النفاق
النفاق : تعريفه ، أنواعه
أ - تعريفه :
النفاق لغة : مصدر نافق ، يُقال : نافق يُنافق نفاقًا ومنافقة ، وهو مأخوذ من
النافقاء : أحد مخارج اليربوع من جحره ؛ فإنه إذا طلب من مخرج هرب إلى الآخر ، وخرج
منه ، وقيل : هو من النفق وهو : السِّرُ الذي يستتر فيه.
وأما النفاق في الشرع فمعناه : إظهارُ الإسلام والخير ، وإبطانُ الكفر والشر ؛ سمي بذلك لأنه يدخل في
الشرع من باب ، ويخرج منه من باب آخر ، وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله : إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
أي : الخارجون من الشرع .
وجعل الله المنافقين شرًّا من الكافرين فقال : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ .
وقال تعالى : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ
خَادِعُهُمْ ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا
أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ
مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ .
أنواع النفاق :
النفاق نوعان :
النوع الأول :
النفاقُ الاعتقادي : وهو النفاق الأكبر الذي يُظهر صاحبه الإسلام ،
ويُبطن الكفر ، وهذا النوع مخرج من الدين بالكلية ، وصاحبه في الدرك الأسفل من
النار ، وقد وصَفَ الله أهله بصفات الشر كلها : من الكفر وعدم الإيمان ، والاستهزاء
بالدين وأهله ، والسخرية منهم ، والميل بالكلية إلى أعداء الدين ؛ لمشاركتهم لهم في
عداوة الإسلام . وهؤلاء مَوجودون في كل زمان ، ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا
يستطيعون مقاومته في الظاهر ، فإنهم يظهرون الدخول فيه ؛ لأجل الكيد له ولأهله في
الباطن ؛ ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويأمنوا على دمائهم وأموالهم ؛ فيظهر المنافق
إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ؛ وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله
مكذب به ، لا يؤمن بالله ، ولا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله رسولًا
للناس يهديهم بإذنه ، وينذرهم بأسه ويخوفهم عقابه ، وقد هتك الله أستار هؤلاء
المنافقين ، وكشف أسرارهم في القرآن الكريم ، وجلى لعباده أمورهم ؛ ليكونوا منها
ومن أهلها على حذر . وذكرَ طوائف العالم الثلاث في أول البقرة : المؤمنين ، والكفار
، والمنافقين ، فذكر في المؤمنين أربع آيات ، وفي الكفار آيتين ، وفي المنافقين
ثلاث عشرة آية ؛ لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم ، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله ، فإن
بلية الإسلام بهم شديدة جدًّا ؛ لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته ، وهم
أعداؤه في الحقيقة ؛ يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح ، وهو
غاية الجهل والإفساد.
وهذا النفاق ستة أنواع
1 - تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم .
2 - تكذيبُ بعض ما جاءَ به الرسول - صلى الله عليه وسلم -
3 - بُغضُ الرسول - صلى الله عليه وسلم -
4 - بغضُ بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم .
5 - المسرَّة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم .
6 - الكراهية لانتصار دين الرسول - صلى الله عليه وسلم .
النوع الثاني :
النفاق العملي : وهو عمل شيء من أعمال المنافقين ؛ مع بقاء الإيمان في القلب ، وهذا لا
يُخرج من الملة ، لكنه وسيلة إلى ذلك ، وصاحبه يكونُ فيه إيمان ونفاق ، وإذا كثر
صارَ بسببه منافقًا خالصًا ، والدليل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : أربعٌ
مَنْ كُنَّ فيه كانَ منافقًا خالصًا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من
النفاق حتى يدعها ؛ إذا اؤتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر
.
فمن اجتمعت فيه هذه الخصال الأربع ، فقد اجتمع فيه الشر ، وخلصت فيه
نعوت المنافقين ، ومَن كانت فيه واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق ، فإنه قد يجتمع
في العبد خصال خير ، وخصال شر ، وخصال إيمان ، وخصال كفر ونفاق ، ويستحق من الثواب
والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك .
ومنه : التكاسل عن الصلاة مع الجماعة في المسجد ؛ فإنه من صفات
المنافقين ، فالنفاق شر ، وخطير جدًّا ، وكان الصحابة يتخوفون من الوقوع فيه ، قال
ابن أبي مليكة : ( أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهم
يخاف النفاق على نفسه ) .
الفروق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر :
1 - إن النفاقَ الأكبرَ يُخرجُ من الملَّة ، والنفاقَ الأصغر لا يُخرجُ من
الملَّة .
2 - إن النفاق الأكبر : اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد ، والنفاق الأصغر
: اختلاف السر والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد .
3 - إن النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن ، وأما النفاق الأصغر فقد يصدر من
المؤمن .
4 - إن النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه ، ولو تاب فقد اختلف في قبول
توبته عند الحاكم . بخلاف النفاق الأصغر ؛ فإن صاحبه قد يتوب إلى الله ، فيتوب الله
عليه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( وكثيرًا ما تعرض للمؤمن شعبة من شعب النفاق ،
ثم يتوبُ الله عليه ، وقد يرد على قلبه بعض ما يوجب النفاق ، ويدفعه الله عنه ،
والمؤمن يبتلى بوساوس الشيطان ، وبوساوس الكفر التي يضيق بها صدره ، كما قال
الصحابة : يا رسول الله ، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لئن يخرّ من السماء إلى الأرض
أحب إليه من أن يتكلم به ، فقال : ذلك صريح الإيمان . وفي رواية : ما يتعاظم أن
يتكلم به ، قال : الحمدُ لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة ، أي حصول هذا الوسواس ،
مع هذه الكراهة العظيمة ، ودفعه عن القلب ، هو من صريح الإيمان ) انتهى .
وأما أهل النفاق الأكبر ، فقال الله فيهم :( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ
لَا يَرْجِعُونَ ). أي : إلى الإسلام في الباطن ، وقال تعالى فيهم : (أَوَلَا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ
لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وقد اختلف العلماءُ في قبول توبتهم في
الظاهر ؛ لكون ذلك لا يُعلم ، إذ هم دائمًا يظهرون الإسلام ).
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق