الحديث الرابع والثلاثون :(تغيير المنكر فريضة)
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله
وصحبه أجمعين.
الحديث.
عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ
عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: {مَنْ رَأَى
مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ،
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ}.(رَوَاهُ مُسْلِمٌ كتاب الايمان شرح
مسلم 1/224)
·
أهمية الحديث.
هذا الحديث عظيم الشأن ,لأنه نص على وجوب إنكار المنكر
قال النووي :
باب عظيم به قوام الأمر وملاكه ,وإذا كثر الخبث ,عم العقاب الصالح
والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أو شك أن يعمهم الله بعذاب. (شرح مسلم 1/ 226)
·
مفردات الحديث.
"منكم" أي من المسلمين المكلفين
"منكراً" ما نهى
الله عنه ورسوله،
"فليغيره" فليزله ويذهبه ويغيره إلى طاعة.
"بيده" إن توقف تغييره عليها ككسر آلات اللهو وإراقة الخمر وغيرها .(الوافي شرح الاربعين النووية صـ266)
·
سبب إيراد الحديث.
عن طارق بن شهاب وهذا حديث أبي بكر قال
: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة
,
فقال : قد ترك ماهنالك ، فقال أبو سعيد
: أما هذا فقد قضى ما عليه (أي: ادى الواجب الذي عليه من النكير على خالفي سنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم)، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من
رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف
الإيمان " رواه
مسلم .(قواعد وفوائد على
الأربعين النووية صـ 285ـ 286)
·
المسائل في هذا الحديث.
1/الرؤية.
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ {مَنْ رَأَى مِنْكُمْ)
س/ ما المراد بالرؤية هنا؟
الرؤية هنا رؤية بصريه حصل بذلك من راى منكم منكراً بعينيه فليغيره
وهذا تقييد الانكار إذا رؤيا بالعين.
س/ مالحكم إذا علم بالمنكر ولم يراه ؟
إذا علم بالمنكر يكون نصيحة ولا يكون إنكار لأن الانكار علق بالنصيحة
.(شرح الاربعين
النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
2)التغير.
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ).
س/ ماذا يشترط عليه التغير باليد؟
*إذا كان التغير باليد مقدور عليه.
مثال :أن يكون في بيتك وزوجك وأولادك من يكون تحت ولايتك وأنت الولي عليه
*إما إذا كان في ولاية غيرك فهنا لا تدخل القدرة عليه .(شرح الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
س/ هل التغير في الشرع يشمل الإزالة ؟
التغير اسم يشمل الإزالة, ويشمل الإنكار باللسان من غير الإزالة ,ويشمل
الإعتقاد أن هذا منكراً ومحرم .( شرح
الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
3) انكار المنكر.
1/ الإنكار متعلق بالقدرة.
س/ هل الانكار متعلق بالقدرة؟
ذكر الشيخ صالح ال الشيخ:
أن وجوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع, ومتعلق إذا غلب على ظنه الإنتفاع
, أما إذا غلب على ظنه أنه لا ينتفع فإنه لا يجب الانكار.
س/ هل يجب الانكار إذا غلب على ظنه الانتفاع ؟
ذهب جماعة من أهل العلم وشيخ الاسلام ابن تيمية وما
عليه عمل بعض الصحابة كا ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهم وهو الراجح في المسالة
أنه يجب الإنكار إذا غلب على ظنه الانتفاع ,أما إذا لم يغلب على ظنه
الانتفاع فلا يجب الإنكار.
قال تعالى :(فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى)فأوجب التذكير إذا انتفعت الذكرى.
مثل/ ما تجد بعض النساء كاشفات في المستشفيات والمطار وبعض الأسواق غلب على
ظنه عدم الأنتفاع .(شرح
العقيدة الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ.)
4)حكم انكار المنكر .
س/ ماحكم إنكار المنكر؟
إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان:
1ـ فرض كفاية.
قال تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)ال عمران :104
قال ابن كثير:
المقصود من هذه الآية أن تكون
فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن.(تفسير ابن كثير 2/75)
2/ فرض عين .
حديث (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ....)
دل عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم
بالمنكر أو رآه.
قال القاضي ابن العربي:
وقد يكون فرض إذا عرف المرء من نفسه صلاحية النظر والاستغلال بالجدال
أو عرف ذلك منه .(أحكام
القران 1/292)
س/ هل الناس يتفاوتون في مسؤولية إنكار المنكر؟
نعم الناس يتفاوتون في مسؤولية إنكار المنكر
* فالمسلم العامي عليه القيام بهذا الواجب حسب قدرته وطاقته فيأمر أهله
وأبناءه مايعلم من أمور الدين التي يسمعها على المنابر والوعظ .
*العلماء عليهم من الواجب ما ليس على غيرهم ,وذلك أنهم ورثة الأنبياء
فإذا تساهلوا بهذه دخل النقص على الأمة. (قواعد وفوائد على الأربعين النووية صـ289)
س/ ما الفرق بين النصيحة والانكار؟
إن الإنكار أضيق من النصيحة ـ فالنصيحة أعم من الإنكار كما جاء في
الحديث السابق (الدين نصيحه ) ومنها يدخل فيها الإنكار. (شرح
الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
الفروق:
1/ أن النصيحة الأصل فيها السر وتكون مجملة بدون تحديد .
أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأصل فيه العلانية واذا سمع
سماعا محققاً أو رؤى, والنصيحة بما رايته أو سمعته أو بلغته.
2/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا حصل أمامك ,أم إذا كان في غيبتك فإنه يعود إلى الأصل العام وهو
النصيحة )
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قيد وجوب الانكار (من راى منكم
....)مالم يرى, والمجال فيه مجال النصيحة .
3/ النصيحة تحتاج إلى تثبت أم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما أنه
حصل أمامك فانك متيقن بذلك.(شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ)
·
ضوابط الانكار.
س/ ماهي ضوابط الانكار؟
هناك قاعدة ذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية :
يجوز إنكار المنكر حتى تتيقن أنه لن ينتقل المنكر عليه إلى منكر أشد
منه , وإذا تيقن ان إنكار للمنكر يؤدي إلى منكر أشد منه فأنه يأثم إلا إذا علم إن
انكاره يؤدي الى ما هو أفضل.
ذكر شيخ الاسلام ابن تيميه:
أنه مر على جماعة من التتار يلعبون الشطرنج ويشربون الخمر علناً في
دمشق ,فقيل لشيخ الاسلام ابن تيميه الا تنكر على هؤلاء؟
فقال رحمه الله: دعهم إن انشغالهم بهذا أهون من انشغالهم بالمسلمين والاعتداء عليهم
وهذا من الفقه العظيم .( شرح الاربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)
5) انكار القلب.
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ}.
انكار المنكر بالقلب من الفروض العينية
التي لا تسقط مهما كانت الحال,
والقلب الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاوي من الإيمان .
س/ هل تبرأ ذمة العبد
بالإنكار بالقلب؟
لا تبرأ ذمة العبد بالإنكار بالقلب حتى
يعجز عن الانكار باليد أو اللسان بسبب ضر يلحقه في بدنه أو ماله ولا طاقة له على
تحمل ذلك.
ـ لإنكار بالقلب قليل الثمرة بعكس لإنكار
باليد واللسان فهم عظيم الفائدة.(قواعد وفوائد على الاربعين النووية صـ 289)
·
اشكال.
ورد في نصوص كتاب الله
هذه الاية وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ
لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) كيف نجمع بينه وبين حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا
الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)؟
قال الامام النووي:
المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية :
إنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصر غيركم ) إذا كان كذلك ، فمِمّا كُلِّف به الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر, فإذا
فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه ادى ما عليه ,فإنما عليه
الأمر والنهي لا القبول. والله اعلم (الوافي شرح الاربعين النووية صـ257)
*دوافع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
س/ ماهي دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هي دوافع كثيرة منها:
1/ كسب الثواب والاجر.
حديث (من دلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر)(شرح مسلم كتاب
الامارة 4/557)
2/ خشية عقاب الله.
3/ الغضب لله من خصال الايمان الواجبة .
4/ النصح للمؤمنين والرحمة بهم ورجاء
إنقاذهم.
6)الحكمة في انكار المنكر والامر بالمعروف
قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)
·
من الحكمة مراعاة حال المأمور :
ففي بعض الاحيان لابد من اللين والرفق قال الله سبحانه وتعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشَى ﴾(طه:33ـ34)
·
وفي بعض
الاحيان لابد من الغلظة والقسوة .
كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)(التوبة :73)
قال الشيخ صالح ال الشيخ:
من ناحية :
1/ المنكر .
المنكر نفسه لا تكن رفيقا به , وأما من وقع فيه لابد فيه من الرفق:
مثل :إنسان معه منكر هذا المنكر غيره بشدة أما بكسره أو تمزيقه وإذا كان
هذا المنكر منفصل عنه نغيره بيدك.
* اما اذا كان متصلا كحلق اللحية وإسبال الثوب يغيره بلسانه .
2/ أما صاحب المنكر:
لابد فيه من الرفق حديث:( إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ
إِلا زَانَهُ) هذا إذا كان فيه
مصلحة فأن تحقيق المصلحة لابد منها .
وإلا الأصل:
الانكار يكون فيه قسوة إلا هناك مفسدة فلابد من الرفق. ( شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ)
7) خطر ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إذا قصر المسلمون حكاما ومكومين بهذه المهمة شاعت الفاحشة وعمت الرذيلة وتسلط الفجار على
الأخيار ويصبح الحق باطلاً والباطل حقا
وبهذا تعرض الأمة نفسها إلى :
1/ الطرد من رحمة الله
كما طرد الله أهل الكتاب من رحمته عندما تركوا هذه المهمة .
قال تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ
يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [ المائدة :78ـ79)
2/ الهلاك في الدنيا قال
صلى الله عليه وسلم .
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛
كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ
أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا
عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ
نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ
أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) رواه البخاري. كتاب الشركة 3/111
8)إنكار المنكر المجمع
عليه.
المنكر له صورتان :
1/ منكر مجمع عليه من العلماء أنه منكر هذا لابد من إنكاره.
2/ منكر الخلاف فيه ضعيف مثل /زكاة الحلي وقراءة القران للمأموم ,وقص
اللحية ما زاد عن قبضة اليد هذا الذي فيه خلاف قوي .
وهذا رد على من قال :
لا انكار في مسائل الخلاف ـ هذا القول غلط بل الصواب تفصيل القول في
مسائل الخلاف
ـ ضعيف
ـ قوي لابد من الانكار
ولهذا قيد بعض اهل العلم
(لا إنكار في مسائل الخلاف إذا كان الخلاف قويا).(شرح
العقيدة الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ)
9) معتقد الطوائف في الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1/ مذهب الخوارج.
جعلوا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخروج عن ولاة الجور
والظلم والفجار من الولاة من الغلو وهذا باطل مخالف لطريقة أهل السنة والجماعة.
2/ الصوفية ـ وبعض طوائف القدرية .
وهم جفوا حيث ترك بالمعروف والنهي عن المنكر اصلاً كحال المتصوفة ومن
راى القدر ماضياً في الناس فلا يحتاج إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
3/ مذهب أهل السنة والجماعة .
هم وسط بين قوم غلو وهم الخوارج ,وقوم جفو وهم الصوفية فهم جعلوا له
قواعد وضوابط وشروط.
فالأمر يتطلب أمران:
1/ علماً
2/ غيرة.
فالعلم فات الخوراج والمعتزلة , والغيرة على دين الله فاتت الصوفية
ومن شابههم .( شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ)
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق