الأربعاء، 29 أغسطس 2018


(فَصْلٌ الإيمان بكل ما أخبر به الرسول (6)

(الموازين ـ الدواوين ـ الحوض)

الحمد الله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

قال المؤلف:

(وَتُنْصَبُ اَلْمَوَازِينُ, وَتُنْشُرُ اَلدَّوَاوِينُ, وَتَتَطَايَرُ صَحَائِفُ اَلْأَعْمَالِ إِلَى اَلْإِيمَانِ وَالشَّمَائِلِ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه ِ.فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقلب الى أهله مسرورا . وأما من أوتى كتابه وراء ظهره . فسوف يدعوا ثبورا . ويصلى سعيرا) (الانشقاق: 7-12) وَالْمِيزَانُ لَهُ كِفَّتَان وَلِسَانٌ, تُوزَنُ بِهِ اَلْأَعْمَالُ : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون:102) (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (المؤمنون:103)

وَلِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حَوْضٌ فِي اَلْقِيَامَةِ, مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اَللَّبَنِ, وَأَحْلَى مِنْ اَلْعَسَلِ, وَأَبَارِيقُهُ عَدَدُ نُجُومِ اَلسَّمَاءِ, مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا.



* المسائل على هذا المتن:

1) الموازين.

الموازين جمع ميزان، وهو لغة: ما تقدر به الأشياء خفة وثقلا،

وشرعًا: ما يضعه الله يوم القيامة لوزن أعمال العباد،

 * قد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف.

1ـ من الكتاب.

ـ قال الله تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ , وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون: 102، 103]

(ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) : المراد بثقل الموازين رجحان الحسنات على السيئات 0

(خَفَّتْ مَوَازِينُهُ) : المراد رجحان السيئات على الحسنات أو فقدان الحسنات بالكلية (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ صالح آل الشيخ)

ـ قال تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء: 47] .

2ـ من السنة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" البخاري: كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] "7563".ومسلم: كتاب الذكر والدعاء: باب فضل التهليل "2694" "31"، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو خاتمة صحيح البخاري.

3ـ إجماع السلف.

وأجمع السلف على ثبوت ذلك. وهو ميزان حقيقي له كفتان

لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم- في صاحب البطاقة قال: "فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة" حديث صحيح: أخرجه أحمد "213/2" والترمذي "2639" وابن ماجه "4300" وإسناده صحيح، وقد صححه ابن حبان "2524" والحاكم "6/1، 529" ووافقه. (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ120)0

* اختلف العلماء هل هو ميزان واحد أو متعدد؟

ـ فقال بعضهم: متعدد بحسب الأمم أو الأفراد أو الأعمال؛ لأنه لم يرد في القرآن إلا مجموعًا، وأما إفراده في الحديث فباعتبار الجنس.

ـ قال بعضهم: هو ميزان واحد؛ لأنه ورد الحديث مفردًا، وأما جمعه في القرآن فباعتبار الموزون، وكلا الأمرين محتمل والله أعلم. (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ121)

* الاختلاف في الموزون.

قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله:

 وقد اختلف في الموزون ما هو ؟، ويمكن أن يعم الوزن جميع ما ورد:

القول الأول:  أن الأعمال توزن ولو كانت أعراضًا، فإن الله قادرٌ على أن يقلبها أجسامًا

 فإن الصلاة ليس لها جرم ولكن الله تعالى يقلبها جسمًا فتخف أو تثقل,

, فالصلاة عرض ومع ذلك يكون لها هذا الجرم، وكذلك الصيام يكون له جرم يوزن، وكذلك بقية الأعمال يجعلها الله تعالى أجراماً، وهكذا أيضا الذي له جرم مثل الصدقات ، ورد أن الله تعالى يربيها كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله، يربي الصدقة ولو كانت يسيرة قليلة حتى تكون مثل الجبل، ثم بعد ذلك توزن وتثقل أو تخف بحسب نية صاحبها.

القول الثاني:  أن الذي يوزن هو الصحف

أي: صحف الأعمال التي كتبها الكتبة فهي التي توزن، ولكنها تخف وتثقل بحسب ما فيها من الأعمال صلاحًا أو فسادًا,

 واستدل على ذلك بحديث صاحب البطاقة وفيه 

(إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر شيئًا من هذا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ يقول: لا يارب, يقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب, فيقال: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة وتوضع البطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ) )( رواه أحمد /213والترمذي (2639)

   فهذا دليل على أن الأعمال التي تكتب في الصحف توزن ؛ أي: توزن تلك الصحف، وأن الثقل والخفة بحسب صحة العمل وبحسب الإخلاص فيه ، وكما في الحديث الذي فيه قول الله تعالى لموسى  لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله   وهذا في حق من أخلص توحيده، ونطق بهذه الكلمة عن إخلاص وصدق ويقين.

القول الثالث:  أن الذي يوزن هو نفس العامل

 وقد استدل على ذلك بقوله تعالى:(فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا )( الكهف:105 ) 

أي: لا يكون لهم وزن معتبر، أو إذا وزنوا فإنهم يخفون ولا يكون لهم ثقل في الميزان

وفي حديث في سيرة عبد الله بن مسعود ؛ أنه صعد مرة على شجرة أراك يقطع منها سواكًا، فعجب الصحابة من دقة ساقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:   إنهما في الميزان أثقل من جبل أحد ) حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418)     

فأفاد بأن الإنسان يوزن، وأنه يثقل بحسب إيمانه, وورد قوله صلى الله عليه وسلم:(إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ) رواه البخاري (4729)- واللفظ له-، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة " (4327)، ومسلم (8/25)

يعني: أنه لما لم يكن له قدر ولم يكن له عمل صالح خف ميزانه فلم يساو وزن جناح البعوضة,

 وبكل حال:

لا مانع من أن يوزن العامل، وتوزن الصحف، وتجسد الأعمال فتوزن، ويكون الجميع مما يوزن ، ليظهر عدل الله - تعالى - بين عباده  ( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)( الكهف:49 )(الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ78 ) .

*انكار أهل البدع الميزان.

- أنكر المعتزلة الميزان الحقيقي وادعوا أن الميزان هو العدل 0

حجتهم : قالوا إن الرب تعالى ليس بحاجة إلى أن ينصب ميزانا لأنه يعدل بين عباده (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)الكهف (49))  0

فأبطلوا دلالة النصوص الصريحة التي فيها ذكر الميزان فهم نفوا الميزان الحسي وقالوا المراد بالميزان المعنوي الذي هو العدل.

- الرد عليهم

 يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى

(قولهم باطل لأنه مخالف لظاهر اللفظ , لأننا إذا قلنا المراد بالميزان العدل فلا حاجة إلى أن نعبر بالميزان  بل نعبر  بالعدل لأنه أحب إلى النفس من كلمة ميزان ولهذا قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)سورة النحل :90(شرح العقيدة الواسطية الشيخ محمد العثيمين)




2) نشر الدواوين.

والدواوين جمع ديوان، وهو لغة: الكتاب يحصى فيه الجند ونحوهم

 وشرعًا: الصحائف التي أحصيت فيها الأعمال التي كتبها الملائكة على العامل، فنشر الدواوين إظهار صحائف الأعمال يوم القيامة فتتطاير إلى الأيمان والشمائل،

 * ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.

1ـ من الكتاب.

ـ قال الله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ , فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا , وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا , وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ , فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا , وَيَصْلَى سَعِيرًا}[الانشقاق: 7-12] .

ـ قال تعالى{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}[الحاقة: 25] .

2ـ من السنة.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل تذكرون أهليكم؟ قال: "أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدًا: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم حتى يجوز" أخرجه أبو داود "4755" والحاكم في المستدرك "578/4" والآجري في الشريعة "385" من طرق عن الحسن عن عائشة، وذكره الشيخ الألباني في ضعيف أبي داود. وقال الحاكم: صحيح إسناده على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة وأقره الذهبي

3ـ الاجماع.

وأجمع المسلمون على ثبوت ذلك. (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ122)

* صفة أخذ الكتاب .

المؤمن يأخذ كتابه فيفرح ويستبشر.{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ }( سورة الحاقة (19

والكافر يأخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره فيدعو بالويل والثبور . –

ولفظ (أو) للتنويع وليست للشك { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ }( سورة الحاقة (25)(شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ 123)



3) الحوض.

الحوض لغة: الجمع يقال حاض الماء يحوضه إذا جمعه، ويطلق على مجتمع الماء.

وشرعًا: حوض الماء النازل من الكوثر في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وسلم.

ودل عليه السنة المتواترة وأجمع عليه أهل السنة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني فرطكم على الحوض"البخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6583"، "6584".ومسلم: كتاب الفضائل: باب إثبات حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- "2290" "26"، "2291" "26" من حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما

صفة الحوض:

طوله شهر وعرضه شهر وزواياه سواء وآنيته كنجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك، فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والثاني من فضة، يرده المؤمنون من أمة محمد، ومن يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا). البخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6579".ومسلم: كتاب الفضائل: باب إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم- وصفاته "2292" "27".

* قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

 وهو موجود الآن .لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن"( البخاري: كتاب الرقاق: باب في الحوض "6590"،من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه(شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ 125).

* ورود الحوض.

قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله.

ويَرِدُ عليه الناس تارة أفرادًا وتارة جماعات ليتمكنوا من الورود ويشربون، ومن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، وتارة تذودهم الملائكة إذا كانوا قد غيروا أو بدلوا أو ابتدعوا، ولم يكونوا حقًّا من الأمة المحمدية المحققين للاتباع.( (الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله ابن جبرين صـ79 )

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق