الخميس، 17 أبريل 2014

حادثة الإفك وموقف المنافقين فيها

تقول عائشة المبرأة من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها، صاحبة المعاناة في حديث الإفك :
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، ولما دنونا من المدينة نزلنا منزلاً فبتنا فيه بعض الليل، ثم أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل.
قالت: فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش لأقضي حاجتي، وفى عنقي عقد لي، فلما قضيت شأني انسَلَّ من عنقي ولا أدري، ثم أقبلت إلى رحلي وتلمست صدري فلم أجد العقد، وقد أخذ الناس في الرحيل،
قالت: فرجعت أتلمس عقدي فحبسني طلبه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً؛ فلم يستنكروا خفة الهودج.
قالت: فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، جئت منازلهم فإذا هي بلقع ليس بها داعٍ ولا مجيب، جلست في مكاني متلففة بحجابي أسبح الله وأستغفر الله،
قالت: فأخذني النوم، وإذا برجل من أهل بدر من الذين اطلع الله عليهم فقال: {اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم }^ هو صفوان بن المعطل رضي الله عنه -هذا المجاهد
الذي يقول عن نفسه بعد أن رمي بالفاحشة: [[والذي نفسي بيده، ما كشفت خمار أنثى لا تحل لي في جاهلية ولا إسلام ]]- أتى إلى مكان عائشة فرآها وعرف أنها زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه يعرفها قبل الحجاب،
قالت عائشة: والذي نفسي بيده ما كلمني كلمة ولا سلم عليّ حتى السلام، وإنما سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون! زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم أناخ بعيره فقمت وركبت بعيره، فأخذ زمام البعير يمشي به ولا يلتفت ولا يتكلم.

وإنما تقول عائشة: كنت أسمعه يسبح الله، وأتى بها في الظهيرة وهي على بعيره.
قام كبيرالمنافقين
ابن أبي- بين المنافقين
يقول لهم:
لماذا تأخرت؟ لماذا أتت مع هذا الأجنبي؟ لم ركبت على بعيره؟ لم تركها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع بهذا الكلام، هو واثق من زوجه أنها أطهر من حمام الحرم، وأنقى من ماء الغمام
انطلق الجيش إلى المدينة ، ولا زال المنافقون يُشَّهرون ويلصقون هذه التهمة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبفراشه الطاهر.

لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة سمع الخبر، وأتاه النبأ العظيم، ضُرب في صميم قلبه، ضرب في قواعد دعوته، ضرب في صميم رسالته الخالدة، أُصيب في شرفه وفى بيته ومروءته، فلما أتاه الخبر عن طريق رجل من المسلمين،
أتاه وقال: يا رسول الله! إن المنافقين يقولون كذا وكذا،
فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم
تحمل صلى الله عليه وسلم هذه اللطمة التي لم يصب بمثلها.
ذهب إلى بيته وسلَّم على زوجه وهي مريضة في فراشها، بعد السفر أصابتها حمى ولم تدرِ أنها متهمة، وأن المنافقين قد ألصقوا بها أعظم فرية، هي مريضة على الفراش، فسلَّم عليها صلى الله عليه وسلم.

قالت
عائشة: ولم أر منه ذاك الحنان و العطف الذي كنت أراه منه كلما مرضت،
قالت: فاستأذنته لأمرض -في بيت أبي فأذن لها صلى الله عليه وسلم.

قالت: فأخذني النساء إلى بيت أبي
، وإذا بأبيها الآخر يعلم بالنبأ وينزل عليه كالصاعقة، ويأتيه الخبر فيصاب ويبكي
ويقول: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]^
ويأتي الخبر أمها فتصاب في قلبها،
وتنتشر الفرية في المدينة وتسري سريان النار في الهشيم.
ويشارك كثير من الصحابة رسول الله في هذا المصاب فيحزنوا لحزنه ويتأثروا لتأثره:
قالت عائشة: ولم أعلم الخبر، ولم أدر ما السر،
قالت: فلما شفيت من مرضي خرجت مع نساء في ضاحية من ضواحي المدينة وكان معنا امرأة اسمها أم مسطح صالحة من الصالحات، وولدها صالح من الصالحين من أهل بدر ، لكنه وقع في هذه الريبة ونشر الخبر، وساعد في نشر التهمة كما يفعل بعض الناس الآن، فلما أصبحنا في الصحراء عثرت هذه المرأة الصالحة
فقالت: تعس مسطح-والعرب تدعو على عدوها بالتعاسة إذا أصيبت-
قالت عائشة: فقلت لها: كيف تدعين على ابنك وهو من الصالحين من أهل بدر ؟
قالت: إنك ما علمت ماذا قال وماذا فعل.
قالت عائشة: وماذا قال؟
قالت: اتهمك هو وأمثاله في عرضك،
وقالوا: إنك ارتكبت الفاحشة مع صفوان.
لا إله إلا الله!
قالت عائشة: فسقطت على وجهي مغشياً عليّ من البكاء، رفعها النساء إلى فراشها في بيت أبيها.
وأما رسول الله فبقي شهراً كاملاً لا ينزل عليه الوحي، يتلمس متى يسمع النداء العلوي ليشفي غليله في هذه المشكلة، ما عنده دلائل ولا براهين، لا يعلم الغيب، اضطربت عنده الأمور صلى الله عليه وسلم، يثق في زوجه لكنه بشر.
*دخل صلى الله عليه وسلم يستشير بعض أقاربه، استشار علياً رضي الله عنه قاضي قضاة الدنيا وهو منه بمنزلة هارون من موسى

*ذهب صلى الله عليه وسلم بعده إلى أسامة ، حبه وابن حبه، إلى المولى الذي رفعه الإسلام، فيعرض النبي صلى الله عليه وسلم الأمر وعُمْر أسامة أربع عشرة سنة،
فيقول أسامة-وهو يعرف من هي عائشة رضي الله عنها-: [[يا رسول الله! أهلك أهلك، والله ما نعلم عنهم إلا خيراً، والله إنها صوامة قوامة بارة رشيدة، فاسأل جاريتها يا رسول الله! ]]
*فيذهب صلى الله عليه وسلم إلى الجارية التي معها في البيت واسمها بريرة ،
فتقول: [[ والله يا رسول الله ما علمت عن عائشة إلا خيراً، أحمي سمعي وبصري، إنها صوامة قوامة، والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً أعيبه أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله ]] والداجن هي الشاة التي تربى في البيت.
قام صلى الله عليه وسلم على المنبر، وشكى إلى الناس ما لقيه من المنافقين في عرضه، ما لقيه من اتهامات جريئة في دعوته، شكي من عبد الله بن أبي رأس الضلالة، وعمود الجهالة، المريد التدمير لهذا الدين.
فقام الأوس والخزرج فكادوا يقتتلون على اختلاف بينهم في المسجد دفاعاً عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم.هدأ صلى الله عليه وسلم الأوضاع،
وعاد إلى عائشة في بيت أبيها ليجلس معها مجلس التحقيق والمحاكمة، إما أن تعترف وتتوب إلى الله، وإما أن تتبرأ من هذا، وإما أن يعلن الله توبتها من فوق سبع سماوات.
جلس صلى الله عليه وسلم قالت عائشة : وما جلس بعدها إلا ذاك المجلس، وجاء الفرج من مفرج الكروب ومنفس الهموم،
قالت: ومعي أبي وأمي ونساء يبكين معي يشاركنني مصيبتي.


قالت: فجلس صلى الله عليه وسلم، ثم شهد أن لا إله إلا الله، ثم حمد الله الذي بنوره تقوم السماوات والأرض،
ثم قال: {يا عائشة! إن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه } .
تلعثمت من البكاء لا تستطيع الكلام
، تقول لأبيها: أجب عني رسول الله فيما قال،
فيبكي أبو بكر ويقول: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.وماذا يقول أبو بكر في اتهام كهذا، ماذا يقول في فرية المغرضين من أعداء الإسلام؟!
قالت: فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله فتبكي أمها،
وتقول: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
قالت: فاستجمعت قواي وجف الدمع من عيني،
وقلت: إني والله قد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر لم أعمله لتصدقنني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18].
قالت: فاندفع أبي وأمي باكيين، أما رسول الله فلم يتحرك، مهموم به من الهم ما به،
قالت: فوالله ما غادر مكانه صلى الله عليه وسلم حتى أتاه الوحي، وكان إذا أتاه الوحي من السماء ثقل جسمه، فاضطجع على فراشه، وأخذ عرقه يتصبب من جبينه الطاهر، فعرفنا أنه الوحي،
قالت: فوالله ما فزعت،
أما أبي فكادت نفسه أن تخرج خوفاً أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس.تحدر العرق بعد ما استفاق صلى الله عليه وسلم كالجمان من على وجهه، فجعل يمسح العرق وهو يبتسم
ويقول: {يا عائشة! أبشري إن الله قد برأك من فوق سبع سماوات }^
براءة من الله، ولطف من الله، ورحمة من الله، يوم أن توصد الأبواب فلا يوجد إلا باب الله، يوم أن تسدل الحجب فلا يأتي إلا عطف الله وحنان الله.
تهلل وجهها رضي الله عنها،
قال لها أبوها أبو بكر رضي الله عنه: يا عائشة! قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمي عليه واحمديه
قالت: لا والله لا أقوم ولا أحمده ولا أحمدك ولا أحمد أمي، وإنما أحمد الذي أنزل براءتي من فوق سبع سماوات، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه.

يدخل صلى الله عليه وسلم بعدها المسجد منتصراً على أعداء الرسالة الذين ألصقوا به التهمة في عرضه وشرفه،
يجمع الناس ويقف على المنبر يتلو آيات الله البينات، تنزل من على المنبر كأنها القذائف، يسمعها المؤمن والمنافق والذكر والأنثى، وتقرؤها الأمة إلى قيام الساعة؛
لأن التهمة كانت فيه صلى الله عليه وسلم.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق