تفسير جزء عم (سورة النازعات)(4)
قـال الله تعـالى
(فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ*
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ
* فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
الْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ
* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا
* فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ
مَن يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً
أَوْ ضُحَاهَا)سورة
النازعات (34ـ46)
الفوائد من هذه الآيات:
1) قيام الساعة.
في قوله تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ*
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ)النازعات (34ـ 35)
ـ قال تعالى (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ )النازعات :34
وذلك قيام الساعة، وسماها طامة لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها.
ـ قال تعالى { الْكُبْرَىٰ }
يعني أكبر من كل طامة.
ـ قال تعالى { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ) النازعات :35
لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة
الكبرى وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، أي ما يعمله في الدنيا يتذكره مكتوباً
بكتاب، عنده يقرأه هو بنفسه , فإذا قرأه تذكر ما سعى أي ما عمل، أما اليوم فإننا قد
نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح، ومنها اللغو، ومنها السيىء، لكن
كل هذا ننساه، وفي يوم القيامة يعرض علينا هذا في كتاب ويقال اقرأ كتابك أنت بنفسك
قال تعالى {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] .
فحينئذ يتذكر ما سعى.(التفسير الثمين
الشيخ محمد العثيمين 425/10)
2) ظهور جهنم والعياذ بالله.
في قوله تعالى (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ
* فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
الْمَأْوَىٰ)النازعات (36ـ38)
ـ قوله { وَبُرِّزَتِ }
أي أظهرت للناظرين فرآها الناس عيانا.(تفسير ابن كثير 470/4)
تجيء تقاد بسبعين ألف زمام كل
زمام فيه سبعون ألف ملك يجرونها
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ
كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا) أخرجه مسلم كتاب الجنة، باب جهنم
(2842) (29)( (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 425/10)
ـ قال تعالى: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا } النازعات :36ـ37)
هذان وصفان هما وصفا أهل النار
1/ الطغيان وهو مجاوزة الحد،
2/ وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة وهما
متلازمتان
فكل من طغى فقد آثر الحياة الدنيا
وكذلك العكس
1/ والطغيان مجاوزة الحد فمن جاوز حده ولم يعبد الله فهذا
هو الطاغي
لأنه تجاوز الحد، فأنت مخلوق
لا لتأكل وتتنعم وتتمتع كما تتمتع الأنعام، بل أنت مخلوق لعبادة الله فاعبد الله عز
وجل، فإن لم تفعل فقد طغيت فهذا هو الطغيان ألا يقوم الإنسان بعبادة الله. .( (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 425/10)
2/ وإيثار الدنيا على الآخرة بتقديمها على الآخرة.
أي قدمها على طاعة الله عز وجل مثاله: إذا أذن الفجر آثر النوم على الصلاة،
وإذا قيل له أذكر الله آثر اللغو على ذكر الله وهكذا .( (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
425/10)
ـ قال تعالى { فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ)النازعات :38
أي فإن مصيره إلى الجحيم وإن مطعمه من الزقوم ومشربه من الحميم.( تفسير ابن كثير 470/4)
2) محاسبة النفس.
في قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ *
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ)النازعات (39ـ40)
ـ { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ }النازعات :39
يعني خاف القيام بين يديه؛ لأن
الإنسان يوم القيامة سوف يقرره الله عز وجل بذنوبه حين يخلو به ويقول عملت كذا، عملت
كذا، عملت كذا كما جاء في الصحيح، فإذا أقر قال الله له: «قد سترتها عليك في الدنيا
وأنا أغفرها لك اليوم» (أخرجه البخاري، كتاب المظالم، باب قول الله تعالى: (ألا لعنة الله على
الظالمين) (2441) ومسلم كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله على المؤمنين (2768) (52)
ـ { وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ) النازعات :40 }
أي عن هواها، المخالف لأمر الله
ورسوله، والنفس أمَّارة بالسوء لا تأمر إلا بالشر. ولكن هناك نفس أخرى تقابلها وهي
النفس المطمئنة؛
* وللإنسان ثلاث
نفوس:
1ـ
المطمئنة
ففي قوله تعالى: {يايَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27 ـ 30] .
2ـ الأمَّارة بالسوء
ففي قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53] .
3ـ اللوامة
ففي قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 1، 2] . .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 426/10)
* قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس؛ يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير
ويفعله وهذه هي النفس المطمئنة،
ويرى أحياناً في نفسه نزعة شر فيفعله وهذه النفس الأمارة بالسوء،
وتأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل فتجده يندم على ما
فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على عدم فعل من الخير (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
426/10)
3) الجنة هي دار النعيم .
في قوله تعالى (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ)النازعات :41
الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه فيها ما لا عين
رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،
* جاء في القرآن.
قال الله تعالى: { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17]
* جاء في السنة .
وجاء في الحديث القدسي:
«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب
بشر» (أخرجه
البخاري كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة (3244) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها
وأهلها، باب صفة الجنة (2824) (2) .
هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت، إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس
للخروج قالت: أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله وتبشر النفس بالجنة
قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»
. قالت عائشة: يا رسول الله: إنَّا لنكره الموت، فقال: «ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره
الموت بُشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله
لقاءه)(أخرجه
البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (6507)
فالجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر
على قلب بشر، والإنسان قد يدركها قبل أن يموت بما يبشر به.
وقد قال أنس بن النضر ـ رضي الله عنه ـ لسعد بن معاذ:
«يا سعد، والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد» (أخرجه البخاري كتاب المغازي، باب غزوة
احد (4048) .
وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، وجدان حقيقي.
قال ابن القيم رحمه الله:
(إن بعض الناس قد يدرك الآخرة
وهو في الدينا) (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 427/10)
4) سؤال الناس عن الساعة.
في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا
* فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ
مَن يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً
أَوْ ضُحَاهَا)(النازعات :42ـ 46)
* سؤال الناس عن الساعة ينقسم إلى قسمين:
1/ سؤال استبعاد
وإنكار.
وهذا كفر كما سأل المشركون النبي صلى الله عليه وسلّم عن الساعة واستعجلوها،
وقد قال الله عن هؤلاء:
{ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ } (الشورى - 18).
2/ وسؤال عن الساعة يسأل متى الساعة ليستعد لها وهذا لا
بأس به.
، وقد قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله متى الساعة؟ قال
له: «ماذا أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله. قال: «المرء مع من أحب» (أخرجه البخاري كتاب الأدب باب ما جاء في
قول الرجل ويلك، (6167) ومسلم كتاب البر باب المرء مع من أحب (2639) (161)
ـ قوله تعالى (مُرْسَاهَا)
أي متى وقوعاها
ـ قوله تعالى { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا } النازعات:43
يعني أنه لا يمكن أن تذكر لهم الساعة، لأن علمها عند الله
وقد سأل جبريل عليه السلام وهو
أعلم الملائكة، بوحي الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلم البشر بذلك قال:
أخبرني عن الساعة. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما المسؤول عنها بأعلم
من السائل»
(أخرجه البخاري كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل (50) ومسلم كتاب الإيمان
باب بيان الإيمان والإسلام (1)
يعني أنت إذا كانت خافية عليك فأنا خافية علي، وإذا كان
أعلم الملائكة وأعلم البشر لا يعلمان متى الساعة فما بالك بمن دونهما. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 428/10)
ـ قوله تعالى { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } النازعات:45
يعني ليس عندك علم منها ولكنك
منذر
ـ قوله تعالى { مَن يَخْشَاهَا }
أي يخافها وهم المؤمنون، أما من أنكرها واستبعدها وكذبها فإن الإنذار
لا ينفع فيه . (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 428/10)
ـ قوله تعالى (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا
إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)النازعات:46
أي : إذا قاموا من قبورهم إلى
المحشر يستقصرون مدة الحياة الدنيا ، حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم أو ضحى من يوم
.
قال جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس :
( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا )
(عَشِيَّةً): فما بين الظهر إلى
غروب الشمس ،
( ضُحَاهَا) ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار .
وقال قتادة :
وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة .( فسير ابن كثير 470/4)
تم بحمد الله تفسير سورة
النازعات
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق