الخميس، 8 يناير 2015


الحديث السادس( البعد عن مواطن الشبهات)

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين.

الحديث.

عَنْ أَبِيْ عَبْدِ اللهِ النُّعْمَانِ بْنِ بِشِيْر رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (إِنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُوْرٌ مُشْتَبِهَات لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاس،ِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرأَ لِدِيْنِهِ وعِرْضِه، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ. أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَىً . أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ) رواه البخاري ومسلم .

·       منزلة الحديث:

قال الشيخ صالح آل الشيخ:

حديث النعمان بن بشير عده العلماء ثلث الدين أو ربع الدين, قال الإمام أحمد (أحاديث الاسلام تدور على ثلاثة أحاديث . حديث عمر (إنما الأعمال بالنيات) وحديث عائشة (من أحدث في أمرنا..) وحديث النعمان بن بشير (أن الحلال بين ...) دل على أن الأشياء منقسمة إلى حلال بين وإلى حرام بين وإلى مشتبه)(شرح الاربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ
 


·       مفردات الحديث:

" بين " ظاهر ,وهو ما نص الله ورسوله أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه أو تحريمه بعينه.

" مشتبهات" جمع مشتبه ,وهو المشكل لما فيه من عدم الوضوح في الحل والحرمة.

"لا يعلمهن " لا يعلم حكمها , لتنازع الأدلة

"اتقى الشبهات" ابتعد عنها.

" استبرأ لدينه وعرضه " طلب البراءة أو حصل عليها لعرضه من الطعن ,ولدينه من النقص.

"وقع في الشبهات " اجترأ على الوقوع في الشبهات.

" الحمى" المحمي: وهو المحظور على غير مالكه.

"يوشك" يقرب أو يسرع

"أن يرتع فيه" أن تأكل منه ماشيته وتقيم فيه.

"محارمه" المعاصي التي حرمها الله تعالى.

" مضغة " قطعة من اللحم قدر ما يمضغ في الفم.(الوافي شرح الأربعين النووية صـ 36)

 

 

·       المسائل في الحديث:

1)الحلال والحرام المحض بين.

س) في هذا الحديث ثلاثة أحكام ماهي ؟

حلال بين واضح لا اشتباه فيه.

مثل: أكل اللحم ,الخبز, شرب الماء......وغيرها.

حرام بين واضح لا اشتباه فيه.

مثل : حرمة الزنا , السرقة ,....وغيرها.

مشتبه لا يعلمه كثير من الناس ولكن يعلمه بعضهم وهم العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس.

مثل (أكل لحم التمساح, لحم السنجام , لبس جلود السباع.....)

·       من الورع ترك الشبهات.

مثل : عدم معاملة إنسان في ماله شبهة أو خالط ماله الربا .( شرح الاربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ )

ـ ولم يمت عليه الصلاة السلام حتى بين لأمته ما أحله الله وما حرمه عليهم


والبيان في الحرام والحلال بعضه أظهر من بعض , فهناك أمور معلومة من الدين بالضرورة , وذلك لظهورها واشتهارها, وهذا لا يعذر أحد بجهله يعيش بين ظهراني المسلمين ,وهناك أمور لا يعلمها إلا حملة الشريعة , وتخفى على أغلب عوام المسلمين .(قواعد وفوائد على الأربعين النووية /ناظم سلطان صـ82)



  

2) المشتبهات.

س/ مامعنى المشتبهات؟

المشتبهات : جمع مشتبه ,وهو مشكل لما فيه عدم الوضوح في الحل والحرمة.

قال النووي:

معناه: أنها ليست بواضحة الحل والحرمة ولهذا لا يعرفها كثير من الناس , وأما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس , فإذا تردد الشي بين الحل والحرمة ,ولم يكن نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد , فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي)(الوافي في شرح الأربعين صـ 32)

·       أمثلة على الشبهات.

تعارض العلماء عالم قال جائز ,وآخر قال حرام ولم يعرف الترجيح...فهذه شبهة.

المكروه لأنه متردد بين المباح وبين الحرام

قال بعض السلف.

المكروه عقبه بين العبد والحرام. (شرح الاربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ )


·       موقف الناس من المتشابه.

1) منهم من يتركه ابتغاء مرضاة الله والتحرز من الاثم

فهؤلاء طلبوا السلامة لدينهم , والبراء لأعراضهم من الطعن.

لأعراض ـ جمع عرض وهو موضع المدح والذم من الإنسان , وقد يكون تارة في نفسه وتارة في أهله,

 وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه "(قواعد وفوائد على الأربعين النووية /ناظم سلطان ص85)

2) ومنهم من يقع في المتشابه من حيث هو متشابه عند الناس لا عنده , وذلك لاتضاح الحكم له في القضية فهذا لا حرج عليه في وقوعه ولكن إن تركه حفاظا لعرضه من الناس فهذا حسن وممدوح

ويشهد لذلك قوله عليه السلام لمن رءاه واقفا مع صفيه قال (عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ")(مختصر البخاري صـ465 / مخنصر مسلم 1437 صـ 378)

3)ومنهم من يقع في المتشابه مع أنها مشتبه عليه إتباعا لهواه , فهذا حكمه أنه وقع في الحرام.




س/ بما ذا فسر العلماء الوقوع في الحرام ؟

فسرها العلماء بمعنيين:

أن يكون ارتكابه للشبه مع اعتقاده أنها شبه ,ذريعة للوقوع في الحرام وذلك بالتدرج والتسامح وهذا يشهد له قوله عليه السلام (وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ)(البخاري كتاب البيوع 3/4)

إن من أقدم على ماهو مشتبه عنده لا يدري أهو حلال أو حرام فإنه لا يأمن أن يكون حراما في نفس الأمر فيصادف الحرام وهو لا يدري حرام)(جامع العلوم والحكم صـ69

 

·       حكم المتشابه.

س/ ما هو ماحكم المتشابه؟

قال الحافظ ابن حجر :

اختلف في حكم الشبهات ,فقيل التحريم وهو مردود , وقيل الكراهة ,وقيل الوقف)(فتح الباري 1/135)

القول الراجح: القول بأن المتشابه مكروه

كما نقا الحافظ عن بعض العلماء قول قريب من الصواب والله اعلم.( قواعد وفوائد على الأربعين النووية /ناظم سلطان ص86)

·       قال الشيخ صالح آل الشيخ.

كثرة الوقوع في المكروهات يقع في الحرام.( (شرح الاربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ )

·       أقوال السلف في ترك الشبهات.

ـ قال ابو الدرداء.

تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذره ,وحين ترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما.

ـ قال الحسن البصري.

مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام.( شرح الاربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ)




3)البعد عن محارم الله عز وجل.

قوله صلى الله عليه وسلم(كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ)

س/ ما معنى الحمى؟

هو المحمي هو المحظور المحرم على غير مالكه وقيل هو ما يحميه الخليفة أو نائبه من الأرض المباحة لدواب المجاهدين ويمنع الغير عنه ((الوافي في شرح الأربعين صـ 32)

·       ويقول الشيخ صالح آل الشيخ.

مثل النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقع في الشبهات كراعي يرعي حمل الحمى يوشك.

والحمى هي : الأرض الذي يقع في الشبهات كراعي يرعى حمل الحمى يوشك .

والحمى هي : الأرض المحمية ممنوع الاقتراب كانت العرب في الجاهلية ملوكهم تحمى لهم اراضي لمواشيهم فينظرون إلى أخصب الأراضي فيحمونها ؟

ويتوعدون أي واحد يرعى فيها ماشيته دون أذنهم

والمراد هنا في الحديث

·       الحمى هي : المحرمات

·       الذي يرعى حول الحمى هي: الشبهات. (شرح الاربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ)

فمن يرعى أغنامه بالقرب من هذا الحمى المضروب فإنه لا يأمن أن تأكل ماشيته منه , وبهذا يعرض نفسه للمسؤولية أمام سلاطين الأرض.( قواعد وفوائد على الأربعين النووية /ناظم سلطان ص87)

 

·       قال ابن رجب.

(وفي هذا إشارة إلى أنهه ينبغي التباعد عن المحرمات وأن يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزا)


          

4)القلب أمير البدن.

قال رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ)

س/ ما هو سبب تسمية القلب؟

قال الحافظ:

سمي القلب قلبا لتقلبه في الأمور

أو لأنه خالص ما في البدن وخالص كل شي قلبه

أو لأنه في الجسد مقلوبا.(الفتح 1/137)

والذي يظهر أن المعنى الأول والثاني قريبان من الصواب أما الأخير فبعيد.( قواعد وفوائد على الأربعين النووية /ناظم سلطان ص87)

س/ ماهو سبب الاهتمام بالقلب؟

لأن الإنسان يفقه الأمور به ويشهد لهذا قوله جل وعلا (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ)(ق: 37)

(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا)(الاعراف: 179)

قال المفسرون:

أي عقل وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره.



هل القلب يمرض ؟

قال تعالى (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا)النور :50

(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ)البقرة : 10

هذه الآيات تجيب بأن القلوب قد يصاب بالمرض

س/ ما لمراد بأمراض القلوب؟

هي ما تصاب به من نفاق وشك وكفر , وقسوة وكبر وحقد وحسد.(قواعد وفوائد على الأربعين النووية /ناظم سلطان ص88)

س/ ماهو القلب السليم؟

قال ابن رجب:

القلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها.

وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته ,وخشية ما يباعد منه.(جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي)

·       صلاح القلوب.

قال الشافعي رحمه الله.

       إن صلاح القلب في خمسة أشياء:

قراءة القرآن بالتدبر.

قيام الليل.

التضرع عند السحر.

مجالسة الصالحين.

قال الحسن البصري:

(دَاوِ قلبِك؛ فإنَّ حَاجةَ اللهِ إلى العبادِ صَلاحُ قُلوبِهِمْ )

ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح ,فإذا كان القلب صالحا ليس فيه إلا إرادة الله وإرادة ما يريده لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله (جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي صـ 65ـ66)

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق