التضحية بالنفس:
قصة حبيب وتضحيته بنفسه..
هناك شاب ناضر الشباب، مؤمن بالله اسمه حبيب يكلف بمهمة شاقة؛ ليكون
رسولاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب.
يأخذ الرسالة غير وَانٍ ولا متريث ولا متردد، ترفعه النِّجاد، وتحطه
الوهاد حتى يبلغ أعالي نجد ، ويسلم الرسالة إلى مسيلمة ، فلما قرأها انتفخت أوداجه،
وبدا شره، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه.
أمر بـحبيب أن يقيد، وأن يعرض عليه من الغد،
فلما كان الغد أذن للعامة بالدخول عليه، وأمر بـحبيب فجيء به يرسف في
قيوده وسط جموع الشرك الحاقدة، مشدود القامة، مرفوع الهامة، شامخ الأنف
بإيمانه،
التفت مسيلمة إليه
وقال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟
قال: نعم.أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
فتميز من الغيظ
وقال: أتشهد أني رسول الله -وخسئ-؟
فقال حبيب في سخرية: إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول.
فيتغير لون وجهه، وترتجف شفتاه غيظاً وحنقاً
ليقول لجلاده: اقطع قطعة من جسده، فبتر الجلاد قطعة من جسده لتتدحرج على
الأرض.
ثم أعاد مسيلمة السؤال، أتشهد أن محمداً رسول
الله؟
قال: نعم، صلى الله عليه وسلم.
قال: أتشهد أني رسول الله؟
قال: إن في أذني صمماً عن سماع ما تقول.
فأمر بقطع قطعة أخرى من جسده لتتدحرج على الأرض،
فشخص الناس بأبصارهم مدهوشة مشدوهة من تصميم هذا الرجل وثباته؛
إنه الثبات من الله.
مضى مسيلمة يسأل والجلاد يقطع
و
حبيب يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، حتى صار قطعاً منثورة على الأرض،
ثم فاضت روحه وهو يردد:
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
محمد رسول الله،
محمد رسول الله.
ثم يأتي الخبر لأمه، ويا لهول الخبر!
وجدير بأمهات المسلمين وبأمهات الشباب والشابات أن يقفن مع هذه الأم
ليدرسن سيرتها يوم جاءها خبر ابنها الذي قطع إرباً إرباً
وهو يقول: محمد رسول الله، اسمع إلى ذلك المحضر الخالد ما زادت -والله-
يوم جاءها الخبر على أن
قالت:
[[ من أجل هذا الموقف أعددته، وعند الله احتسبته، لقد بايع الرسول صلى
الله عليه وسلم ليلة العقبة صغيراً، ووفَّى له اليوم كبيراً، فحمدت الله سبحانه
وتعالى كثيراً ]].
هل وقفت عاجزة تبكي ابنها وتندب حظها؟
لا.
بل في يوم اليمامة كانت تشق الصفوف كاللبؤة الثائرة تنادي:
أين عدو الله مسيلمة ؟
فوجدته مجندلاً على الأرض،
سيوف المسلمين قد ارتوت من دمه، فطابت نفساً، وقرَّت عيناً وَلا تَحْسَبَنَّ
اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ
تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42]^
مضى حبيب و مسيلمة إلى ربهما، وشتَّان ما
بينهما،
فريق في الجنة، وفريق في السعير.
لقد ضحى الصحابة رضوان الله عليهم بكل
شيء
وصدقوا الله
فصدقهم الله، وأقر أعينهم بنصرة دينه وإعلاء كلمته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق