تفسير جزء عم (سورة عبس)(1)
بسم الله الرحمن
الرحيم
(عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ
* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ
* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ* وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ
* وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ * وَهُوَ يَخْشَىٰ * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ * كَلَّا
إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ *مَّرْفُوعَةٍ
مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ) سورة عبس (1ـ16)
الفوائد من هذه الآيات:
1) سبب نزول الآيات.
ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب
بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان
ممن أسلم قديما فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه وود النبي
صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعا ورغبة في هدايته
وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه وأقبل على الآخر فأنزل الله عز وجل (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ
* أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ) عبس (1ـ3) (تفسير ابن كثير 471/4)
1ـ قوله تعالى{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } عبس:1
الضمير يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ـ قوله تعالى { عَبَسَ }أي كلح في وجهه يعني استنكر الشيء بوجهه.
ـ قوله تعالى { وَتَوَلَّىٰ} أعرض.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
430/10)
2ـ قوله تعالى { أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ }عبس:2
الأعمى:
هو عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم رضي الله عنه، فإنه جاء إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم قبل الهجرة وهو في مكة، وكان عنده قوم من عظماء قريش يطمع النبي صلى
الله عليه وآله وسلم في إسلامهم، ـ ومن المعلوم أن العظماء والأشراف إذا أسلموا كان
ذلك سبباً لإسلام من تحتهم وكان طمع النبي صلى الله عليه وسلّم فيهم شديداً ـ
فكان النبي عليه الصلاة والسلام في عبوسه وتوليه
* يلاحظ هذين الأمرين.
الأمر
الأول: الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء.
والأمر
الثاني: ألا يزدروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كونه يلتفت إلى هذا
الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم.
ولا شك أن هذا اجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس
احتقاراً لابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يهمه إلا أن تنتشر
دعوة الحق بين عباد الله، وأن الناس عنده سواء بل من كان أشد إقبالاً على الإسلام فهو
أحب إليه.(التفسير الثمين
الشيخ محمد العثيمين431/10
3ـ قوله تعالى { وَمَا
يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ
} عبس:3
أي: أي شيء يريبك أن يتزكى هذا
الرجل ويقوي إيمانه.
ـ قوله تعالى { لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ }
أي لعل ابن أم مكتوم
ـ قوله تعالى { يَزَّكَّىٰ }
أي يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو
منه فإنه أحق أن يلتفت إليه. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين431/10)
4ـ قوله تعالى { أَوْ
يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ }عبس:4
يعني وما يدريك لعله يذكر أي
يتعظ فتنفعه الموعظة فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر.
5ـ قوله تعالى { أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ }عبس:5
يعني استغنى بماله لكثرته، واستغنى
بجاهه لقوته وهم العظماء الذين عند رسول الله صلى الله عليه سلم
6ـ قوله تعالى { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى}عبس:6
أي تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل
عليه.
7ـ قوله تعالى {وَمَا
عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ }عبس:7
يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى
هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ، فبيّن الله سبحانه وتعالى أن ابن أم مكتوم
رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال
الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء.
8ـ قوله تعالى { وَأَمَّا
مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ}عبس:8
أي يستعجل من أجل انتهاز الفرصة
إلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
9ـ قوله تعالى {وَهُوَ
يَخْشَىٰ }عبس:9
أي يخاف الله عز وجل بقلبه. لعلمه
بعظمته تعالى
10ـ قوله تعالى{ فَأَنتَ
عَنْهُ تَلَهَّىٰ }عبس:10
أي تتلهى عنه وتتغافل لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين431/10)
2) الآيات القرانية التي
أنزلها الله على رسوله عليه الصلاة والسلام
في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ
ذَكَرَهُ)عبس(11ـ 12)
وقال قتادة والسدي:
ـ قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ)عبس:11
يعني القرآن. (تفسير ابن كثير 471/4)
تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه، وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ
بها القلب. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين431/10)
ـ قوله تعالى (فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ)عبس:12
أي فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ، ومن شاء لم يتعظ.
* شرعاً .
فإنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الإنسان مخير شرعاً بين الكفر والإيمان
بل هو مأمور بالإيمان ومفروض عليه الإيمان .
* قدراَ.
فالله جعل للإنسان الخيار قدراً بين أن يؤمن ويكفر
هو مخير وليس كما يزعم بعض الناس مسير مجبر على عمله، بل هذا قول مبتدع
ابتدعه الجبرية من الجهمية وغيرهم (.انظر تفصيل ذلك في مجموع وفتاوى ورسائل
فضيلة شيخنا رحمه الله 2/ 90 فتوى رقم (195) .
فالإنسان في الحقيقة مخير، ولذلك
إذا وقع الأمر بغير اختياره كالمكره والنائم والنسي ونحوهم لم يترتب عليه حكمه فيما
بينه وبين الله تعالى . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين431ـ432/10)
3) تعظيم الصحف.
في قوله تعالى (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ *مَّرْفُوعَةٍ
مُّطَهَّرَةٍ)عبس(13ـ14)
معظمة عند الله، والصحف جمع صحائف، والصحائف جمع صحيفة وهي ما يكتب فيه
القول. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين432/10)
4) أوصاف الملائكة.
في قوله تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ)عبس(15ـ16)
السفرة الملائكة
س: ما سبب تسمية الملائكة
بالسفرة؟
سموا سفرة لأنهم كتبة مأخوذة من السَّفَر أو من السَّفْرِ وهو الكتاب.
وقيل:
السفرة الوسطاء بين الله وبين خلقه، من السفير وهو الواسطة بين الناس
ومنه
حديث:
أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة رضي الله
عنها قبل أن يحرم قال: «وكنت السفير بينهما»
أي الواسطة. أخرجه مسلم كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم (1411) (48)
والصحيح :
أنهم سموا سفرة لهذا وهذا لأنهم سفراء بين الله وبين الخلق
فجبريل عليه الصلاة والسلام واسطة
بين الله وبين الخلق في النزول بالوحي، والكتبة الذين يكتبون ما يعمل الإنسان أيضاً
يكتبونه ويبلغونه إلى الله عز وجل، والله تعالى عالم به حين كتابته وقبل كتابته.
ـ قوله تعالى { كِرَامٍ }عبس:16
كرام في أخلاقهم. . كرام في خلقتهم
لأنهم على أحسن خلقة، وعلى أحسن خُلق، ـ
ـ قوله تعالى (بَرَرَةٍ) عبس:16
ـ قوله تعالى (بَرَرَةٍ) عبس:16
جمع بر وهو كثير الفضل والإحسان ولهذا وصف الله الملائكة بأنهم كرام كاتبين
يعلمون ما تفعلون. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين432/10)
مسالة:
هل يجوز لقب الإنسان
بوصفه الأعمى والأعرج والأعمش؟
يقول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
جواز لقب الإنسان بوصفه مثل الأعمى والأعرج والأعمش، وقد كان العلماء
يفعلون هذا، الأعرج عن أبي هريرة، الأعمش عن ابن مسعود .. وهكذا
قال أهل العلم :
*اللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فلا بأس به،
*وأما إذا كان المقصود به تعيير الشخص فإنه حرام؛ لأنه لا يقصد به التبيين وإنما يقصد به الشماتة .
جاء في الأثر
«لا تظهر
الشماتة في أخيك فيرحمه الله ويبتليك» (أخرجه الترمزي باب صفة القيامة باب لا
تظهر الشماته لأخيك (2506) وقال حديث حسن قريب.) (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين433/10)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق