السبت، 29 يونيو 2019


تفسير جزء عم (سورة المطففين (4)

قـال الله تعـالى

 ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) سورة المطففين(29ـ 36)


الفوائد من الآيات:

1) استهزاء الكفار بالمؤمنين.

1ـ قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) المطففين:29

يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم.(تفسير ابن كثير488/4)

ـ قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} أي قاموا بالجرم وهو المعصية والمخالفة

ـ قوله تعالى{ كَانُوا} أي في الدنيا

 ـ قوله تعالى {مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } استهزاءاً وسخرية واستصغاراً لهم. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 462/10).



 

2ـ قوله تعالى (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) المطففين:30

ـ قوله تعالى { وَإِذَا مَرُّوا} الفاعل يصح أن يكون إذا مر المؤمنون بالمجرمين، أو إذا مر المجرمون بالمؤمنين،

ـ قوله تعالى { يَتَغَامَزُونَ} يعني يغمز بعضهم بعضاً، انظر إلى هؤلاء سخرة واستهزاء واستصغاراً. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 462/10).

 

3ـ قوله تعالى (وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ) المطففين:31

ـ قوله تعالى {وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ } إذا انقلب المجرمون إلى أهلهم

ـ قوله تعالى { انقَلَبُوا فَكِهِينَ } يعني متفكهين بما نالوه من السخرية بهؤلاء المؤمنين، فهم يستهزؤن ويسخرون ويتفكهون بهذا، ظنًّا منهم أنهم نجحوا وأنهم غلبوا المؤمنين، ولكن الأمر بالعكس. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 462/10).

 

4ـ قال تعالى :{ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} المطففين:32

ـ قال تعالى { وَإِذَا رَأَوْهُمْ} أي رأى المجرمون المؤمنين

ـ قال تعالى { قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} ضالون عن الصواب، متأخرون، متزمتون متشددون إلى غير ذلك من الألقاب،

وقد قالوا للرسل عليهم الصلاة والسلام إنهم سحرة أو مجانين،
قال الله تعالى:( كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}. [الذاريات: 52] (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 462/10).

 



قال تعالى {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} المطففين:33

أي وما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على هؤلاء المؤمنين ما يصدر من أعمالهم وأقوالهم ولا كلفوا بهم فلم اشتغلوا بهم وجعلوهم نصب أعينهم

كما قال تعالى( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) المؤمنون 108 – 111(تفسير ابن كثير 488/4)



 



2) الضحك الذي لا بكاء بعده.

1ـ قوله تعالى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) المطففين:34

ـ قوله تعالى (فَالْيَوْمَ) اليوم يعني يوم القيامة.

ـ قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ) المعنى: فالذين آمنوا يضحكون اليوم من الكفار، وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك المجرمين بالمؤمنين في الدنيا فسيعقبه البكاء والحزن والويل والثبور. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 463/10).

 

2ـ قوله تعالى{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ } المطففين:35

 ـ قوله تعالى (عَلَى الْأَرَائِكِ) أي أن المؤمنين على الأرائك في الجنة، والأرائك هي السرر الفخمة الحسنة النضرة.

ـ قوله تعالى { يَنظُرُونَ } أي ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب، وينظرون أولئك الذين يسخرون بهم في الدنيا، ينظرون إليهم وهم في عذاب الله. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 463/10).


 

3ـ قال تعالى: { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} المطففين:36

 ـ { ثُوِّبَ} أي جوزي

ـ { هَلْ } هنا للتقرير أي أن الله تعالى قد ثوب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، وهو سبحانه وتعالى حكم عدل. فحكمه دائر بين العدل والفضل، بالنسبة للذين آمنوا حكمه وجزاؤه فضل، وبالنسبة للكافرين حكمه وجزاؤه عدل، فالحمد لله رب العالمين. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 463/10).

تم بحمد الله تفسير سورة المطففين

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

الخميس، 27 يونيو 2019


تفسير جزء عم (سورة المطففين (3)

قـال الله تعـالى

 (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ *  يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ  وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)سورة المطففين(18ـ28)


الفوائد من الآيات:

1) صفة كتاب المؤمن.

في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) المطففين(18ـ21)

ـ قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) كتاب الأبرار في عليين في أعلى الجنة، أي أنهم في هذا المكان العالي قد كُتب ذلك عند الله عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة

ـ قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} أي ما الذي أعلمك ما عليون؟ وهذا الاستفهام يراد به التفخيم والتعظيم. يعني أي شيء أدراك به فإنه عظيم

ـ قوله تعالى { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } أي أن كتاب الأبرار كتاب مرقوم مكتوب لا يتغير ولا يتبدل

ـ قوله تعالى { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} وهم الملائكة قاله قتادة

وقال العوفي عن ابن عباس يشهده من كل سماء مقربوها.(تفسير ابن كثير 487/4)

ـ قوله تعالى { الْمُقَرَّبُونَ} عند الله هم الذين تقربوا إلى الله سبحانه وتعالى بطاعته.

وكلما كان الإنسان أكثر طاعة لله كان أقرب إلى الله. وكلما كان الإنسان أشد تواضعاً لله كان أعز عند الله، وكان أرفع عند الله فالمقربون هم الذين تقربوا إلى الله تعالى بصالح الأعمال، فقربهم الله من عنده.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 460/10)

 

2) نعيم أهل الجنة .

في قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ *  يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ  وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) المطففين(22ـ 28)

1ـ قوله تعالى(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) المطففين:22

الأبرار: جمع بر، والبر كثير الخير، كثير الطاعة، كثير الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، فهؤلاء الأبرار الذين منّ الله عليهم بفعل الخيرات، وترك المنكرات.

والنعيم هنا يشمل نعيم البدن ونعيم القلب، أما نعيم البدن فلا تسأل عنه فإن الله سبحانه وتعالى قال في الجنة: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُو} [الزخرف: 71] .

وأما نعيم القلب فلا تسأل عنه أيضاً فإنهم يقال لهم وقد شاهدوا الموت قد ذبح يقال لهم: يا أهل الجنة خلود ولا موت

حديث:( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح زاد أبو كريب فيوقف بين الجنة والنار واتفقا في باقي الحديث فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال ويقال يا أهل النار هل تعرفون هذا قال فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت قال فيؤمر به فيذبح قال ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت )أخرجه البخاري كتاب الرقائق باب صفة الجنة والنار (6548) ، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء (2849) (22) .

ويقال لهم: ادخلوها بسلام، ويقال لهم: إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وأن تصحوا فلا تمرضوا أبدا ، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً

حديث:  أبي سعيد الخدري  وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا ) (أخرجه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة (837) (22) .

، وكل هذا مما يدخل السرور على القلب فيحصل لهم بذلك نعيم القلب ونعيم البدن. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 460/10)



 

2ـ قوله تعالى (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) المطففين:23

ـ قوله تعالى { عَلَى الْأَرَائِكِ } الأرائك:  جمع أريكة وهي السرير المزخرف المزيّن الذي وَضع عليه مثل الظل، وهو من أفخر أنواع الأسرة فهم على الأرائك على هذه الأسرة الناعمة الحسنة البهية

ـ قوله تعالى { يَنظُرُونَ } يعني ينظرون ما أنعم الله به عليهم من النعيم الذي لا تدركه الأنفس .

وقال بعض العلماء:

 إن هذا النظر يشمل حتى النظر إلى وجه الله، وجعلوا هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله عز وجل في الجنة .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 460/10)

 

 

3ـ قوله تعالى (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) المطففين:24

ـ قوله تعالى { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } أي تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم نضرة النعيم أي صفة الترافة والحشمة والسرور والدعة والرياسة مما هم فيه من النعيم العظيم.(تفسير ابن كثير 487/4)




4ـ قوله تعالى (يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ) المطففين:25

 أي من شراب خالص لا شوب فيه ولا ضرر فيه على العقل، ولا ألم فيه في الرأس، بخلاف شراب الدنيا فإنه يغتال العقل ويصدع الرأس. أما هذا فإنه رحيق خالص ليس فيه أي أذى .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 461/10)

 

5ـ قوله تعالى (خِتَامُهُ مِسْكٌ  وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين:26

ـ قوله تعالى (خِتَامُهُ مِسْكٌ) أي بقيته وآخره مسك أي طيّب الريح. بخلاف خمر الدنيا فإنه خبيث الرائحة.

ـ قوله تعالى { وَفِي ذَٰلِكَ} أي وفي هذا الثواب والجزاء

ـ قوله تعالى { فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } أي فليتسابق المتسابقون سباقاً يصل بهم إلى حد النفس، وهو كناية عن السرعة في المسابقة.

 يقال: نافسته أي سابقته سباقاً بلغ بي النفس، والمنافسة في الخير هي المسابقة إلى طاعة الله عز وجل وإلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، والبعد عما يسخط الله. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 461/10)

 

6ـ قوله تعالى (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)المطففين(27ـ 28)

ـ قوله تعالى { وَمِزَاجُهُ) أي مزاج هذا الشراب الذي يُسقاه هؤلاء الأبرار

ـ قوله تعالى { مِن تَسْنِيمٍ }  أي من عين رفيعة معنى وحسًّا، وذلك لأن أنهار الجنة تفجّر من الفردوس، والفردوس هو أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرب عز وجل

* حديث : كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قَالَ: مَنْ آمَنَ بِالله ورسُولِهِ وأقامَ الصَّلاَةَ وصامَ رَمَضَانَ، كانَ حَقّاً عَلى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، هاجَرَ فِي سَبِيلِ الله أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الّتي وُلِدَ فِيها قالُوا: يَا رسولَ الله أفَلاَ نُنَبِّىءُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: إنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ درَجَةٍ أعَدَّها الله لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُما كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فإذَا سألْتُمُ الله فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّهُ أوْسَطُ الجَنّةِ وأعْلَى الجَنّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمانِ، ومِنْهُ تَفَجُّرُ أنْهارُ الجَنّةِ.)(أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء (7423))

فهذا الشراب يمزج بهذا الطيب الذي يأتي من التسنيم أي: من المكان المسنَّم الرفيع العالي، وهو جنة عدن

ـ قوله تعالى { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } أي أن هذه العين والمياه النابعة، والأنهار الجارية يشرب بها المقربون.


وهنا سيقول قائل: لماذا قال: { يَشْرَبُ بِهَا } ؟ هل هي إناء يُحمل حتى يقال شرب بالإناء؟

فالجواب: لا. لأن العين والنهر لا يُحمل. إذن لماذا لم يقل يشرب منها المقربون؟

والجواب عن هذا الإشكال من أحد وجهين:

 فمن العلماء من قال: (الباء) بمعنى (من) فمعنى { يَشْرَبُ بِهَا } أي يشرب منها.

 ومنهم من قال: إن يشرب بمعنى يروى ضمّنت معنى يروى فمعنى { يَشْرَبُ بِهَا } أي يروى بها المقربون.

وهذا المعنى أو هذا الوجه أحسن من الوجه الذي قبله

لأن هذا الوجه يتضمن شيئين يرجحانه

وهما: أولاً: إبقاء حرف الجر على معناه الأصلي.

والثاني: أن الفعل {يشرب} ضمَّن معنى أعلى من الشرب وهو الري،

فكم من إنسان يشرب ولا يروى، لكن إذا روي فقد شرب، وعلى هذا فالوجه الثاني أحسن وهو أن يضمّن الفعل {يشرب} بمعنى يروى. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 461/10)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

الأربعاء، 26 يونيو 2019


تفسير جزء عم (سورة المطففين (2)

قـال الله تعـالى

 (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا  بَلْ  رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)سورة المطففين(7ـ17)


الفوائد من الآيات:

1) صفة كتاب الكافر.

في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ) المطففين(7ـ9)

1ـ قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) المطففين:7

فبين الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن كتاب الفجار في سجين

 * قال العلماء:

السجين : إنه مأخوذ من السجن وهو الضيق، أي في مكان ضيق، وهذا المكان الضيق هو نار جهنم .

ـ كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَّا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان 13، 14] .

ـ وجاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور في قصة المحتضر وما يكون بعد الموت أن الله سبحانه وتعالى يقول:

 «اكتبوا كتاب عبدي يعني ـ الكافر ـ في السجين في الأرض السابعة السفلى» (أخرجه الإمام أحمد في المسند (287/4) . وأبو داؤود كتاب السنة، باب المسألة في القبر (4753) ، والحاكم (37/1) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي

فسجين هو أسفل ما يكون من الأرض الذي هو مقر النار نعوذ بالله منها فهذا الكتاب في سجين. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 456/10)

2ـ قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } المطففين:8

فالاستفهام هنا للتعظيم أي ما الذي أعلمك بسجين؟ وهل بحثت عنه؟
وهذا التعظيم في سجين ليس لرفعته وعلوه ولكنه لسفوله ونزوله. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 457/10)

قوله تعالى { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } المطففين:9

يعني مكتوب لا يزاد فيه ولا ينقص ولا يبدل ولا يغيّر، بل هذا مآلهم ومقرهم ـ والعياذ بالله ـ أبد الابدين.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 457/10)

 

2) الوعيد لمن كذب بيوم الدين.

في قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا  بَلْ  رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين(10ـ 14)

قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) المطففين)10ـ11)

هؤلاء الذين يكذبون بيوم الدين توعدهم الله بالويل؛ لأن هؤلاء المكذبين بيوم الدين لا يمكن أن يستقيموا على شريعة الله. لا يستقيم على شريعة الله إلا من آمن بيوم الدين

والله يقرن الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر دائماً؛ لأن الإيمان بالله ابتداء والإيمان باليوم الآخر انتهاء.

فتؤمن بالله ثم تعمل لليوم الآخر الذي هو المقر، فهؤلاء  كذبوا بيوم الدين، ومن كذب به لا يمكن أن يعمل له أبداً؛ لأن العمل مبني على عقيدة، فإذا لم يكن هناك عقيدة فلا عمل. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 457/10)

2ـ قوله تعالى (وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) المطففين:12

ـ قوله تعالى { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي ما يكذب بيوم الدين وينكره

  قوله تعالى { إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيم} :

   قيل:{ مُعْتَدٍ} في أفعاله { أَثِيمٍ} في أقواله

 وقيل:{مُعْتَدٍ} في أفعاله { أَثِيمٍ} في كسبه أي أن مآله إلى الإثم .

والمعنيان متقاربان فلا يمكن أن يكذب بيوم الدين إلا رجل معتد أثيم، آثم كاسب للآثام التي تؤدي به إلى نار جهنم . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 457/10)

 3ـ قوله تعالى (إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا  بَلْ  رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين(13ـ14)

ـ قوله تعالى { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا} يعني إذا تلاها عليه أحد

ـ قوله تعالى {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي هذه أساطير الأولين

 وأساطير: جمع أسطورة وهي الكلام الذي يذكر للتسلي ولا حقيقة له ولا أصل له،

فيقول: هذا القرآن أساطير الأولين، ولم ينتفع بالقرآن وهو أبلغ الكلام وأشده تأثيراً على القلب حتى قال الله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] .

ـ قوله تعالى { كَلَّا بَلْ} أي ليست أساطير الأولين

ـ قوله تعالى { رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم} أي اجتمع عليها وحجبها عن الحق

ـ قوله تعالى { مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي من الأعمال السيئات؛ لأن الأعمال السيئات تحول بين المرء وبين الهدى. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 457/10)




3) حجب الكفار عن رؤية الله يوم القيامة.

في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) المطففين(15ـ17)

1ـ قوله تعالى (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) المطففين:15

أي حقًّا إنهم عن ربهم لمحجوبون، وذلك في يوم القيامة فإنهم يحجبون عن رؤية الله عز وجل كما حُجبوا عن رؤية شريعته وآياته فرأوا أنها أساطير الأولين.
وبهذه الآية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله عز وجل

* ورؤية الله عز وجل ثابتة بالكتاب، ومتواتر السنة، وإجماع الصحابة والأئمة :

* من الكتاب.

كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]

* السنة.

ـ قال النبي عليه الصلاة والسلام «إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب» (اخرجه البخاري كتاب التوحيد، (7473) ومسلم كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى (180) (296) .

ـ وقال عليه الصلاة والسلام: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» (أخرجه البخاري كتاب التوحيد (7434) ومسلم كتاب الإيمان باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى (180) (296)

* إجماع الصحابة والأئمة.

وقد آمن بذلك الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان من سلف هذه الأمة وأئمتها، وأنكر ذلك من حُجبت عقولهم وقلوبهم عن الحق فقالوا: إن الله لا يمكن أن يُرى بالعين، وإنما المراد بالرؤية في الآيات هي رؤية القلب أي اليقين، ولا شك أن هذا قول باطل مخالف للقرآن والسنة.( (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 458/10)

2ـ قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) المطففين(16ـ17)

ـ قوله تعالى { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ } أي هؤلاء الفجار

ـ قوله تعالى { لَصَالُوا الْجَحِيمِ} أي يصلونها يصلون حرارتها أو عذابها نسأل الله العافية.

ـ قوله تعالى {هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} فيجتمع عليهم العذاب البدني والألم البدني بصلي النار وكذلك العذاب القلبي بالتوبيخ والتنديم. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 459/10)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين