تفسير جزء عم (سورة المطففين (3)
قـال الله تعـالى
(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ
* وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ
* إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي
وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ
مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)سورة المطففين(18ـ28)
الفوائد من الآيات:
1) صفة كتاب المؤمن.
في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ ) المطففين(18ـ21)
ـ قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ) كتاب
الأبرار في عليين في أعلى الجنة، أي أنهم في هذا المكان العالي قد كُتب ذلك عند الله
عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة
ـ قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} أي ما الذي أعلمك ما عليون؟ وهذا الاستفهام
يراد به التفخيم والتعظيم. يعني أي شيء أدراك به فإنه عظيم
ـ قوله تعالى { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } أي أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم مكتوب لا
يتغير ولا يتبدل
ـ قوله تعالى { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} وهم الملائكة قاله قتادة
وقال العوفي عن ابن عباس يشهده من كل سماء مقربوها.(تفسير ابن كثير 487/4)
ـ قوله تعالى { الْمُقَرَّبُونَ} عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه
وتعالى بطاعته.
وكلما كان الإنسان أكثر طاعة لله كان أقرب إلى الله. وكلما كان الإنسان
أشد تواضعاً لله كان أعز عند الله، وكان أرفع عند الله فالمقربون هم الذين تقربوا إلى
الله تعالى بصالح الأعمال، فقربهم الله من عنده.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
460/10)
2) نعيم أهل الجنة .
في قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى
الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ
مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
* وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) المطففين(22ـ 28)
1ـ قوله تعالى(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) المطففين:22
الأبرار: جمع بر، والبر كثير الخير، كثير الطاعة،
كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منّ الله
عليهم بفعل الخيرات، وترك المنكرات.
والنعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب، أما نعيم البدن فلا تسأل عنه
فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُو} [الزخرف:
71] .
وأما نعيم القلب فلا تسأل عنه أيضاً فإنهم يقال لهم وقد شاهدوا الموت
قد ذبح يقال لهم: يا أهل الجنة خلود ولا موت
حديث:( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح زاد أبو كريب فيوقف بين الجنة
والنار واتفقا في باقي الحديث فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون
نعم هذا الموت قال ويقال يا أهل النار هل تعرفون هذا قال فيشرئبون وينظرون ويقولون
نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار
خلود فلا موت )أخرجه
البخاري كتاب الرقائق باب صفة الجنة والنار (6548) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها
وأهلها باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء (2849) (22) .
ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً،
وأن تصحوا فلا تمرضوا أبدا ، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً
حديث: أبي سعيد
الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم ( قال ينادي مناد إن لكم أن تصحوا
فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا
وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ) (أخرجه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها،
باب في دوام نعيم أهل الجنة (837) (22) .
، وكل هذا مما يدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم
البدن. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
460/10)
2ـ قوله تعالى (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) المطففين:23
ـ قوله تعالى { عَلَى الْأَرَائِكِ } الأرائك: جمع أريكة وهي السرير المزخرف المزيّن الذي وَضع
عليه مثل الظل، وهو من أفخر أنواع الأسرة فهم على الأرائك على هذه الأسرة الناعمة الحسنة
البهية
ـ قوله تعالى { يَنظُرُونَ } يعني ينظرون ما أنعم الله به عليهم من النعيم الذي
لا تدركه الأنفس .
وقال بعض العلماء:
إن هذا النظر يشمل حتى النظر
إلى وجه الله، وجعلوا هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الجنة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
460/10)
3ـ قوله تعالى (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) المطففين:24
ـ قوله تعالى { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ
} أي تعرف
إذا نظرت إليهم في وجوههم نضرة النعيم أي صفة الترافة والحشمة والسرور والدعة والرياسة
مما هم فيه من النعيم العظيم.(تفسير ابن كثير 487/4)
4ـ قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ) المطففين:25
أي من شراب خالص لا شوب فيه ولا
ضرر فيه على العقل، ولا ألم فيه في الرأس، بخلاف شراب الدنيا فإنه يغتال العقل ويصدع
الرأس. أما هذا فإنه رحيق خالص ليس فيه أي أذى .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
461/10)
5ـ قوله تعالى (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين:26
ـ قوله تعالى (خِتَامُهُ مِسْكٌ) أي بقيته وآخره مسك أي طيّب الريح. بخلاف
خمر الدنيا فإنه خبيث الرائحة.
ـ قوله تعالى { وَفِي ذَٰلِكَ} أي وفي هذا الثواب والجزاء
ـ قوله تعالى { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي فليتسابق المتسابقون سباقاً يصل بهم
إلى حد النفس، وهو كناية عن السرعة في المسابقة.
يقال: نافسته أي سابقته سباقاً
بلغ بي النفس، والمنافسة في الخير هي المسابقة إلى طاعة الله عز وجل وإلى ما يرضي الله
سبحانه وتعالى، والبعد عما يسخط الله. .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 461/10)
6ـ قوله تعالى (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ
بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)المطففين(27ـ 28)
ـ قوله تعالى { وَمِزَاجُهُ) أي مزاج هذا الشراب الذي يُسقاه هؤلاء الأبرار
ـ قوله تعالى { مِن تَسْنِيمٍ } أي من عين رفيعة معنى وحسًّا، وذلك لأن
أنهار الجنة تفجّر من الفردوس، والفردوس هو أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرب
عز وجل
* حديث : كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم
قَالَ: مَنْ آمَنَ بِالله ورسُولِهِ وأقامَ الصَّلاَةَ وصامَ رَمَضَانَ،
كانَ حَقّاً عَلى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هاجَرَ فِي سَبِيلِ الله أوْ جَلَسَ
فِي أرْضِهِ الّتي وُلِدَ فِيها قالُوا: يَا رسولَ الله أفَلاَ نُنَبِّىءُ النَّاسَ
بِذَلِكَ؟ قَالَ: إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ درَجَةٍ أعَدَّها الله لِلْمُجَاهِدِينَ
فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُما كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ،
فإذَا سألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّهُ أوْسَطُ الجَنّةِ وأعْلَى الجَنّةِ،
وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمانِ، ومِنْهُ تَفَجُّرُ أنْهارُ الجَنّةِ.)(أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب وكان
عرشه على الماء (7423))
فهذا الشراب يمزج بهذا الطيب الذي يأتي من التسنيم أي: من المكان المسنَّم
الرفيع العالي، وهو جنة عدن
ـ قوله تعالى { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } أي أن هذه العين والمياه النابعة، والأنهار
الجارية يشرب بها المقربون.
وهنا سيقول قائل: لماذا قال: { يَشْرَبُ بِهَا } ؟ هل هي إناء يُحمل حتى يقال شرب بالإناء؟
فالجواب: لا. لأن العين والنهر لا يُحمل. إذن لماذا
لم يقل يشرب منها المقربون؟
والجواب عن هذا الإشكال من أحد وجهين:
فمن
العلماء من قال: (الباء) بمعنى (من) فمعنى { يَشْرَبُ بِهَا } أي يشرب منها.
ومنهم
من قال: إن يشرب بمعنى يروى ضمّنت معنى يروى فمعنى { يَشْرَبُ بِهَا } أي يروى بها المقربون.
وهذا المعنى أو هذا الوجه أحسن من الوجه الذي قبله
لأن هذا الوجه يتضمن شيئين يرجحانه
وهما: أولاً: إبقاء حرف الجر على معناه الأصلي.
والثاني: أن الفعل {يشرب} ضمَّن معنى أعلى من الشرب
وهو الري،
فكم من إنسان يشرب ولا يروى، لكن إذا روي فقد شرب، وعلى هذا فالوجه الثاني
أحسن وهو أن يضمّن الفعل {يشرب} بمعنى يروى. .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 461/10)
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق