الخميس، 15 يناير 2015

الحديث التاسع:(النهي عن كثرة السؤال )

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

الحديث:

عَن أبي هُريرةَ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ صَخْرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ:( سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: {مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ}) رواه البخاريُّ كتاب الاقتداء (6777) ومسلم في الفضائل (1337)

·       أهمية الحديث:

ذكر العلماء :أن هذا الحديث ذو أهمية بالغة 

·       قال النووي : هذا من قواعد الاسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها النبي عليه السلام ,ويدخل فيه مالا يحصى من الأحكام

·       قال ابن حجر : وهو حديث عظيم من قواعد الدين وأركان الاسلام فينبغي حفظه والاعتناء به. (الوافي شرح الأربعين النووية صـ53)

 
 
 
 

·       سبب الحديث:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا " ، فقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ "رواه مسلم كتاب الحج (1337) السائل هو الأقرع بن حابس.(قواعد وفوائد على الأربعين النووية صـ 104)

 
 
 
 
 
 

·       مفردات الحديث:

"نهيتكم عنه" طلبت منكم الكف عن فعله .والنهي: المنع.

"فاجتنبوه" اجعلوه في جانب " أي ,اتركوه.

"أمرتكم به " طلبت منكم أن تفعلوه.

"فأتوا " فافعلوا

"ما استطعتم"  ما قدرتم عليه.

"أهلك " صار سبب الهلاك .

"كثرة مسائلهم" اسئلتهم الكثيرة وترددهم في أخبارهم.(الوافي شرح الأربعين النووية صـ55)



                                                                       
 
 
 

·      المسائل على هذا الحديث:

1) اجتناب المنهيات:

لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ)

يجب على المسلم أن يجتنب ما نهى الله عنه ورسوله جملة وتفصيلا , وألا يقع فيها إلا لضرورة ألجاته إلى ذلك ,ويباح له الوقوع فيها مراعيا القيود والشروط التي بينها الشرع في ذلك.(قواعد وفوائد على الأربعين النووية صـ 105)

س/ ماهي أنواع النهي؟

النهي ضربان:

1ـ نهي التحريم.

وهو ما يثاب تاركه امتثالاً, ويعاقب فاعله وهو ما جاء على سبيل الحتم والإلزام , إذا كان في أمور العبادات يكون النهي للتحريم

مثل/ شرب الخمر ,الزنا ,أكل الربا ,التبرج ,الغش والغيبة والنميمة وغيرها.
 

2ـ نهي الكراهة أو التنزيه.

وهو ما يثاب تاركه امتثالاً, ولا يعاقب فاعله , وهو لم يأت على سبيل الحتم والإلزام , إذا كان في الآداب يكون النهي للكراهة

مثلا: الكلام بعد العشاء ,وأكل الثوم والبصل .

س/ هل يجوز للعبد أن يفعل المكروه؟

يجوز سواء دعت الضرورة أم لا ,ولكن الأكمل للمسلم التقي أن يجتنب المكروهات حتى يرتقي في موازين رب السموات والاراضين . (قواعد وفوائد على الأربعين النووية صـ 105)

·       قواعد فقهية تستخرج من اجتناب المنهيات.

س/ هناك قواعد فقهية تستخرج من اجتناب المنهيات؟

القواعد الفقهية هي:

ا) الضرورات تبيح المحظورات.

ب) الضرورة تقدر بقدرها.

أ‌) الضرورات تبيح المحظورات.

علمنا أن ما نهى عنه نهى تحريم يجب الكف عنه جملة واحدة, ولكن المكلف قد يقع في ظروف تضطره إلى فعل المحرم, وهنا نجد شرع الله تعالى يخفف  عن العباد , ويبيح لهم في هذه الحالة فعل ما كان محظور في الأحوال العادية ويرفع عنهم المؤاخذة والإثم.

لقوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)البقرة :  173

وعملاً بهذا وضع العلماء هذه القاعدة الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات)

*أمثلة هذه القاعدة:

ـ إباحة أكل الميتة لمن فقد الطعام ولم يقدر على غيرها

ـ جواز كشف العورة للتداوي أمام الطبيب.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ56ـ57)

2) القاعدة الفقهية (الضرورة تقدر بقدرها)

هذه القاعدة مأخوذة من قوله تعالى :( غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) أي غير قاصد للمخالفة والمعصية ,وغير متعد حدود ما يدفع عنه الاضطرار.

*أمثلة هذه القاعدة:

ـ فمن اضطر لأكل الميتة ليس له أن يمتلئ منها أو يدخر .

ـ ومن اضطر لكشف العورة أمام الطبيب ليس له أن يكشف من غير موضع الألم.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ56ـ57)

 
 
 
 

2) فعل المأمورات.

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)

ما طلب الله منا فعله أو قوله.

س/ ما أنواع فعل المأمور؟

هي ضربان:

1/ أمر إيجاب وإلزام.

وهو ما يثاب فاعله امتثالا ,ويعاقب تاركه , مثلا: اقامة الصلاة وباقي الأركان ,طاعة الوالدين ووغيرها من الواجبات.

2/ أمر ليس على سبيل الإيجاب والإلزام

وهو ما يثاب فاعلها استحساناً, ولا يعاقب تاركها مثلا: النوافل من صلاة وصدقة وصيام .

س/ ماحكم ترك المستحبات ؟

هذه المأمورات يستحسن بالمسلم فعلها والتزامها.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ59)

فهي جبر للفريضة : إذا اتى بصلاة العبد فيها نقص يقال: انظروا هل لعبدى من تطوع ,فإذا كان فيه تطوع جبر الفريضة (شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

س/ أيهم أكثر المأمورات أم المنهيات؟

المأمورات أكثر من المنهيات , لأن المنهيات محدودة مثلاً: إذا جئت إلى الأطعمة ,النكاح ...لخ (شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

س/ اختلف العلماء أيهما أفضل الانتهاء عن المنهيات أفضل أم فعل المأمورات أفضل؟

 القول الأول:أن الانتهاء عن المنهيات أفضل من فعل الأوامر

واستدلوا بأدلة منها هذا الحديث لأنه أمر بالانتهاء مطلقا.

القول الثاني : بل امتثال الأوامر أفضل وأعظم منزلة .

واستدلوا: إن آدم عليه السلام أمرت الملائكة بالسجود له فلم يسجد ابليس أي لم يمتثل الأمر فخسر الدنيا والآخرة

الراجح/ القول الثاني

لأن فعل الاوامر أعظم درجة وإنما المنهيات وارتكابها فإنه رجاء الغفران إذا اعقبه توبه.( شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

س/ أيهما العبد في حاجته المنهيات أم المأمورات؟

قال الشيخ صالح ال الشيخ:

*إن المنهيات:

لا حاجة للعبد بها يعني لا تقوم حياته بها بل إذا استغنى عنها تقوم حياته فليس محتاجاً ولا مضطراً إليها

أما إذا احتاج لبعض المنهيات فهنا الحاجة يكون لها ترخيص بحسبها

مثل/ الميتة, الأشربة المسكرة ليس المرء محتاجاً إليها ,لان في الحلال الكثير ما يغني عن هذه المحرمات

أما الواجبات:

لا تقوم الحياة إلا بها ولا يستغني عنها العبد لابد لإتيان بها فإذا لم يستطيع يأتيها على قدر استطاعته. (شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

س/ أن الأمر ما امر به فهو خير سواء فعله المرء ورغب في الاجر وعمله بإخلاص أو فعله لغير مرضاة الله كيف ذلك؟

ذكر العلماء من قوله تعالى (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)(النساء :114)

هذه المأمورات فيها خير ولو فعلها بغير نية صالحة لأنها متعدية النفع ومتعديه الأثر , ولو فعلها بنية صالحة فأنه يؤجر مع بقاء الخير وبعد ذلك:

قال الله تعالى :( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)( (النساء :114)

فمن أمر بصدقه أو معروف أو إصلاح بين الناس بلا نيه فقد اتى خير ولو كانت نيته غير صالحه لأن فعلها متعدى وإذا آتاها النية صالحه فإنه يؤجر عليها.

·       المحرمات فإنه يجب اجتنابه فلا خير منه بته من حيث تعدى الغير أو لم يتعدى. (شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

 
 
 
 
 
 
 

3) الميسور لا يسقط بالمعسور .

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)

استنبط العلماء من قوله هذه القاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور)

معناها: أن المكلف في بعض الأحيان يشق عليه فعل واجب من الواجبات ,ولكن يتيسر له فعل واجب من الواجبات , ولكن يتيسر له فعل بعضه , ولهذا جاء في القواعد (لا واجب مع العجز)

*أمثلة:

1) (كمن وجد ماء لا يكفي لرفع الحدث)

فعليه في هذه الحالة استعماله في بعض أعضائه ويتمم للباقي.

2)(من عجز عن بعض أركان وشروط الصلاة )

فعليه أن يأتي بما يستطيع منها ,ولا يسقط عنه الصلاة بسبب عجزه عن بعضها.(قواعد وفوائد على الاربعين النووية صـ106)

((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ )رواه البخاري

س/ في الحديث (فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لماذا لم يقيد النهي بالاستطاعة في قوله (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ

لم يقيده بالاستطاعة بل أوجب الاجتناب بلا قيد لأن الانتهاء عن المنهيات ليس فيه تحميل فوق الطاقة بل المنهيات لا حاجة للعبد بها. (شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

 

 
 


4) سبب هلاك الأمم.

قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: { فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ واخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ}

في الحديث بيان سبب هلاك الأمم فعلينا أن نحذر من الوقوع بما وقعت به. (قواعد وفوائد على الاربعين النووية صـ107)

قال الشيخ محمد المنجد:

لأن كل ما يحتاج المسلمين موجود في كتاب الله بينه الله وبلغه الرسول عليه السلام فلا يحتاج إلى السؤال بعد ذلك.(شرح الأربعين النووية للشيخ صالح ال الشيخ)

·       يقول الشيخ صالح ال الشيخ:

كثرة المسائل ليست دالة على دين عن ولا على ورع ولا على طلب علم.. وإنما على طالب العلم أن يقل المسائل ما استطاع.

ـ أما اذا كان السؤال متعلق بفهم القران ويتبعه فهم السنة فإن هذا لا باس به ,إما ان تكثر  المسائل في أمور ليس ورائها طائل فهذا مما ينبغي تركه دل ذلك قوله تعالى

(لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) المائدة :101

قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآيه:

انتظروا , فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شي إلا وجدتم تبيانه.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ67)

 

·       حال الصحابة في السؤال.

·       نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه عامه أن يكثروا عليه من الأسئلة ,خشية أن  يكون ذلك سبباً في إثقالهم بالتكاليف , وسداً لباب التنطع والانشغال بما لا يعني فكان الرسول عليه الصلاة السلام يقول:

(إِنَّ اللهَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)رواه البخاري

ـ لقد أدرك أصحابه الملازمون له من المهاجرون والانصار هذه الغاية , فكانوا لا يسألونه عن شي حتى ولو رغبت نفوسهم في ذلك امتثالاً لأمره ووقوفاً عند نهيه , وهم الذين رسخ الإيمان في قلوبهم . فجعلوا هواهم تبعا لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم . (الوافي شرح الأربعين النووية صـ67)

س/ كان الرسول عليه السلام يرخص للأعراب والوافدين من المدينة أن يسالوه ... ما السبب في ذلك؟

تألفاً لهم وتيسيراً عليهم , وتزويداً لهم بالعلم والمعرفة التي يحتاجونها في أمر دينهم.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ67)

س/ هل كان سؤال الوافدين يوافق رغبة المهاجرين والأنصار ويفرحون به؟

نعم , ولا سيما إذا كان الجواب فيه بشارة بخير

عن أنس رضي الله عنه قال (نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع) رواه مسلم

عَنْ أَنَسٍ( أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ قَالَ وَيْلَكَ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْنَا وَنَحْنُ كَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً)رواه مسلم والبخاري

                                                                            


·       السؤال وحكمه.

إن السؤال على أنواع , يختلف حكمها باختلاف الباعث عنها : وهي كالتالي:

1/ المطلوب شرعاً.. وهو على درجات

أ‌)      فرض عين على كل مسلم.

أي لا يجوز للمسلم تركه والسكوت عنه وهو السؤال عما يجهله من أمور الدين وأحكام الشرع , فما يجب عليه فعله كأحكام الطهارة والصلاة والصيام ..أنواع العبادات والمعاملات حديث (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)رواه مسلم والبخاري.

ب‌)  فرض كفاية:

بمعنى أنه لا يجب على كل مسلم ,بل يكفي أن يقوم به بعضهم ـ وهو السؤال للتوسع في الفقه بالدين ,ومعرفة أحكام الشرع وما يتعلق بها ,لا للعمل وحده ـ ليكون هناك حفظه لدين الله ,يقومون بالفتوى والقضاء ويحملون لواء الدعوة إلى الله تعالى ويعلمون باقي المسلمين ما يحتاجون إليه من أمور دينهم.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ68)

*لقوله تعالى:( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)التوبة :122

*حديث (فليعلم الشاهد منكم الغائب)متفق عليه.

*سئل ابن عباس عن سبب نيلة العلم الواسع فقال : إنني أعطيت لسانا سؤولاً وقلباً عقولاً)

ج)مندوب.

بمعنى أنه يستحب للمسلم أن يسأل عنه وذلك مثل السؤال عن أعمال البر والقربات الزائدة عن الفرائض

مثل : السؤال لتأكد من صحة ما يقوم به المكلف من واجبات , وما يبتعد عنه من المنهيات.( الوافي شرح الأربعين النووية صـ69)


2) سؤال منهي عنه وهو على درجات.

حكمه: حرام أي يأثم المكلف به ومن ذلك :

أ‌)      السؤال عما أخفاه الله عن عباده ولم يطلعهم عليه.

مثل : كالسؤال عن وقت قيام الساعة ,وعن حقيقة الروح وماهيتها ,وعن سر القضاء والقدر ..ونحو ذلك.

ب‌)  السؤال على وجه العبث والاستهزاء.

عن ابن عباس قال : كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تَسألوا عَـن أشياءَ إِن تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم) المائدة :101

ج) سؤال المعجزات.

وطلب خوارق العادات عناداً وتعنتاً أو إزعاجاً وإرباكاً, كما كان يفعل المشركون وأهل الكتاب. يأثم

2) مكروه.

أي يحسن بالمكلف تركه ,ولا يأثم بسؤاله ومن ذلك.

أ‌)      السؤال عما لا يحتاج إليه.

وليس في الجواب عنه فائدة عملية ,وربما كان في الجواب ما يسوء السائل (عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا ، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ثُم قَالَ لِلنَّاسِ : " سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ " . فَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ أَبِي ؟ فَقَالَ : " أَبُوكَ حُذَافَةُ " . فَقَام آخَرُ : فَقَالَ : مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ " . فَلَمَّا رُئِيَ مَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَضَبِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ)

ب)السؤال عما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام ولم يبين فيه طلباً أو نهياً,

 فإن السؤال عنه ربما كان سببا للتكليف به مع التشديد فيه ,فيترتب على ذلك وقوع المسلمين في حرج ومشقة كان السائل سببا فيها.

عَنْ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ "

قال النووي:

هذا النهي خاص بزمانه عليه الصلاة والسلام أما بعد استقرت الشريعة , وأمن من الزيادة فيها ,زال النهي بزوال سببه ,أي وهو احتمال أن يحرم شئ بالسؤال عنه ,لأنه لا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .( الوافي شرح الأربعين النووية صـ71)

3) مباح.

من سأل لضرورة , بأن وقعت له مسألة فسال عنها ,فلا إثم عليه ولا عتب.

لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)الانبياء :7                                                                     


                                   



 

5)اختلافهم على أنبياهم.

لقوله صلى الله عليه وسلم (واخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ}

يحذرنا صلى الله عليه وسلم من مخالفة أمره ـ كما حذرنا الله سبحانه في كتابه في أكثر من موضع عن عاقبة الأمم التي خالفت رسولها فأخبر بأنه أهلك قوم نوح بسبب إعراضهم وعصيانهم لرسولهم قال تعالى :( قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا)نوح :21

فيجب على المسلمين أن يتبعوا رسولهم فيما شرع لهم عن ربه جل وعلا وليحذروا من مخالفته

قال تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور :63)

قال الحافظ ابن كثير:

فليحذر من خالف شريعة الرسول باطنا أو ظاهرا " أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ"

أي : في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة .

" أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"

أي : في الدنيا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك.(تفسير ابن كثير 6/97)

 
                  صلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين



 
 
 








 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق