(تفسير جزء عم (سورة العصر)
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر (1ـ3)
* الفوائد على هذه الآيات.
1)أقسم الله بوقت العصر لفضلها
في قوله تعالى (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ )العصر(1ـ 2)
ـ قوله تعالى (الْعَصْرِ) أقسم الله تعالى بالعصر، والعصر قيل: إن المراد به آخر النهار، لأن آخر
النهار أفضله، وصلاة العصر تسمى الصلاة الوسطى، أي: الفضلى كما سماها النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم بذلك (أخرجه البخاري كتاب الجهاد والسير باب الدعاء على المشركين بالهزيمة
والزلزلة (2931) ومسلم كتاب المساجد باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر
(628) (206) ..
ـ قوله تعالى { إِنَّ الْإِنسَانَ} والإنسان هنا عام، لأن المراد به الجنس،
ومعنى الآية الكريمة أن الله أقسم قسماً على
حال الإنسان أنه في خسر أي: في خسران ونقصان في كل أحواله، في الدنيا وفي الآخرة إلا
من استثنى الله عز وجل
ـ قوله تعالى { لَفِي خُسْرٍ } ليكون أبلغ من قوله: (لخاسر) وذلك أن «في» للظرفية
فكأن الإنسان منغمس في الخسر، والخسران محيط به من كل جانب.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
595/10)
قال ابن كثير
فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر
أي في خسارة وهلاك.(تفسير ابن كثير550/4)
2) صفات المؤمنين.
في قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)العصر:3
الصفة الأولى:
في قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا)العصر:3
الإيمان الذي لا يخالجه شك ولا تردد بما
بينه الرسول صلى الله عليه وسلّم حين سأله جبريل عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته،
وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» ((أخرجه البخاري كتاب الإيمان، باب سؤال
جبريل (50) ومسلم كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام (1)
والناس في هذا المقام ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مؤمن خالص الإيمان؛ إيماناً لا شك فيه ولا
تردد.
والقسم الثاني: كافر جاحد منكر.
والقسم الثالث: متردد.
والناجي من هؤلاء
القسم الأول الذي
يؤمن إيماناً لا تردد فيه،
ـ يؤمن بوجود الله، وربوبيته، وألوهيته، وبأسمائه
وصفاته عز وجل،
ـ ويؤمن بالملائكة وهم عالم غيبي خلقهم الله تعالى
من نور، وكلفهم بأعمال منها ما هو معلوم، ومنها ما ليس بمعلوم،
ـ ويؤمن بالكتب التي أنزلها الله على الرسل عليهم
الصلاة والسلام،
ـ ويؤمن بالرسل الذين قصهم الله علينا، نؤمن بهم
بأعيانهم، والذين لم يقصهم علينا نؤمن بهم إجمالاً
ـ ويؤمن باليوم الآخر . .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 596/10)
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان
بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت، فيجب أن تؤمن
بفتنة القبر أي: بالاختبار الذي يكون للميت إذا دفن وتولى عنه أصحابه، فإنه يأتيه ملكان
يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه، وتؤمن كذلك بأن القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما
حفرة من حفر النار. أي أن فيه العذاب أو الثواب، وتؤمن كذلك بالجنة والنار وكل ما يتعلق
باليوم الآخر .
ـ ويؤمن بأن الله تعالى قدر كل شيء وذلك أن الله خلق القلم فقال له: اكتب.
قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو
كائن إلى يوم القيامة (أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى صلى الله عليهما وسلم
(2653) .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
596ـ597/10)
.الصفة الثانية.
في قوله تعالى (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)العصر:3
قاموا بالأعمال الصالحة: من صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وبر للوالدين، وصلة
الأرحام وغير ذلك
هي التي اشتملت على شيئين:
الأول: الإخلاص لله عز وجل.
والثاني: المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام.
وذلك أن العمل إذا لم يكن خالصاً لله فهو مردود.
قال الله تبارك
وتعالى في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال الله: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً
أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (أخرجه مسلم كتاب الزهد باب تحريم الرياء
(2985) (46) .
. فلو قمت تصلي مراءاة للناس،
أو تصدقت مراءاة للناس، أو طلبت العلم مراءاة للناس، أو وصلت الرحم مراءاة للناس أو
غير ذلك. فالعمل مردود حتى وإن كان صالحاً في ظاهره. كذلك الاتباع لو أنك عملت عملاً
لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام وتقربت به إلى الله مع الإخلاص لله فإنه لا يقبل
منك
لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:
«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا
فهو رد» أخرجه
مسلم كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (18) . .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 597/10)
.الصفة الثالثة.
في قوله تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ )العصر:3
أي:
صار بعضهم يوصي بعضاً بالحق.
والحق:
هو الشرع. يعني كل واحد منهم يوصي الآخر إذا رآه مفرطاً في واجب, إذا رآه فاعلاً
لمحرم أوصاه فهم لم يقتصروا على نفع أنفسهم بل نفعوا أنفسهم وغيرهم. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
597/10)
الصفة الرابعة.
في قوله تعالى (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)العصر:3
أي: يوصي بعضهم بعضاً بالصبر، والصبر حبس النفس عما
لا ينبغي فعله، وقسمه أهل العلم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صبر على طاعة الله.
القسم الثاني: صبر عن محارم الله.
القسم الثالث: صبر على أقدار الله.
فإن قيل: أي أنواع الصبر أشق على النفوس؟
فالجواب: هذا يختلف، فبعض الناس يشق عليه القيام
بالطاعة وتكون ثقيلة عليه جداً
وبعض الناس بالعكس الطاعة هينة عليه، لكن ترك المعصية صعب، شاق مشقة كبيرة
وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، لكن لا يتحمل
الصبر على المصائب، يعجز حتى إنه قد تصل به الحال إلى أن يرتد ـ والعياذ بالله
إذاً نأخذ من هذه السورة أن الله سبحانه وتعالى أكد بالقسم المؤكد بإن،
واللام أن جميع بني آدم في خسر، والخسر محيط بهم من كل جانب، إلا من اتصف بهذه الصفات
الأربع: الإيمان، والعمل الصالح والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
* قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله :
«لو لم ينزل الله على عباده حجة
إلا هذه السورة لكفتهم» . يعني: كفتهم موعظة وحثاً على التمسك بالإيمان والعمل الصالح،
والدعوة إلى الله، والصبر على ذلك.
وليس مراده أن هذه السورة كافية
للخلق في جميع الشريعة، لكن كفتهم موعظة، فكل إنسان عاقل يعرف أنه في خُسر إلا إذا
اتصف بهذه الصفات الأربع. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
598/10)
تم بحمد الله تفسير سورة
العصر
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق