الظلم
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق
إلى الباطل وفيه نوع من الجور؛ إذ هو انحراف عن العدل.
أنـواع الظـلم:
قال البعض: الظلم ثلاثة:
الأول ـ أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى:
وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم}
(سورة لقمان:13).
الثاني ـ ظلم بينه وبين الناس:
لقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(سورة الشورى 42) .
الثالث ـ ظلم بين العبد وبين
نفسه:
لقوله: {فمنهم ظالم لنفسه} (سورة فاطر:32)، وقوله على لسان نبيه موسى:
{رب إني ظلمت نفسي} (سورة القصص:16)،
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ
بالظلم فقد ظلم نفسه.
وقد وردت النصوص تذم الظلم:
*في القران:
قال تعالى: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا} (سورة
الكهف:59)، وقال سبحانه: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (سورة الزخرف:76)،
وقال: {والله لا يحب الظالمين} (سورة آل عمران:57)، وقال: {ولا يظلم ربُك أحدًا}
(سورة الكهف:49)، وقال: {وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال: {ألا إن
الظالمين في عذاب مقيم} (سورة الشورى:45)،
* في السنة:
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا
أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} » (رواه البخاري
ومسلم).
وفي الحديث: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (رواه
مسلم).
*أقوال السلف:
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم
الظالم على المظلوم»،
وكان معاوية رضي الله عنه
يقول: «إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله»،
وقال يوسف بن أسباط: «من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في
أرضه».
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام
ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى
صاحبه».
وكان يزيد بن حاتم يقول: «ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا
أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني
وبينك».
ونادى رجل سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر ـ: يا سليمان اذكر يوم
الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال:
قال الله تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} (سورة
الأعراف:44).
وقيل: «من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه»، ويقال: «من طال
عدوانه زال سلطانه».
وقال ابن الجوزي: «الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير، ومبارزة
الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي
لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى
لاعتبر».
من أسـبـاب الظـلم:
( أ ) الشيطان:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات
الشيطان إنه لكم عدو مبين} (سورة البقرة:208)، وقال: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم
ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (سورة
المجادلة:19).
(ب) النفس الأمارة بالسوء:
قال تعالى: { إن النفس لأمارة بالسوء} (سورة
يوسف:53).
(جـ) الهوى:
قال تعالى: {فلا تتبعوا الهوى
أن تعدلوا} (سورة النساء:135)، وقال سبحانه: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن
الهوى فإن الجنة هي المأوى} (سورة
النازعات:40-41)، وقال جلَّ وعلا: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه}
(سورة الكهف:28)، والآيات كثيرة في هذا الباب.
أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه:
1 ـ تذكر تنزهه عزَّ وجلَّ عن الظلم:
قال تعالى: {من عمل صالحا
فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال سبحانه: {إن
الله لا يظلم مثقال ذرة} (سورة النساء:40)، وقال: {وما الله يريد ظلما للعالمين}
(سورة آل عمران:108).
2 ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين:
قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين
اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} (سورة مريم:71-72)، وقال سبحانه: {وما كان ربك
ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (سورة هود:117)، وقال: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب
الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} (سورة
الأنعام:47).
3ـ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة
، قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين
والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون
ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون} (سورة
الزمر:68-70).
4ـ الذكر والاستغفار:
قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله
فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}
(سورة آل عمران:135).
5ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق
لأصحابها:
فالتوبة النصوح أن يندم
الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه،
فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون
دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.
بعض آثار الظلم ومضاره:
الظلم يجلب غضب الرب سبحانه،
ويتسلط على الظالم بشتى أنواع
العذاب
، وهو يخرب الديار،
وبسببه تنهار
الدول،
والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول
الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها،
والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته.
وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى: {ويوم يعض
الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} (سورة الفرقان:27).
والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير وكيف
تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ:
«وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين».
فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي
يوم لا مرد له من الله.
قال أبو العتاهية:
أمــا والله إن الظلـم لـؤم
ومازال المسيئ هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا
غـداً عند الإله من الملـوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق