تفسير جزء عم (سورة النازعات)(1)
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ}
(وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ
سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا *يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ
* تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
*يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَءذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً
*قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا
هُم بِالسَّاهِرَةِ) النازعات(1ـ 14)
الفوائد من هذه الآيات:
1) أوصاف للملائكة على حسب أعمالهم
في قوله تعالى:( (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ
سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) النازعات(1ـ5)
أقسم الله سبحانه وتعالى بالملائكة لأنهم من خير المخلوقات، ولا يقسم
الله سبحانه وتعالى بشيء إلا وله شأن عظيم إما في ذاته، وإما لكونه من آيات الله عز
وجل.
* فهذه الأوصاف كلها أوصاف للملائكة على حسب أعمالهم
1ـ قوله تعالى (وَالنَّازِعَاتِ
غَرْقًا)
هي الملائكة , يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار تنزعها .
{غرقا} أي نزعاً بشدة.
وسبب ذلك أن الملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفار إذا دعت الروح إلى الخروج
تناديها بأقبح الأوصاف
تقول الملائكة لروح الكافر:
اخرجي أيتها النفس الخبيثة التي
كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى غضب الله، فتنفر الروح لا تريد أن تخرج إلى هذا، وتتفرق
في الجسد حتى يقبضوها بشدة، وينزعوها نزعاً يكاد يتمزق الجسد منها من شدة النزع. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 417)
2ـ قوله تعالى {والناشطات نشطا}
يعني الملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين
تنشطها نشطاً: أي تسلها برفق
أما أرواح المؤمنين فإن الملائكة
إذا نزلت لقبضها تبشرها:
أخرجي يا أيتها النفس الطيبة
التي كانت في الجسد الطيب أخرجي إلى رضوان الله، فيهون عليها أن تفارق جسدها الذي ألفته
فتخرج بسهولة. (أخرجه
الإمام أحمد في المسند (287/4) . وأبو داؤود كتاب السنة، باب المسألة في القبر
(4753) ، والحاكم (37/1) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه،
ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» . قالت عائشة: يا رسول الله: إنَّا لنكره الموت،
فقال: «ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر
برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه»
. (أخرجه
البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (6507))(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 418)
3ـ قوله تعالى {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا)
هي الملائكة تسبح بأمر الله، أي تسرع فيه كما يسرع السابح في الماء
فالمعنى أنها تسبح بأمر الله عز وجل على حسب ما أراد الله سبحانه وتعالى
. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 418)
س: أيهما اقوى الملائكة أم الجن أم البشر ؟
قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله:
الملائكة أقوى من الجن، والجن أقوى من البشر.
انظر إلى قوله تعالى عن سليمان:
(قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ
أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ
لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا
رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ[النمل: 38 ـ 40] .
قال العلماء:
إنه حملته الملائكة حتى جاءت به إلى سليمان من اليمن، وسليمان بالشام
بلحظة فدل هذا على أن قوة الملائكة أشد بكثير من قوة الجن، وقوة الجن أشد من بني آدم؛
لأنه لا يستطيع أحد من بني آدم أن يأتي بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام إلا مدة طويلة. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 418)
4ـ قوله تعالى { فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا)
هي الملائكة تسبق إلى أمر الله عز وجل، ولهذا كانت الملائكة أسبق إلى
أمر الله وأقوم بأمر الله من بني آدم
فهم سباقون إلى أمر الله عز وجل بما يأمرهم لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون
ما يؤمرون، لقوتهم وقدرتهم على فعل أوامر الله عز وجل.
قال تعالى{ وَمَنْ
عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20,19] (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 418)
5ـ قوله تعالى (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)
وصف للملائكة تدبر الأمر، أمور الله عز وجل لها ملائكة تدبرها، حسب أمره
ـ فجبرائيل موكل بالوحي يتلقاه من الله وينزل به على الرسل
ـ وإسرافيل موكل بنفخ الصور الذي يكون عند يوم القيامة
ينفخ في الصور فيفزع الناس ويموتون، ثم ينفخ فيه أخرى فيبعثون.
ـ وميكائيل موكل بالقطر وبالمطر والنبات.
ـ وملك الموت موكل بالأرواح.
ـ ومالك موكل بالنار، ورضوان موكل بالجنة.
ـ وعن اليمين وعن الشمال قعيد موكل بالأعمال.
ـ وملائكة موكلون بحفظ أعمال بني آدم كلٌّ يدبر ما أمره الله عز وجل به. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
10/ 418ـ 419)
2)النفخ في الصور.
في قوله تعالى (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ ) (النازعات:6ـ 7)
وهما النفختان في الصور:
1/
النفخة الأولى في قوله (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)
ترجف الناس ويفزعون ثم يموتون عن آخرهم إلا من شاء الله.
2/ النفخة الثانية في قوله (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ)
يبعثون من قبورهم فيقوم الناس من قبورهم مرة واحدة. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 419)
3) وصف قلوب الناس.
كما في قوله تعالى:( قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا
خَاشِعَةٌ * يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَءذَا كُنَّا
عِظَامًا نَّخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ
وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ)النازعات(8ـ14)
انقسم الناس إلى قسمين:
القسم الأول:ـ قوله تعالى { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ)
وهذه قلوب الكفار: خائفة خوفاً شديداً.
ـ قوله تعالى { أَبْصَارُهَا
خَاشِعَةٌ }
يعني ذليلة لا تكاد تحدق أو تنظر بقوة ولكنه قد غضت أبصارهم ـ والعياذ
بالله
وأما القسم الثاني :ـ قوله تعالى { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ
وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ)
فقلوبهم على عكس قلوب هؤلاء
زجرة من الله عز وجل يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واحد
على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها .
كل الخلق في هذه الكلمة الواحدة
يخرجون من قبورهم أحياء، ثم يحضرون إلى الله عز وجل ليجازيهم.
فإذا كان الخلق كلهم يقومون من قبورهم لله عز وجل بكلمة واحدة فهذا أدل
دليل على أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في
الأرض.(
(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 419)
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق