فضل طلب
العلم
الحمدالله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد
:-
لا يخفى عليكم ما لطلب العلم الشرعي من فضيلة ، وما له من شرف ومزية ؛
فلذلك أحببت أن أذكر نفسي
وإياكم بكلام خرج من مشكاة النبوة ، فيه تسلية لمن عانى هذا الطريق وأبى
إلا المواصلة في طلب العلم
ليكون ممن قال الله فيهم : " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء " [سورة
فاطر: آية 28]
¤ لقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوب تعلمه فقال
:
" طلب العلم فريضة على كل مسلم "
¤ ونبه - عليه السلام - إلى التدرج فيه فقال :
" إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ،
ومن يتق الشر يوقه "
¤ وبين - صلى الله عليه وسلم - بغضه سبحانه لمن أقبل على علوم الدنيا
ولم يجعل له نصيبا من علوم الآخرة فقال :
" إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة
"
¤ وأوصى - عليه الصلاة والسلام - بطلبته خيرا بقوله
:
" سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبا بوصية
رسول الله وأفتوهم "
¤ وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في بيان فضل السعي إليه
:
" ما خرج رجل من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا
بما يصنع حتي يرجع "
¤ وأن طالبه كالمجاهد في سبيل الله لقول النبي - صىلى الله عليه وسلم -
:
" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع "
¤ وإليكم فضل من سار في طريق العلم ، قال - عليه الصلاة والسلام -
:
" طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى
الحيتان في البحر "
أن للعلم مقام عظيم في شريعتنا الغراء ، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء ،
وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض .
فعن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق
فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .
قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقا
يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء
لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في
الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة
الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ
به أخذ بحظ وافر "[ أخرجه الترمذي (2682)] .
والعلماء هم أمناء الله على خلقه ، وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم
في الدين خطير ؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، والرجوع
والتعويل في أمر الدين عليهم ، فقد أوجب الحق سبحانه سؤالهم عند الجهل ، فقال تعالى
: ((فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) [النحل: 43]
وهم أطباء الناس على الحقيقة ، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان ، فالجهل
داء ، والعلم شفاء هذه الأدواء ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإنما
شفاء العي السؤال ) [ أخرجه أبو داود (336)] .
ثمرات طلب العلم:
1 ــ العلم مهذب للنفوس :
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به "
فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد:19 ] فأمر بالعمل بعد العلم .
وقد بوَّب الإمام البخارى بابًا فقال: " باب العلم قبل القول والعمل"
،لقوله تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " [ محمد:19 ]
فالعلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم ، وأول ما ينبغي تعلمه
" التوحيد " و "علم التربية " أو ما يُسمَّى بعلم " السلوك " فيعرف الله تعالى
ويصحح عقيدته ، ويعرف نفسه وكيف يهذبها ويربيها .
2 ــ العلم نور البصيرة :
إنه نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر
القلوب ، قال تعالى : (( فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
)) [الحج:46] ؛ ولذلك جعل الله الناس على قسمين : إمَّا عالم أو أعمى فقال الله
تعالى : (( أ فمن يعلم أنَّما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى )) [ الرعد:19] .
3 ــ العلم يورث الخشية من الله تعالى :
قال الله تعالى : " إنَّما يخشى الله من عباده العلماء " [ فاطر : 28]
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا
يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ
رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ
يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا " [ الإسراء : 107-109 ]
4 ــ طلب الاستزادة من العلم :
وقد أمرنا الله تعالى بالاستزادة من العلم وكفى بها من منقبة عظيمة
للعلم ، فقال الله تعالى : " وقل رب زدني علمًا " [ طه: 114] ، قال القرطبي : فلو
كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد
منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
5 ــ العلم أفضل الجهاد :
إذ من الجهاد ، الجهاد بالحجة والبيان ، وهذا جهاد الأئمة من ورثة
الأنبياء ، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان ، لشدة مؤنته ، وكثرة العدو فيه
.
قال تعالى : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا فلا تطع الكافرين
وجاهدهم به جهادًا كبيرًا " [ الفرقان : 51-52 ]
يقول ابن القيم : " فهذا جهاد لهم بالقرآن ، وهو أكبر الجهادين ، وهو
جهاد المنافقين أيضًا ، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين ، بل كانوا معهم
في الظاهر ، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ، ومع هذا فقد قال تعالى : " يا أيها
النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " ومعلوم أنَّ جهاد المنافقين بالحجة
والقرآن .
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ، ودعوة الخلق به إلى
الله "[انظر كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم : ج 1 ص 70 ] .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((
من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزلة المجاهد في سبيل
الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره )) [أخرجه ابن ماجه
(227) بسند صحيح ] .
*التنافس في بذل العلم :
ولم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين : بذل المال ، وبذل العلم ، وهذا
لشرف الصنيعين ، وحث النَّاس على التنافس في وجوه الخير .
عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا حسد
إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة
فهو يقضي بها ويعلمها ))[ متفق عليه].
*العلم و الفقه في الدين أعظم منة :
ومن رزق فقهًا في الدين فذاك الموفق على الحقيقة ، فالفقه في الدين من
أعظم المنن .
عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من يرد الله به
خيرا يفقهه في الدين )) [ أخرجه الترمذي (2645) وقال : حسن صحيح ].
*ــ العلم مقدم على العبادة :
والعلم مقدم على العبادة ، فإنَّ فضلا في علم خير من فضل في عبادة ، ومن
سار في درب العلم سهل عليه طريق الجنة .
أخرج البيهقي في سننه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله أوحى إليَّ : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم
سهلت له طريق الجنة ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل
في عبادة و ملاك الدين الورع )) [ أخرجه البيهقي ، بسند صحيح ].
نسأل الله جل في علاه أن يرزقنا جميعا الهمة العالية في طلب العلم
والصدق والإخلاص فيه ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق