فَصْلٌ (محمد خاتم النبيين
)(2)
(الشهادة بالجنة أو بالنار
ـ تكفير أهل القبلة بالمعاصي ـ الخلافةـ أهل البدع ـ الخلاف في الفروع)
الحمد الله والصلاة والسلام
على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين
قال المؤلف:
وَنَشْهَدُ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ, كَمَا شَهِدَ لَهُمْ اَلنَّبِيُّ
(صلى الله عليه وسلم ) فَقَالَ (( أَبُو بَكْرٍ فِي اَلْجَنَّةِ, وَعُمَرُ فِي اَلْجَنَّةِ,
وَعُثْمَانُ فِي اَلْجَنَّةِ, وَعَلِيُّ فِي اَلْجَنَّةِ, وَطَلْحَةُ فِي اَلْجَنَّةِ,
وَالزُّبَيْرُ فِي اَلْجَنَّةِ, وَسَعْدٌ فِي اَلْجَنَّةِ, وَسَعِيدٌ فِي اَلْجَنَّةِ,
وَعَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي اَلْجَنَّةِ, وَأَبُو عُبَيْدَةَ ِبْنِ اَلْجَرَّاحِ
فِي اَلْجَنَّةِ )) وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ لَهُ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) بِالْجَنَّةِ
شَهِدْنَا لَهُ بِهَا, كَقَوْلِهِ (( اَلْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ
اَلْجَنَّةِ )) وَقَوْلِهِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ (( إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ
)) وَلَا نَجْزِمُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ, إِلَّا
مِنْ جَزَمَ لَهُ اَلرَّسُولُ (صلى الله عليه وسلم ) لَكِنَّا نَرْجُو لِلْمُحْسِنِ,
وَنَخَافُ عَلَى اَلْمُسِيءِ وَلَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ,
وَلَا نُخْرِجُهُ عَنْ اَلْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ, وَنَرَى اَلْحَجَّ وَالْجِهَادَ مَاضِيَيْنِ
مَعَ طَاعَةِ كُلِّ إِمَامٍ, برًا كَانَ أَوْ فَاجِرًا, وَصَلَاةُ اَلْجُمُعَةِ خَلْفَهُمْ
جَائِزَةٌ قَالَ أَنَسٌ قَالَ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم ) (( ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ
اَلْإِيمَانِ, اَلْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ, وَلَا نُكَفِّرُهُ
بِذَنْبٍ, وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ اَلْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ, وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ
بَعَثَنِي اَللَّهُ عز وجل حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي اَلدَّجَّالِ, لَا يُبْطِلُهُ
جَوْرُ جَائِرٌ, وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ, وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ )) رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ
وَمِنْ اَلسُّنَّةِ اَلسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ
وَأُمَرَاءِ اَلْمُؤْمِنِينَ, بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ, مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ
اَللَّهِ, فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اَللَّهِ, وَمَنْ وَلِيَ
اَلْخِلَافَةَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ اَلنَّاسُ, وَرَضُوا بِهِ, أَوْ غَلَبَهُمْ بِسَيْفِهِ
حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً, وَسُمِّيَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ, وَجَبَتْ طَاعَتُهُ, وَحَرُمَتْ
مُخَالَفَتُهُ, وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ, وَشَقُّ عَصا اَلْمُسْلِمِينَ
وَمِنْ اَلسُّنَّةِ هُجْرَانُ أَهْلِ اَلْبِدَعِ وَمُبَايَنَتُهُمْ, وَتَرْكُ
اَلْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي اَلدِّينِ, وَتَرْكُ اَلنَّظَرِ فِي كُتُبِ اَلْمُبْتَدِعَة
وَالْإِصْغَاءِ إِلَى كَلَامِهِمْ, وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ فِي اَلدِّينِ بِدْعَةٌ, وَكُلُّ
مُتَّسِمٍ بِغَيْرِ اَلْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ مُبْتَدِعٌ, كَالرَّافِضَةِ, وَالْجَهْمِيَّةِ,
وَالْخَوَارِجِ, وَالْقَدَرِيَّةِ, وَالْمُرْجِئَةِ, وَالْمُعْتَزِلَةِ, وَالْكَرَّامِيَّةِ,
والكُلَّابِيَّةِ, وَنَظَائِرِهِمْ, فَهَذِهِ فِرَقُ اَلضَّلَالِ, وَطَوَائِفُ اَلْبِدَعِ,
أَعَاذَنَا اَللَّهُ مِنْهَا
وَأَمَّا اَلنِّسْبَةُ إِلَى إِمَامٍ فِي فُرُوعِ اَلدِّينِ, كَالطَّوَائِفِ
اَلْأَرْبَعِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ, فَإِنَّ اَلِاخْتِلَافَ فِي اَلْفُرُوعِ رَحْمَةٌ,
وَالْمُخْتَلِفُونَ فِيهِ محمودون فِي اِخْتِلَافِهِمْ, مُثَابُونَ فِي اِجْتِهَادِهِمْ,
وَاخْتِلَافِهِمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ, وَاتِّفَاقُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ.
* المسائل على هذا المتن:
1) الشهادة بالجنة أو بالنار.
الشهادة بالجنة أو بالنار ليس للعقل فيها مدخل فهي موقوفة على الشرع،
فمن شهد له الشارع بذلك شهدنا له، ومن لا فلا، لكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.
* تنقسم الشهادة بالجنة أو بالنار إلى قسمين عامة وخاصة:
فالعامة: هي المعلّقة بالوصف مثل أن نشهد لكل مؤمن
بأنه في الجنة أو لكل كافر بأنه في النار أو نحو ذلك من الأوصاف التي جعلها الشارع
سببًا لدخول الجنة أو النار.
والخاصة: هي المعلقة بشخص: مثل أن نشهد لشخص معين
بأنه في الجنة أو لشخص معين بأنه في النار، فلا نعين إلا ما عينه الله أو رسوله.(شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ 144ـ145)
قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله.
فنحن لا نشهد لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن
نرجو للمحسنين، فإذا رأينا أهل الإحسان، وأهل الإيمان والتقى، وأهل الخير والصلاح،
وأهل الاستقامة، وأهل العقيدة السلفية السليمة، وأهل الأعمال الصالحة قلنا: نرجو أن
هؤلاء من أهل الجنّة، وأن الله لا يشقيهم ولا يحرمهم أجر ثوابهم ، فالله تعالى قد وعد
- وهو لا يخلف الميعاد - بأنه يدخل الجنة أهل الأعمال الصالحة في عدة آيات، كما في
قوله تعالى :(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(البقرة:82)
وفي قوله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ) (الحديد:21)
.
كحديث ابن مسعود المشهور وفيه قوله صلى الله عليه وسلم)
فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه
وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث
ابن مسعود رضي الله عنه .
وذكر مثل ذلك في عمل أهل النار،
وأنه يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ، فالأعمال بالخواتيم، وهذا هو
الذي يحملنا على أننا لا نجزم لمعيّن، ولكن من عرفنا أنه مات على الإسلام، وأنه ممن
ختم الله له خاتمة حسنة فإننا نرجو له.(الارشاد شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ ابن جبرين رحمه الله صـ 90)
قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله.
فلا نجزم بأن هذا من أهل النار لأنه عمل هذه السيئات، ولا نجزم بأن هذا
من أهل الجنّة لأنه عمل هذه الصالحات، بل الحسنات والسيئات من أسباب دخول الجنّة أو
دخول النار .(الارشاد شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ
ابن جبرين رحمه الله صـ 90)
* المعينون من أهل الجنة
المعينون من أهل الجنة كثيرون
1/ منهم العشرة المبشرون بالجنة
وخُصُّوا بهذا الوصف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمعهم في حديث واحد
فقال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة
في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة،
وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة". حديث صحيح: أخرجه أبو داود
"4649"، "4650" والترمذي "3748" و "3757"
وابن ماجه "134" وأحمد "187/1، 188، 189" وفي فضائل الصحابة
"87، 90، 225" وابن أبي عاصم "1428، 1431، 1436" والحاكم
"440/4" والنسائي في الفضائل "87، 90، 92، 106" وأبو نعيم
"95/1" وغيرهم من حديث سعيد بن زيد مرفوعًا، وإسناده صحيح، وصححه الألباني
في صحيح الجامع الصغير "4010".
2/ الحسن والحسين .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" حديث صحيح: أخرجه الترمذي
"3768" وأحمد "166/3، 167" والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف
"390/3" وابن حبان "2228 - موارد" والحاكم "166/3،
167" والخطيب في تاريخ "207/4، 90/11" وأبو نعيم في الحلية
"71/5" من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
3/ وثابت بن قيس.
وقال - صلى الله عليه وسلم- في ثابت بن قيس: "إنك لست من أهل النار،
ولكنك من أهل الجنة" البخاري: كتاب المناقب: باب علامات النبوة "3613".ومسلم: كتاب
الإيمان: باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله "119" "187" من حديث أنس
رضي الله عنه. (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين
صـ145ـ 146).
* المُعيَّنون من أهل النار في الكتاب والسنة.
من المعينين بالقرآن:
1/ أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب عم النبي -صلى
الله عليه وسلم-
2/ امرأته أم جميل أَرْوى بنت حرب بن أمية أخت أبي
سفيان
لقوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]
ومن المعينين بالسنَّة:
3/ أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أهون أهل النار عذابًا أبو طالب،
وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه". مسلم: كتاب الإيمان: باب أهون أهل النار
عذابًا "212" "362" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .وأخرجه البخاري
"6561" ومسلم "213" "364" من حديث النعمان بن بشير بلفظ:
"إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي
منهما دماغه".
4/ عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"رأيته يجر أمعاءه في النار" البخاري: كتاب التفسير من سورة المائدة:
باب {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَة} "4624" من حديث عائشة
-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جهنم يحطم بعضها
بعضًا ورأيت عَمْرًا يجر قصبه، وهو أول من سيب السوائب" .وفي الباب عن جابر في
حديث الكسوف الطويل وفيه "ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار"
أخرجه مسلم "904" "9".وقُصْبُهُ: أَمْعَاؤه. (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ147).
2) تكفير أهل القبلة بالمعاصي.
أهل القبلة هم المسلمون المصلون إليها لا يكفرون بفعل الكبائر ولا يخرجون
من الإسلام بذلك ولا يخلدون في النار؛
لقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا} [الحجرات:
9] .
إلى قوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}
[الحجرات:
10] .
فأثبت الإخوة الإيمانية مع القتال وهو من الكبائر، ولو كان كفرًا لانتفت
الإخوة الإيمانية.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى:
"من كان في قلبه مثقال حبة
خردل من إيمان فأخرجوه" يعني من النار(البخاري :كتاب الإيمان (44)ومسلم كتاب
الايمان(193)(325).
وخالف في هذا طائفتان:
الأولى: الخوارج قالوا: فاعل الكبيرة كافر خالد
في النار.
الثانية: المعتزلة قالوا: فاعل الكبيرة خارج عن الإيمان
ليس بمؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين وهو خالد في النار،
ونرد على الطائفتين بما يأتي:
1- مخالفتهم لنصوص الكتاب والسنة.
2- مخالفتهم لإجماع السلف. (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ149).
3) الخلافة.
الخلافة منصب كبير ومسئولية عظيمة وهي تَوَلّى تدبير أمور المسلمين بحيث
يكون هو المسئول الأول في ذلك، وهي فرض كفاية؛ لأن أمور الناس لا تقوم إلا بها.
* تحصل الخلافة بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: النص عليه من الخليفة السابق كما في خلافة
عمر بن الخطاب فإنها بنص من أبي بكر رضي الله عنه.
الثاني: اجتماع أهل الحل والعقد سواء كانوا معينين
من الخليفة السابق كما في خلافة عثمان -رضي الله عنه- فإنها باجتماع من أهل الحل والعقد
المعينين من قبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أم غير معينين كما في خلافة أبي بكر
-رضي الله عنه- على أحد الأقوال، وكما في خلافة علي رضي الله عنه.
الثالث: القهر والغلبة كما في خلافة عبد الملك بن
مروان حين قتل ابن الزبير وتمت الخلافة له. (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ156ـ157).
* حكم طاعة الخليفة.
طاعة الخليفة وغيره من ولاة الأمور واجبة في غير معصية الله
لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة على المسلم فيما أحب
وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" البخاري: كتاب الأحكام: باب السمع والطاعة
"7144".ومسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء. "1839"
"38" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وسواء كان الإمام بَرًّا: وهو القائم بأمر الله فعلا وتركًا، أو فاجرًا:
وهو الفاسق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا
من معصية فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة". مسلم: كتاب الإمارة: باب خيار الأئمة وشرارهم
"1855" "66" من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
والحج والجهاد مع الأئمة ماضيان نافدان وصلاة الجمعة خلفهم جائزة سواء
كانوا أبرارًا أو فجارًا؛ لأن مخالفتهم في ذلك توجب شق عصا المسلمين والتمرد عليهم.
* حكم الخروج على الإمام.
قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله:
والخروج على الإمام محرم .
لقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (بايعنا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر
أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان). (البخاري: كتاب الفتن: باب قول النبي صلى
الله عليه وسلم: "سترون بعدي أمورًا ... " "7055"
"7056".ومسلم: كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء. "1709"
"42" من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين
صـ157ـ 158)
قال الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله:
وإنّ ما حصل في القرون الأولى من المفاسد إنما كان بسبب الذين خرجوا على
الأئمة، ففي القرن الأول الذي هو أفضل القرون لما أمّر بنو أمية بعض الأمراء الذين
في ولايتهم شيء من الظلم والشدة -ثار عليهم كثير من الأمراء والقواد- كما في فتنة ابن
الأشعث وفتنة ابن المهلب وفتنة الباهلي ونحوهم، وحصل فيها قتل وقتال وتشريد وظلم وأضرار
أضرت بالمسلمين، فالواجب أن نصبر على ما نراه من الضرر ونتحمل ذلك حتى لا تكون فتنة،
وحتى ندفع الشر بما هو أسهل منه فيأمن الناس ويحصل لهم الخير والطمأنينة.(الارشاد شرح لمعة الاعتقاد الشيخ عبدالله
ابن جبرين صـ98)
4) هجران أهل البدع.
الهجران: مصدر هَجَرَ وهو
لغة: الترك والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم، وترك محبتهم وموالاتهم
والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك.
وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] .
ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلَّفوا
عن غزوة تبوك.( قصة
توبة كعب بن مالك وصاحبيه في الصحيحين: البخاري "4418" ومسلم
"2769" "53".وراجع الكلام على فقه القصة وما فيها من الفوائد والحكم
في كتاب زاد المعاد لابن القيم "558/3".
لكن إن كان في مجالستهم مصلحة لتبيين الحق لهم وتحذيرهم من البدعة فلا
بأس بذلك، وربما يكون ذلك مطلوبًا
لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
[النحل:
125] .
ـ من هجر أهل البدع ترك النَّظر في كتبهم خوفًا من الفتنة بها أو ترويجها
بين الناس فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب
لقوله - صلى الله عليه وسلم- في الدجال: "من سمع به فلينأ عنه فوالله
إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات". رواه أبو داود، قال الألباني: حديث صحيح:
أخرجه أحمد "43/4، 441" وأبو داود "4319" والحاكم
"531/4"، من حديث عمران بن حصين. وقد صححه الألباني في صحيح الجامع
"6301" وتخريج المشكاة "5488".
ـ لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس
بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به، وكان قادرًا على الرد عليهم بل
ربما واجبًا؛ لأن رد البدعة واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ159ـ160)
* الجدال والخصام في الدين.
الجدال: مصدر جادل، والجدل منازعة الخصم للتغلب
عليه، وفي القاموس الجدل: اللدد في الخصومة، والخصام المجادلة فَهُمَا بمعنى واحد.
وينقسم الخصام والجدال في الدين إلى قسمين:
الأول: أن يكون الغرض من ذلك إثبات الحق وإبطال
الباطل وهذا مأمور به إما وجوبًا أو استحبابًا بحسب الحال لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
الثاني: أن يكون الغرض منه التعنيت أو الانتصار
للنفس أو للباطل فهذا قبيح منهي عنه لقوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ
إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [غافر: 4] . (شرح كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين
صـ160)
* علامة أهل البدع وذكر بعض طوائفهم:
لأهل البدع علامات منها:
1- أنهم يتصفون بغير الإسلام والسنة بما يحدثونه من
البدع القولية والفعلية والعقائدية.
2- أنهم يتعصبون لآرائهم فلا يرجعون إلى الحق وإن تبين
لهم.
3- أنهم يكرهون أئمة الإسلام والدين.
* ومن طوائفهم:
1- الرافضية: وهم الذين يغلون في آل البيت ويُكَفَّرون
من عداهم من الصحابة أو يفسقونهم، وهم فرق شتى فمنهم الغلاة الذين ادعوا أن عليًا إله
ومنهم دون ذلك.
وأول ما ظهرت بدعتهم في خلافة علي بن أبي طالب حين قال له عبد الله بن
سبأ: أنت الإله، فأمر علي -رضي الله عنه- بإحراقهم وهرب زعيمهم عبد الله بن سبأ إلى
المدائن.
ومذهبهم في الصفات مختلف، فمنهم المشبه ومنهم المعطل ومنهم المعتدل، وسموا
رافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حين سألوه عن أبي بكر
وعمر -رضي الله عنهما- فترحم عليهما فرفضوه وأبعدوا عنه. وسموا أنفسهم شيعة؛ لأنهم
يزعمون أنهم يتشيعون لآل البيت وينتصرون لهم ويطالبون بحقهم في الإمامة.
2- الجهمية: نسبة إلى الجهم بن صفوان الذي قتله سالم
أو سلم بن أحوز سنة 121هـ، مذهبهم في الصفات التعطيل والنفي، وفي القدر القول بالجبر،
وفي الإيمان القول بالإرجاء، وهو أن الإيمان مجرد الإقرار بالقلب وليس القول والعمل
من الإيمان، ففاعل الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان، فهم معطلة جبرية مرجئة وهم فرق
كثيرة.
3- الخوارج: وهم الذين خرجوا لقتال علي بن أبي طالب
بسبب التحكيم.
مذهبهم التبرؤ من عثمان وعلي والخروج على الإمام إذا خالف السنة، وتكفير
فاعل الكبيرة وتخليده في النار وهم فرق عديدة.
4- القدرية: وَهُم الذين يقولون بنفي القدر عن أفعال
العبد وأن العبد إرادة وقدرة مستقلين عن إرادة الله وقدرته، وأول من أظهر القول به
معبد الجهني في أواخر عصر الصحابة، تلقاه عن رجل مجوسي في البصرة، وهما فرقتان غلاة
وغير غلاة فالغلاة ينكرون علم الله وإرادته وقدرته وخلقه لأفعال العبد وهؤلاء انقرضوا
أو كادوا، وغير الغلاة يؤمنون بأن الله عالم بأفعال العباد لكن ينكرون وقوعها بإرادة
الله وقدرته وخلقه وهو الذي استقر عليه مذهبهم.
5- المرجئة: وهم الذين يقولون بإرجاء العمل عن الإيمان،
أي تأخيره عنه، فليس العمل عندهم من الإيمان، والإيمان مجرد الإقرار بالقلب، فالفاسق
عندهم مؤمن كامل الإيمان وإن فعل ما فعل من المعاصي أو ترك ما ترك من الطاعات وإذا
حكمنا بكفر من ترك بعض شرائع الدين فذلك لعدم الإقرار بقلبه لا لترك هذا العمل، وهذا
مذهب الجهمية وهو مع مذهب الخوارج على طرفي نقيض.
6- المعتزلة: أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن
البصري وقرر أن الفاسق في منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر وهو مخلد في النار وتابعه
في ذلك عمرو بن عبيد، ومذهبهم في الصفات التعطيل كالجهمية، وفي القدر قدرية ينكرون
تعلق قضاء الله وقدره بأفعال العبد، وفي فاعل الكبيرة أنه مخلد في النار وخارج من الإيمان
في منزلة بين منزلتين، الإيمان والكفر، وهم عكس الجهمية في هذين الأصلين.
7- الكرامية: أتباع محمد بن كرام المتوفى سنة 255هـ،
يميلون إلى التشبيه والقول بالإرجاء وهم طوائف متعددة.
8- السالمة: أتباع رجل يقال له ابن سالم يقولون بالتشبيه.
وهذه هي الطوائف التي ذكرها المؤلف ثم قال:
ونظائرهم
مثل الأشعرية : أتباع الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، كان في أول أمره يميل إلى الاعتزال
حتى بلغ الأربعين من عمره ثم أعلن توبته من ذلك وبين بطلان مذهب المعتزلة وتمسك بمذهب
أهل السنة -رحمه الله- أما من ينتسبون إليه فبقوا على مذهب خاص يعرف بمذهب الأشعرية،
لا يثبتون من الصفات إلا سبعًا زعموا أن العقل دل عليها، ويؤولون ما عداها وهي المذكورة
في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام
له ... إرادة وكذلك السمع والبصر
ولهم بدع أخرى في معنى الكلام والقدر وغير ذلك. (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ162ـ161ــ163)
5) الخلاف في الفروع.
الفروع: جمع فرع
وهو لغة: ما بني غلى غيره
واصطلاحًا:
ما لا يتعلق بالعقائد، كمسائل الطهارة والصلاة ونحوها.
والاختلاف فيها ليس بمذموم حيث كان صادرًا عن نية خالصة واجتهاد لا عن
هوى وتعصب؛ لأنه وقع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكره
حيث قال في غزوة بني قريظة: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة،
فحضرت الصلاة قبل وصولهم فأخر بعضهم الصلاة حتى وصلوا بني قريظة وصلى بعضهم حين خافوا
خروج الوقت، ولم ينكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على واحد منهم". البخاري: كتاب صلاة الخوف: باب الطالب والمطلوب
راكبًا وإيماءً "946" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ164)
6)الإجماع وحكمه.
الإجماع لغة: العزم والاتفاق
واصطلاحًا:
اتفاق العلماء المجتهدين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- على حكم شرعي بعد
النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حجة لقوله تعالى:
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}
[النساء:
59] (شرح
كتاب لمعة الاعتقاد الشيخ محمد العثيمين صـ165).
تم بحمد الله الإنتهاء
من شرح كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
للإمام موفق الدين بن
قدامة المقدسي
نسأل الله الإخلاص في
القول والعمل
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق