الأربعاء، 22 أغسطس 2018


لمعة الاعتقاد(9)

فَصْلٌ (رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة )

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

قال المؤلف:

(وَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَيَزُورُونَهُ, وَيُكَلِّمُهُمْ, وَيُكَلِّمُونَهُ, قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين:15) فَلَمَّا حَجَبَ أُولَئِكَ فِي حَالِ اَلسُّخْطُ, دَلَّ عَلَى أَنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ فِي حَالِ اَلرِّضَى, وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ, وَقَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا اَلْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ )) ([4]) حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا تَشْبِيهٌ لِلرُّؤْيَةِ, لَا لِلْمَرْئِيّ, فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى لَا شَبِيهَ لَهُ, وَلَا نَظِيرَ)

* المسائل على هذا المتن:

1) ورؤية الله تعالى.

 قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله:

هي أيضًا من المسائل المهمة التي تكلم فيها أهل السنة، وأثبتوها بالأدلة، وخالف فيها المعتزلة خلافًا صريحًا، وخالف فيها الأشاعرة خلافًا معنويًّا، وهدى الله أهل السنة لقبولها، ولم يلزمهم محذور من إثباتها .)(الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ53)




2) رؤية الله في الدنيا.

رؤية الله في الدنيا مستحيلة لقوله تعالى لموسى وقد طلب رؤية الله: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] (شرح لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ87)

قد اختلفوا: هل يمكن النظر إلى الله تعالى في الدنيا، وهل رآه النبي صلى الله عليه وسلم؟

 والصحيح :

أنه لا يمكن لأحد من البشر أن يرى ربه في الدنيا

 ولأجل ذلك لم يتمكن موسى من النظر إلى ربه بعد أن سأل النظر، وأخبره الله بعدم التمكن من ذلك،

 والدليل قوله تعالى:  ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ) ( الأعراف:143 ) .

   فهذا دليل على أن البشر لضعف خلقتهم في الدنيا لا يتمكنون من رؤية الله تعالى

والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: لم يره رؤية بصرية في الدنيا،

 ودليل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قيل له: هل رأيت ربك ؟:  ( نورٌ أنَّى أراه ) رواه مسلم

 يعني: كيف أراه ودونه ذلك النور، وكذلك في رواية ( رأيت نورًا )؛ وذلك لأن الله تعالى احتجب عن عباده بالنور.

   وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم:   (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه  ) رواه مسلم

  فالصحيح أنه رآه رؤية قلبية لا رؤية بصرية،

والذين أثبتوا الرؤية له استدلوا بقوله تعالى:   (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ) ( النجم:13-14 ) 

والصحيح أن الضمير يعود إلى جبريل  .((الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ53)





3) رؤية الله في الآخرة:

رؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف.

1ـ من الكتاب

قال الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] .

وقال تعالى:{كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] .

فلما حجب الفجار عن رؤيته دل على أن الأبرار يرونه وإلا لم يكن بينهما فرق.

2ـ من السنة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترَوْنَ رَبَّكُم كّمَا تَرَوْنَ هَذَا القّمَرَ لا تُضَامُّون في رُؤْيِتَه". متفق عليه

وهذا التشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي؛ لأن الله ليس كمثله شيء ولا شبيه له ولا نظير.

3ـ إجماع السلف.

أجمع السلف على رؤية المؤمنين لله تعالى دون الكفار بدليل الآية الثانية.

يرون الله تعالى في عرصات القيامة وبعد دخول الجنة كما يشاء الله تعالى.

وهي رؤية حقيقية تليق بالله. (شرح لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ87)



4) مذهب المبتدعة في الرؤية.

وقد فسرها أهل التعطيل بأن المراد بها رؤية ثواب الله أو أن المراد بها رؤية العلم واليقين .

الرد عليهم:

 1/ قولهم خلاف ظاهر النصوص,

 2/ خلاف طريقة السلف ,

 3/ ليس عليه دليل صحيح.

4/ أن العلم واليقين حاصل للأبرار في الدنيا وسيحصل للفجار في الآخرة

(راجع في الرد على المخالفين : حادى الأرواح لابن القيم وشرح الطحاوية لابن أبي العز وكذا حديثاَ: دلالة القرآن والأثر على رؤية الله تعالى بالبصر لعبدالعزيز بن زيد الرومي)(شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ88)



5) معتقد المتصوفة في رؤية الله.

قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله.

(وقد خالف في ذلك المتصوفة، وادعوا أن الأولياء يرون الله عيانًا، وأنه يعرج بأرواحهم، وأن أرواحهم تتمكن من النظر إلى ربها، ولأجل ذلك فضَّلوا أولياءهم وسادتهم على الأنبياء بل وعلى الرسل، وعلى الملائكة، وهذا من شطحاتهم ) ((الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ53)



* ذكر ابن القيم سبعة ادلة على رؤية الله في كتاب ابن القيم  ( حادي الأرواح ) :

الذي كتبه عن أهل الجنة وصِفة نعيم الجنة، وفي آخر أبوابه باب في رؤية المؤمنين لربهم، ذكر فيه سبعة أدلة من القرآن وهي:

الدليل الأول:  وهو سؤال موسى النظر في قوله تعالى:  ( رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ( الأعراف:143 )

 فهو أعلم بما يجوز على ربه من علماء المعتزلة.

الدليل الثاني:  قوله تعالى:  ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ )( يونس:26 )

 الزيادة ورد في الحديث أنها النظر إلى وجه الله  ولهذا قال تعالى :   وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ( يونس:26 ) 

الحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله ، فإذا نظروا إلى وجهه فلا يرهق وجوههم قَتَرٌ ولا ذِلّة.

الدليل الثالث: قوله تعالى:   (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ( ق:35 ) 

فُسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله تعالى.

الدليل الرابع:  آيات اللقاء، وهي كثيرة كقوله تعالى:  ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ    ( الكهف:110 ) 

اللقاء لا تعرفه العرب إلا أنه المقابلة والنظر، فهو دليل واضح على إثبات الرؤية.

الدليل الخامس: قوله تعالى : (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) ( الأنعام:103 )

 فهو دليل على إثبات الرؤية - كما سيأتي - مع أن المعتزلة يجعلونه دليلا على نفي الرؤية.

الدليل السادس والسابع: الآيتان اللتان ذكرهما ابن قدامة رحمه الله، فهذه سبعة أدلة (الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ54)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق