعين النووية صـ 237)
وصل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق