الخميس، 13 يونيو 2019


تفسير جزء عم (سورة النبأ)(3)

{قال الله تعالى}

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ  لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا  لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ  فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا } .سورة النبأ (31ـ 40)


الفوائد من هذه الآيات:

1) من هم المتقين؟.

في قوله تعالى:( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)النبأ:31

المتقون: هم الذين اتقوا عقاب الله، وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه

والمفاز: هو مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً، فهم فائزون في أمكنتهم، وفائزون في أيامهم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/413)

وقال مجاهد وقتادة:

 فازوا فنجوا من النار. (تفسير ابن كثير 4/465)

 

2) كرامة ونعيم المتقين.

قوله تعالى(حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا* وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا)النبأ(32ـ36)

ـ قوله تعالى { حَدَائِقَ }

 حَدَائِقَ: جمع حديقة أي بساتين أشجارها عظيمة وكثيرة ومنوعة.

ـ قوله تعالى { وَأَعْنَابًا }

الأعناب: جمع عنب وهي من جملة الحدائق لكنه خصها بالذكر لشرفها

ـ قوله تعالى { وَكَوَاعِبَ }

الكواعب: جمع كاعب وهي التي تبين ثديها ولم يتدل، بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر.

ـ قوله تعالى {وأتراباً}

أي على سن واحدة لا تختلف إحداهن عن الأخرى كبراً كما في نساء الدنيا، لأنها لو اختلفت إحداهن عن الأخرى كبراً فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب.

ـ قوله تعالى {وكأساً دهاقاً}

أي كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر. وربما يكون للخمر وغيره، . ولكن يرجح أنها الخمر وحدها.

 ـ قوله تعالى { لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا}

 لا يسمعون في الجنة لغواً أي كلاماً باطلاً لا خير فيه.

ـ قوله تعالى { وَلَا كِذَّابًا}

 أي: ولا كذباً فلا يكذبون، ولا يكذب بعضهم بعضاً، لأنهم على سرر متقابلين قد نزع الله ما في صدورهم من غل وجعلهم أخواناً.

ـ قوله تعالى { جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً}

 أي أنهم يجزون بهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا واتقوا بها محارم الله.

 ـ قوله تعالى { حِسَابًا}

 أي كافياً، مأخوذة من الحسب وهو الكفاية أي أن هذا الكأس كأس كافٍ لا يحتاجون معه إلى غيره لكمال لذته وتمام منفعته. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/414)

 

3)عظمة الله وجلاله.

في قوله تعالى(رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ  لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (النبأ :37)

فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء. فهو رب السماوات السبع الطباق، ورب الأرض وهي سبع كما ثبت ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله ﷺ قال:

(من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين ) ومسلم كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (1610) (1611) (1612)

 عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن وكانت بينه وبين أناس خصومة في أرض فدخل على  عائشة فذكر لها ذلك فقالت يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (3195) (3196) .

قال الداودي

 : فيه دلالة على أن الأرضين بعضها فوق بعض مثل السماوات ونقل عن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة وأن السبع متجاورة

عن ابن عباس في هذه الآية

ومن الأرض مثلهن قال : في كل أرض مثل إبراهيم ، ونحو ما على الأرض من الخلق .(هكذا أخرجه مختصرا وإسناده [ ص: 339 ] صحيح . أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين (3195) (3196) .

ـ قوله تعالى {وما بينهما}

 أي ما بين السماوات والأرض من المخلوقات العظيمة كالغيوم والسحب والأفلاك وغيرها مما نعلمه، ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/415)

ـ قوله تعالى (لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا)

أي : لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه.(تفسير ابن كثير 4/466)



4)صفوف الملائكة.

في قوله تعالى(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ) النبأ:38

ـ قوله تعالى {يوم يقوم الروح} وهو جبريل

ـ قوله تعالى {والملائكة صفًّا}

 أي صفوفاً. صفًّا بعد صف، لأنه كما جاء في الحديث: «تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق، ثم ملائكة السماء الثانية من وراءهم، ثم الثالثة والرابعة والخامسة» (البداية والنهاية لابن كثير (فصل في مجئ الرب سبحانه وتعالى) 473 / 19. والحاكم (4/614) وقال الذهبي قوي)

وهكذا صفوفاً لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/415)


 

5) الأذن بالكلام.

في قوله تعالى  (لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا)النبأ:38

أي: لا يتكلمون ملائكة ولا غيرهم.

ـ قوله تعالى  {إلا من أذن له الرحمن}

 بالكلام فإنه يتكلم كما أُذن له.

ـ قوله تعالى  {وقال صواباً}

أي قال قولاً صواباً موافقاً لمرضات الله سبحانه وتعالى وذلك بالشفاعة إذا أذن الله لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له فيه على حسب ما أُذن له. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/415)



6) يوم الحق

في قوله تعالى (ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ  فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا )النبأ:39

أي ذلك الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق، والحق ضد الباطل أي الثابت الذي يقوم فيه الحق، ويقوم فيه العدل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ـ قوله تعالى {فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً}

أي من شاء عمل عملاً يؤوب به إلى الله ويرجع به إلى الله، وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/415)

 


7) الإنذار بالعذاب.

في قوله تعالى (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)النبأ:40

خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة. ويوم القيامة قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب

فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب، ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت، والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي، أو يمسي ولا يصبح، ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا، وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.

ـ قوله تعالى {يوم ينظر المرء ما قدمت يداه}

المرء: أي كل امرىء ينظر ما قدمت يداه ويكون بين يديه ويعطى كتابه، ويقال: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} [الإسراء: 14] .

ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول وما يشاهده من العذاب:

 ـ قوله تعالى {يا ليتني كنت تراباً}

 أي ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها ثم يقول كوني تراباً فتكون تراباً يتمنى أن يكون مثل البهائم

* فقوله: {كنت تراباً} تحتمل ثلاثة معانٍ:

المعنى الأول: يا ليتني كنت تراباً فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب.

المعنى الثاني: ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، يعني كنت ترابًا في أجواف القبور.

المعنى الثالث: أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً فكانت تراباً قال: ليتني كنت تراباً أي كما كانت هذه البهائم ـ والله أعلم ـ (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/415ـ416)

                                تم بحمد الله تفسير سورة النبأ

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق