(فَصْلٌ الإيمان
بكل ما أخبر به الرسول (5)
(النفخ في الصورـ البعث
والحشر ـ الحساب)
الحمد الله والصلاة والسلام
على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
قال المؤلف:
والبعث بعد الموت حق وذلك حين ينفخ اسرافيل عليه السلام في الصور.(وَنُفِخَ
فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (يّـس:51)
وَيُحْشُرُ اَلنَّاسُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بِهِمَا, فَيَقِفُونَ
فِي مَوْقِفِ اَلْقِيَامَةِ, حَتَّى يَشْفَعَ فِيهِمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله
عليه وسلم ) وَيُحَاسِبَهُمْ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
* المسائل على هذا المتن:
1) النفخ في الصور.
النفخ معروف. والصور لغة: القرن.
وشرعًا:
قرن عظيم التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بنفخه، وإسرافيل أحد الملائكة الكرام
الذين يحملون العرش
وهما نفختان إحداهما:
1ـ نفخة الفزع ينفخ فيه فيفزع الناس ويصعقون إلا من
شاء الله،
2ـ نفخة البعث ينفخ فيه فيبعثون ويقومون من قبورهم.
* قد دل على النفخ في الصور الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
1ـ من الكتاب.
قال الله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا
هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] .
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ} [يس:
51] .
2ـ من السنة.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
"ثم ينفع في الصور فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى ليتا ورفع ليتا ثم لا
يبقى أحد إلا صعق، ثم ينزل الله مطرًا كأنه الطل أو الظل - شك الراوي- فتنبت منه أجساد
الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون". رواه مسلم في حديث طويل.
3ـ إجماع الأمة.
وقد اتفقت الأمة على ثبوته.(شرح لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ 114)
2) البعث والحشر.
البعث لغة: الإرسال والنشر، وشرعًا: إحياء الأموات يوم القيامة.
والحشر لغة: الجمع وشرعًا جمع الخلائق يوم القيامة لحسابهم
والقضاء بينهم.
* البعث والحشر حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
1ـ من الكتاب.
قال الله تعالى:{قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتُبْعَثُن} [التغابن:
7] .
وقال تعالى:{قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ , لَمَجْمُوعُونَ إِلَى
مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة: 49، 50] .
2ـ من السنة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض
بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد". (البخاري: كتاب الرقاق: باب يقبض الله
الأرض يوم القيامة "6521".ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار: باب في
البعث والنشور.. "2790" "28" من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.)
*بيضاء عفراء: أي غير شديدة البياض، يضرب إلى الحمرة.
والقرصة: الرغيف. والنَّقي:
الدقيق المنخول المنظف.
ليس فيها علم لأحد: ليس بها علامة سكنى ولا بناء ولا أثر.
3ـ الاجماع.
وأجمع المسلمون على ثبوت الحشر يوم القيامة.
س: كيف يحشر الناس يوم القيامة؟
ويحشر الناس حفاة لا نعال عليهم، عراة لا كسوة عليهم، غرلا لا ختان فيهم
لقوله تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه} [الأنبياء: 104] .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا ثم
قرأ:
{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا
كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] .
وأول من يكسى إبراهيم". البخاري: كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى:
{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء: 125] "3349".ومسلم:
كتاب الجنة: باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة "2860"
"58"
وفي حديث عبد الله بن أنيس المرفوع الذي رواه أحمد:
"يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما، قلنا: وما بهما؟ قال: ليس
معهم شيء" حديث حسن :علقه البخاري في صحيحه في موضعين أحدهما بصيغة الجزم
(1/173)وبصيغه التمريض(13/453) .(شرح
لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ 116)
ذكر الشيخ عبدالله ابن جبرين :
. ونؤمن بأنه بعد البعث يحشر الناس، وأن الأرض
تسوى فتزول عنها الجبال التي عليها، وتصبح الجبال كثيبًا مهيلاً، ثم بعد ذلك تصبح كأنها
العهن؛ وهو القطن المنفوش تطير به الرياح.
قال تعالى:( وَتَرَى الْجِبَالَ
تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ )(النمل:88)
وهي تنتقل فلا يبقى لها أثر ولا يبقى لها
مكان فينسفها الله تعالى : ثم تسوى بالأرض
يقول الله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا
رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا )(طه:105-106)
أي: الأرض تكون قاعًا صفصفًا
مستويًا(لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا )(طه:107)
يمدها الله تعالى يقول :( وَإِذَا
الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ )(الانشقاق:3-4)
تمد كما يمد الأديم العكاظي،
وتسوى بحيث لا يكون لها مرتفع ولا منخفض.
وبعد ذلك تبقى هكذا، فيجتمع عليها الخلق من أولهم إلى آخرهم؛ يجتمعون
كلهم لا يحصي عددهم إلا الله تعالى، يحشرون على هذه الأرض ، ثم تنزل ملائكة السماء
الدنيا فتحيط بهم، وكذا ملائكة السماء الثانية والثالثة، إلى أن تنزل الملائكة كلهم
فيحيطون بهم.(الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ75)
* إنكار المشركين يوم البعث.
قال بعض العلماء: إن الله - تعالى - أكثرَ في القرآن من ذِكر
البعث، وأدلته، ومن القرائن التي تدل عليه والمعجزات والآيات والبراهين، وكذلك ما بعده
من الجزاء على الأعمال ومن الحشر، والنشر وما إلى ذلك .
ولعل الحكمة من المبالغة في ذلك إقناع المشركين، وذلك لأن المشركين من
العرب كانوا ينكرون أشد الإنكار بعث الأجساد، فضلا عن حساب عليها أو عذاب، فهم يقولون
-مثل ما حكى الله عنهم هم والأولون أيضًا
بقوله تعالى : (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا
نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)(الأنعام:29)
وكذلك حكى الله عنهم قوله تعالى:(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ
فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ )(الصافات:69-70)
فلما وجدوا آباءهم على هذا الأمر الذي هو إنكار البعث، تبعوهم في ذلك،
وحكى الله تعالى عنهم قولهم:(أَئِذَا
مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَو آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ )(الصافات:16-18)
أي: تبعثون وأنتم ذليلون مهينون.(الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله
ابن جبرين صـ75)
3) الحساب.
الحساب لغة: العدد.
وشرعًا: إطلاع الله عباده على أعمالهم.
وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
1ـ من الكتاب.
قال الله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ , ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
حِسَابَهُمْ}[الغاشية:
25، 26] .
2ـ من السنة.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- في بعض صلاته:
"اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا"
فقالت عائشة رضي الله عنها: ما الحساب اليسير؟ قال: "أن ينظر في حديث صحيح: أخرجه أحمد "48/6" وابن أبي
عاصم في كتاب السنة "885" واللفظ لأحمد.وقال الألباني في تخريج السنة
"429/2": إسناده صحيح. أ. هـ.
وأصل الحديث في الصحيحين عند البخاري "103"،
"6536"، "6537" ومسلم "2876" "79" عنها بلفظ: "ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك،
قلت: أو ليس يقول الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابا يَسِيرا} [الانشقاق: 8]
فقال: إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك". كتابه فيتجاوز
عنه"
3ـ الاجماع.
وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة. .(شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين
صـ117)
* صفة الحساب للمؤمن :
"أن الله يخلو به فيقرره بذنوبه حتى إذا رأى أنه قد هلك، قال الله
له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأما الكفار والمنافقون
فينادى بهم على رءوس الخلائق، هؤلاء الذي كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين"
البخاري:
كتاب المظالم: باب قول الله تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين} [هود:
18] "2441".ومسلم: كتاب التوبة: باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله
"2768" "52". من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. .(شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين
صـ117)
* الحساب عام لجميع الناس .
والحساب عام لجميع الناس إلا من استثناهم النبي - صلى الله عليه وسلم-
وهم سبعون ألفًا من هذه الأمة منهم عكاشة بن محصن يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب. البخاري: كتاب الرقاق: باب يدخل الجنة سبعون
ألفًا بغير حساب "6541". ومسلم: كتاب الإيمان: باب الدليل على دخول طوائف
من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب "220" "374"..(شرح كتاب
لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ118)
* حساب الجن.
يشمل الحساب الجن لأنهم مكلفون ولهذا يدخل كافرهم النار بالنص
والإجماع
(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ
وَالْإِنسِ فِي النَّارِ)(الاعراف:38)
ويدخل مؤمنهم الجنة على قول جمهور من أهل العلم وهو الصحيح
لقوله تعالى :( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ )(الرحمن:(56)(شرح كتاب لمعة الاعتقاد
الشيخ صالح آل الشيخ)
* حساب البهائم.
يشمل الحساب البهائم محاسبة قصاص فقط أما حساب تكليف وإلزام فلا, لأن
ليس لها ثواب ولا عقاب, أما محاسبتها قصاص فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :(
أنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)رواه مسلم((شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ
صالح آل الشيخ)
ومعنى القصاص: يجعل للشاة الجلحاء قرن فتنطح الشاة القرناء تقتص
منها.
* وأول من يحاسب من الأمم.
وأول من يحاسب هذه الأمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"نحن الآخرون السابقون يوم
القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق" عند مسلم كتاب الجمعة: باب هداية
هذه الأمة ليوم الجمعة "856" "22" ولفظه عند البخاري
"876" ومسلم "855" "21": "نحن الآخرون السابقون
يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا" من حديث أبي هريرة. .(شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ119)
* أول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله.
الصلاة، لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله
وإن فسدت فسد سائر عمله" حديث صحيح: أخرجه الترمذي
"413" والنسائي "232/1" وابن ماجه "1426" من حديث أبي
هريرة -رضي الله عنه- وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب "185/1".(شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ119)
صل الله على نبينا محمد وعلى
اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق