(تفسير جزء عم (سورة الهمزة)
بسم الله الرحمن
الرحيم
(وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ *
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا
ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ
الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ
* فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ) سورة الهمزة (1ـ9)
* الفوائد على هذه الآيات.
1) الفرق بين الهمز
واللمز.
في قوله تعالى (وَيْلٌ
لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) (الهمزة:1)
ـ قوله تعالى { وَيْلٌ
} وهي
كلمة وعيد، أي أنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات.
والهمزة واللمزة وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في
المعنى؟
والصحيح في هذه الآية
ـ قوله تعالى { لِّكُلِّ
هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } أن بينهما فرقًا: فالهمز: بالفعل. واللمز: باللسان
ـ فالهمز بالفعل يعني أنه يسخر من الناس بفعله إما
أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه. أو بالإشارة يشير إلى شخص، انظروا إليه ليعيبه أو ما
أشبه ذلك، فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس ـ والعياذ بالله ـ مشغوف
بعيب البشر إما بفعله وهو الهمَّاز
ـ
وإما بقوله وهو اللمَّاز
وهذا كقوله تعالى { وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ.
هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ } [القلم: 10، 11](التفسير الثمين الشيخ محمد
العثيمين 599/10)
قال قتادة :
يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .(تفسير ابن كثير551/4)
2) صفات البخيل
في قوله تعالى (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ
أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ)الهمزة(2ـ 5)
ـ قوله تعالى { الَّذِي
جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ } هذه أيضاً من أوصافه القبيحة جماع مناع، يجمع المال،
ويمنع العطاء، فهو بخيل لا يعطي يجمع المال ويعدده.
ـ قوله تعالى { وَعَدَّدَهُ } وقيل: معنى التعديد يعني الإحصاء يعني لشغفه بالمال ولهذا جاءت بصيغة
المبالغة.
يعني أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له يخشى أن يكون نقص، أو يريد أن يطمئن
زيادة على ما سبق فهو دائماً يعدد المال.
ـ قوله تعالى { يَحْسَبُ
أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } يعني يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، إما
بجسمه وإما بذكره، لأن عمر الإنسان ليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما
يخلده بعد موته، ويكون ذكراه في قلوب الناس وعلى ألسنتهم
فإن أهل الأموال إذا لم يُعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر
السيئ.
ـ قوله تعالى { كَلَّا
} هنا
يسميها العلماء حرف ردع أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه.
ويحتمل أن تكون بمعنى حقًّا
«يعني حقاً لينبذن»
وكلاهما صحيح.
هذا الرجل لن يخلده ماله، ولن
يخلد ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره، وربما يذكر بالسوء لعدم قيامه بما أوجب الله عليه
من البذل.
ـ قوله تعالى { لَيُنبَذَنَّ
فِي الْحُطَمَةِ } اللام هذه واقعة في جواب القسم المقدر، والتقدير «والله لينبذن في الحطمة»
أي: يطرح طرحاً.
ـ قوله تعالى { لَيُنبَذَنَّ
} ما الذي
يُنبذ هل هو صاحب المال أو المال؟ كلاهما ينبذ. .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 600/10)
وهنا يقول: «ينبذ» أي يطرح في
الحطمة
ـ قوله تعالى (فِي الْحُطَمَةِ)والحطمة هي التي تحطم الشيء، أي: تفتته
وتكسره فما هي؟
ـ قوله تعالى { وَمَا
أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ } وهذه الصيغة للتعظيم والتفخيم
الجواب أي: هي نار الله الموقدة. .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 601/10
3) وصف النار والعياذ
بالله.
في قوله تعالى (نَارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم
مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ) الهمزة(6ـ 9)
أضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحق العذاب فهي
عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم.
أي: نار يحرق الله بها من يستحق
أن يُعذب بها، إذاً هي نار عدل وليست نار ظلم. ، فتعذيب الكافرين في النار لا شك أنه
عدل، وأنه يُثنى به على الرب عز وجل حيث عامل هؤلاء بما يستحقون.
ـ قوله تعالى (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ } أي: المسجّرة المسعرة.
ـ قوله تعالى { الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
} الأفئدة
جمع فؤاد وهو القلب. والمعنى: أنها تصل إلى القلوب ـ والعياذ بالله ـ من شدة حرارتها
مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات لكن مع
ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة.
* وقال محمد بن كعب
تأكل كل شيء من جسده حتى إذا
بلغت فؤاده حذو حلقه ترجع على جسده.( تفسير
ابن كثير551/4)
ـ قوله تعالى { إِنَّهَا
عَلَيْهِم } أي:
الحطمة وهي نار الله الموقدة أي على الهمَّاز واللمَّاز الجمَّاع للمال المناع للخير،
وأعاد الضمير بلفظ الجمع مع أن المرجع مفرد باعتبار المعنى.
ـ قوله تعالى { مُّؤْصَدَةٌ } أي: مغلقة، مغلقة الأبواب لا يُرجى لهم فرج ـ والعياذ بالله ـ
يعني: يرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج
ثم بعد ذلك يركسون فيها ويعادون فيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ لأن الإنسان إذا طمع في
الفرج وأنه سوف ينجو ويخلص يفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة، فهكذا يعذبون بضمائرهم
وأبدانهم،
وعذاب أهل النار مذكور مفصل في القرآن الكريم والسنة النبوية.
ـ قوله تعالى { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ } أي: أن هذه النار
مؤصدة، وعليها أعمدة ممددة أي ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من
فتحها أو الخروج منها.
نسأل الله تعالى أن يجيرنا منها،
وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والاستقامة على دينه.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 601/10)
تم ولله الحمد تفسير سورة الهمزة
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق