النصيحة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول
الله........وبعد
للنصيحة شأن عظيم في حياة الفرد والأمة على حد سواء , فهي أساس بناء
الأمة , وهي السياج الواقي بإذن الله من الفرقة والتنازع والتحريش بين المسلمين ،
وأعظم حديث جامع يبين مفهوم
النصيحة الشرعية وحدودها , الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن تميم الدَّاري أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة ثلاثا , قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال :
لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ) .
فهذا الحديث له شأن عظيم , فهو
ينص على أن عماد الدين وقوامه بالنصيحة , فبوجودها يبقى الدين قائما في الأمة ,
وبعدمها يدخل النقص على الأمة في جميع شؤون حياتها.
وقد كان منهج أنبياء الله
ورسله مع أممهم مبنياً على النصح لهم والشفقة عليهم ، قال نوح عليه السلام مخاطبا
قومه : { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 62ا
) . وقال صالح لقومه : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون
الناصحين} ( الأعراف 79ا ) ،وقال هود : { أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين } (
الأعراف 68ا ) .
مفهوم النصيحة :
والنصيحة كلمة يعبر بها عن
إرادة الخير للمنصوح له , ولا يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع
معناها غير هذه الكلمة.
أنواع النصيحة :
أنواع النصيحة خمسة ، وهي التي
ذكرت في الحديث :
الأول : النصيحة لله : وتكون بالاعتراف بوحدانيته وتفرده بصفات الكمال ونعوت الجلال , والقيام
بعبوديته ظاهراً وباطناً ، والإنابة إليه كل وقت , مع التوبة والاستغفار الدائم ,
لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من الواجبات والتجرؤ على بعض المحرمات ,
وبالتوبة والاستغفار ينجبر النقص , ويُسَدُّ الخلل.
الثاني : النصيحة لكتاب الله : وتكون بحفظه وتدبره ، وتعلم ألفاظه ومعانيه , والاجتهاد في العمل به في
نفسه وتعليمه غيره .
الثالث : النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم : وتكون بالإيمان به ومحبته ، وتقديمه على النفس والمال والولد ، واتباعه
في أصول الدين وفروعه ، وتقديم قوله على قول كل أحد , والاهتداء بهديه ، والنصر
لدينه وسنته .
الرابع : النصيحة لأئمة المسلمين : وهم الولاة , من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة وجميع من لهم ولاية
عامة أو خاصة , وتكون هذه النصيحة باعتقاد ولايتهم , والسمع والطاعة لهم ، وحث
الناس على ذلك ، وبذل ما يستطاع في إرشادهم للقيام بواجبهم , وما ينفعهم وينفع
الناس .
الخامس : النصيحة لعامة المسلمين : وتكون بمحبة الخير لهم كما يحب المرء لنفسه , وكراهية الشر لهم كما يكره
لنفسه .
شروط النصيحة :
ولا بد في النصيحة من ثلاثة
أمور :
أولها : الإخلاص لله تعالى في النصيحة لأنه لب الأعمال
ولأن النصيحة من حق المؤمن على
المؤمن , فوجب فيها التجرد عن الهوى والأغراض الشخصية والنوايا السيئة التي قد تحبط
العمل , وتورث الشحناء وفساد ذات البين .
وثانيها : الرفق في النصح
وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفا وتوبيخا لا يقبل ، ومن حرم الرفق
فقد حرم الخير كله كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام .
وثالثها : الحِلْم بعد النصح
لأن الناصح قد يواجه من يتجرأ
عليه أو يرد نصيحته , فعليه أن يتحلى بالحلم , ومن مقتضيات الحلم : الستر والحياء
وعدم البذاءة , وترك الفحش .
وإن من الحكمة والبصيرة في النصيحة
معرفة أقدار الناس , وإنزالهم منازلهم ، والترفق مع أهل الفضل والسابقة
, وتخير وقت النصح المناسب , وتخير أسلوب النصح المتزن البعيد عن الانفعالات ,
وانتقاء الكلم الطيب والوجه البشوش والصدر الرحب ، فهو أوقع في النفس وأدعى للقبول
وأعظم للأجر عند الله .
فهذه هي حدود النصيحة الشرعية , وخلاف ذلك هو الإرجاف والتعيير والغش
الذي هو من علامات النفاق عياذا بالله , قال على رضي الله عنه : " المؤمنون نصحة
والمنافقون غششة " ، وقال غيره : " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير"
.
فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر
النصيحة بهذه الأمور الخمسة , التي تشمل القيام بحقوق الله ، وحقوق كتابه ، وحقوق
رسوله ، وحقوق جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم , فشمل ذلك الدين كله ،
ولم يبق منه شيء إلا دخل في هذا الكلام الجامع المحيط , فكان لزاما على المسلمين
أخذ النصيحة خلقا بينهم , فهي القاطعة لفساد ذات البين والتحريش , والموصلة لمعاني
الأخوة والمحبة في الله , وهي العامل الأهم في تماسك الجماعة والأمة
والله الموفق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق