الثلاثاء، 6 يناير 2015


الحديث الخامس(النهي عن الإبتداع في الدين)

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

الحديث.

عَنْ أمِّ المُؤمِنينَ أمِّ عبْدِ اللهِ عائشةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا قالَتْ:( قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ }رواه البخاريُّ ومسلمٌ.

 وفي روايةٍ لمسلمٍ: {مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ}.

منزلة الحديث:

قال ابن رجب رحمه الله.

(وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث " الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها ,فهذا ميزان للأعمال في ظاهرها )(جامع العلوم والحكم صـ 56)

قال العلماء:

 هذا الحديث أصل في رد كل المحدثات والبدع والأوضاع المخالفة)(شرح مسلم 4/312)


 

مفردات الحديث.

من أحدث " أنشا وأخترع من قبل نفسه وهواه.

في أمرنا" في ديننا وشرعنا الذي ارتضاه الله لنا

ما ليس منه " مما ينافيه ويناقضه ,أولا يشهد له شئ من قواعده وأدلته العامة.

فهو رد" مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به.(الوافي شرح الأربعين النووية صـ 31)

قال الشيخ صالح آل الشيخ :

(ما ليس منه) هذه الرواية المشتهرة في الصحيحين وفي غيرها وروى في بعض كتب الحديث( ما ليس فيه ) فهو رد يعني ما ليس في أمرنا .(شرح الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ)

 

المسائل على هذا الحديث .

1ـ الإسلام اتباع لا ابتداع

الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حفظ الإسلام من غلو المتطرفين وتحريف البطلين بهذا الحديث الذي يعتبر من جوامع الكلم فالفلاح والنجاة في اتباع هدي رسول صلى الله عليه وسلم دون أن تزيد أو تنقص

كقوله تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )(آل عمران :31)

·       وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته " خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثه بدعه وكل بدعة ضلالة ) رواه البيهقي وفيه زيادة " وكل ضلالة في النار"(الوافي شرح الاربعين النووية صـ31)

 

2ـ الإحداث في الدين .

الإحداث في الدين على نوعين :

الإحداث في العبادات.

الإحداث في المعاملات.


1ـ الإحداث في العبادات.

الاصل في العبادات التحريم.

فكل عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله يحرم على المسلم أن يتقرب بها .

وهذا النوع يتفرع عدة فروع منها:

أ‌)      ما كان قربة في عبادة لا يكون قربة في كل المواطن.

مثلاً:

كشف الراس أثناء الإحرام قربة مشروعة, فمن كشف راسه في موضع آخر لم يثبت بنص يكون بذلك وقع في الابتداع

(بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ, إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ, فَسَأَلَ عَنْهُ, فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ, نَذَرَ أَنْ يَقُومَ, وَلَا يَقْعُدَ, وَلَا يَسْتَظِلّ,َ وَلَا يَتَكَلَّم,َ وَيَصُومَ, فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَظِلَّ ، وَأَنْ يَقْعُدَ ، وَأَنْ يُكَلِّمَ النَّاسَ ، وَيُتِمَّ صَوْمَهُ)(انظر إرواء الغليل 8/218)

 

ب‌)  ما كان خارجا عن الشرع بالكلية:

العبادات الخارجة عن الشرع بالكلية مثل من تقرب بسماع الملاهي ,أو بالرقص أو بغيرها من الخرافات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان والقائم بهذه البدعة يدخل تحت قوله جل وعلا :

(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)الشورى :21

ج) الزيادة على العمل المشروع

الزيادة في العمل الذي شرعه مردودة غير مقبولة

ــ تارة يكون العمل باطلا ـ كمن تعمد زيادة ركعة في الصلاة المفروضة .

ــ تارة لا تبطل العمل : كمن تؤضا أربعا اربعا.

د) الإخلال بشئ من العمل المشروع.

من قام بعمل يتقرب به إلى ربه ثم خل ببعض هذا العمل

مثال:

ـ كمن ترك الطهارة للصلاة فهنا يقال ببطلان عمله

ـ كذلك من أخل بترك ركن يكون باطلا مردوداً.

س/ ماحكم من أخل بشي لا يوجب بطلان العمل المشروع ؟

فهنا لا يقال ببطلان العمل أو رده ,بل يقال بنقصانه كمن ترك صلاة الجماعة.

فصلاته صحيحه ولكن عليه إثم ترك صلاة الجماعة عند من يرى بثبوتها.(قواعد وفوائد على الأربعين النووية)

 
 

2ـ الإحداث في المعاملات.

الأصل في المعاملات الحل والإحداث في المعاملات يكون على أوجه منها:

أ)ما كان منها بدليل العقود كبديل لعقود شرعية فهذا لا شك على بطلانها.

ب)العقود التي نهى عنها الشرع.

وهي ما يلي:

1)   كون المعقود عليه ليس محلا للعقد

مثل / نكاح من يحرم نكاحه بسبب القرابة أو النسب أو للجمع فهذا العقد باطل.

2)   فوات شرط من العقد

لا يسقط بالتراضي مثل نكاح المعتدة والنكاح بغير ولي وهذا العقد باطل .

3)   عقود ماحرم الله سبحانه

كبيع الخمر , والميتة والخنزير والأصنام .... وسائر مانهى عن بيعه فهذه عقود باطله مردودة.

 

4)   العقود التي يحصل بها ظلم لأحد الطرفين.

مثل : إنكاح الولي دون إذن البنت ,فهذا من حيث الرد والقبول  يتوقف على صاحب الحق , فإذا تنازل عن حقه فالعقد صحيح , وإن لم يتنازل فهو مردود باطل , ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح امرأة ثيب زوجت دون إذنها (قواعد وفوائد على الأربعين النووية ناظم سلطان صـ79)




 

3)البدعة

تعريفها:

في اللغة : مأخوذة من البدع وهو الاختراع على غير مثال سابق ومنه

قوله تعالى:( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(سورة البقرة :117)

اصطلاحاً:

ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من عقيدة وعمل.

وهناك عدة تعريفات منها:

الذي ذكره الشاطبي في الاعتصام: وهو أن البدعة هي: طريقة في الدين مخترعة يراد بالسلوك عليها مضاهات الطريقة الشرعية (كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي صـ49)

وهذا التعريف يتعلق بثلاثة أشياء:

أن البدعة يلتزم بها (فالطريقة في الدين) أي الملتزم بها.

أنها مخترعة لم يكن عليها محل سابق

أنه تضاهى بها الطريقة الشرعية من حيث الزمان أو المكان.(شرح الأربعين النووية للإمام النووي شرح الشيخ صالح آل

 


الأبداع على قسمين:

1ـ ابتداع في العادات: كابتداع المخترعات الحديثة وهذا مباح لأن الأصل في العادات الإباحة.

2ـ ابتداع في الدين : وهذا محرم لأن الأصل فيه التوقيف

قال صلى الله عليه وسلم:( { مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ }

 رواه البخاري)

وفي رواية: (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ)(في صحيح مسلم)

 






أنواع البدع:

البدعة في الدين نوعان:

1ـ بدعة قولية اعتقادية :

كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة وسائر الفرق الضالة واعتقاداتهم.

2ـ بدعة في العبادات:

كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها وهي أنواع:

أ‌)      ما يكون في أصل العبادة:

ب‌)   بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع, كأن يحدث صلاة غير مشروعة أو صياما غير مشروع أو أعيادا غير مشروعة كأعياد الموالد وغيرها

ت‌)  ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة,

كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلا.

ث‌)  ما يكون في صفة أداء العبادة بأن يؤديها على صفة غير مشروعة وذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة وكالتشديد على النفس في العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ج‌)   ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصها الشرع. كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام وقيام, فإن أصل الصيام والقيام مشروع ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات إلى دليل.(كتاب الارشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد الشيخ صالح الفوزان صـ293)


 
 

حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها:

كل بدعة في الدين محرمة وضلالة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(وأياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)(رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح)

 



 

·       التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة:

منها كفر صراح ,كالطواف بالقبور تقربا إلى أصحابها وتقديم الذبائح والنذور لها وكمقالات غلاة الجهمية والمعتزلة.

منها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها.

منها ما هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية.

منها ما هو معصية كالصيام قائما في الشمس ..وغيرها

 

س/ هل صحيح أن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة ؟

هذا غير صحيح ليس هناك ما يسمى ببدعة حسنة أو بدعة سيئة لأن هذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن كل بدعة ضلالة)

فالرسول عليه الصلاة والسلام حكم على البدع كلها بأنها ضلال.
 



س/ ما لمراد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نعمت البدعة هذه)

ما حدث في السلف من جمع القرآن في كتاب واحد وكتابة ال حديث وتدوينه؟

أن هذه الأمور لها أصل في الشرع فليست محدثة:

فقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(نعمت البدعة هذه) يريد البدعة اللغوية لا الشرعية ,فما كان له اصل في الشرع فإذا قيل أنها فهي بدعة لغة , فصلاة التراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في  الأخير خشية أن تفرض عليهم, واستمر الصحابة يصلونها أوزاعا متفرقين في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وبعد وفاته جمعهم عمر بن الخطاب خلف إمام واحد ,فهذا ليس بدعة في الدين.

كذلك جمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة القرآن ,لكن كان مكتوبا متفرقا فجمعه الصحابة في مصحف واحد حفظا له.

كذلك كتابة الحديث له أصل في الشرع فقد أمر النبي بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك , بعد وفاته عليه الصلاة والسلام دون المسلمون السنة حفظا لها من الضياع.

 

·       الأسباب التي أدت إلى ظهور البدع.

ظهور البدع تتخلص في الأمور التالية:

1ـ الجهل بأحكام الدين

 كلما امتد الزمن وبعد الناس عن آثار الرسالة قل العلم وفشا الجهل وقبض العلم بقبض العلماء ,فلا يقاوم البدع إلا العلم والعلماء فإذا فقد العلم والعلماء أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر.

حديث(وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً،)( من حديث رواه ابو داود والترمذي وقال :حديث حسن صحيح)

 

2ـ اتباع الهوى

من اعرض عن الكتاب والسنة اتبع هواه

قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)(سورة الجاثية23) والبدع إنما نسيج الهوى المتبع.

 

3ـ التعصب للآراء الرجال

 هذا يحول بين المرء والاتباع ومعرفة الحق

قال تعالى :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون)(سورة البقرة 170)

وهذا هو شأن المتعصبين اليوم من بعض المذاهب والصوفية والقبوريين

إذا دعوا إلى اتباع الكتاب والسنة ونبذ ما هم عليه مما يخالفهما احتجوا بمذاهبهم ومشايخهم وآبائهم وأجدادهم.

4ـ التشبه بالكفار.

 هو من أشد ما يوقع في البدع فإن غالب المسلمين قلدوا الكفار في عمل البدع والشركيات كأعياد الموالد وإقامة الأيام والأسابيع لأعمال مخصصة والاحتفال بالمناسبات الدينية والذكريات وإقامة المآتم وبدع الجنائز والبناء على القبور وغير ذلك. (الارشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد للشيخ صالح الفوزان صـ299)

 


أمثلة من البدع المعاصرة:

الاحتفال بالمولد النبوي

التبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك.

البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله ,وهي كالتالي:

ـ الجهر بالنية للصلاة

ـ الذكر الجماعي بعد الصلاة.

ـ طلب قراءة الفاتحة في المناسبات وبعد الدعاء للأموات.

ـ إقامة المآتم على الأموات والمقرئين

ـ الاحتفال بالمناسبات الدينية كمناسبة الإسراء والمعراج ومناسبة الهجرة النبوية , وهذا لا أصل له في الشرع.

ـ مايفعل في شهر رجب كالعمرة الرجبية وما يفعل فيه من العادات الخاصة به كالتطوع بالصلاة والصيام فيه.

ـ الأذكار ا لصوفية بأنواعها كلها بدع لأنها مخالفة للأذكار المشروعة في صيغها وهيئاتها وأو قاتها.

ـ تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام ويوم النصف من شعبان بصيام ... وغيرها (الارشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد للشيخ صالح الفوزان صـ 308)

 
 

س/ ما لفرق بين البدعة ومخالف السنة؟

قال الشيخ صالح آل الشيخ:

إن من أخطأ مرة في اعتقاد أو عمل من الأعمال ولم يلتزم به فلا يقال أنه مبتدع لأنه لم يلتزم فوصف الالتزام ضابط مهم في الفرق بين البدعة ومخالف السنة .(شرح الأربعون النووية للإمام النووي شرح الشيخ صالح آل الشيخ)

 
 

·       ما يعامل به المبتدعة:

قال د. صالح الفوزان حفظه الله:

تحريم زيارة المبتدع ومجالسته إلا على وجه النصيحة له والإنكار عليه..

ويجب التحذير منهم ومن شرهم إذا لم يمكن الأخذ على أيديهم ومنعهم من مزاولة البدع (الارشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد للشيخ صالح الفوزان صـ 308)

          صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق