الأربعاء، 3 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة الانشقاق (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ *  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) سورة الانشقاق  (1ـ 15)


* الفوائد من الآيات:

1)أهوال يوم القيامة.

1ـ قوله تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) الانشقاق(1ـ2)

ـ قوله تعالى { إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ}

 انشقت: انفتحت. إذاً فانشقاقها يوم القيامة ,فهذه السماء القوية العظيمة تنشق يوم القيامة تتشقق بإذن الله سبحانه وتعالى.

ـ قوله تعالى { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا }

 أذنت: بمعنى استمعت وأطاعت أمر ربها عز وجل .

ـ قوله تعالى {وَحُقَّتْ}

 أي حق لها أن تأذن، أي تسمع وتطيع؛ لأن الذي أمرها الله ربها خالقها عز وجل فتسمع وتطيع.

* هذه الطاعة العظيمة في ابتداء الخلق وفي انتهاء الخلق.

ـ في ابتداء الخلق قال: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت:11

ـ في انتهاء الخلق { إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } حُق لها أن تأذن تسمع وتطيع.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 464ـ 465/10)

 

2ـ قوله تعالى (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) الانشقاق(3ـ5)

ـ قوله تعالى (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ)

هذه الأرض التي نحن عليها الان هي غير ممدودة

 أولاً: أنها كرة مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً ـ أي ممتدة قليلاً ـ فهي مدورة الآن،

ثانياً: ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً، وفيها المنخفض، فيها الأودية، فيها السهول، فيها الرمال، فهي غير مستوية لكن يوم القيامة.

ـ قوله تعالى { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ }

أي تمد مدًّا واحداً كمد الأديم يعني كمد الجلد، كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تُمد حتى إن الذين عليها ـ وهم الخلائق ـ يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، لكن الآن لا ينفذهم البصر، لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم

كما جاء في الحديث: «يجمع الله تعالى يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفُذُهُم البصر» (أخرجه البخاري كتاب التفسير باب) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) (4712) ومسلم كتاب الإيمان، باب ادنى أهل الجنة منزلة فيها (194) (327)

ـ قوله تعالى { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}الانشقاق:4

أي جثث بني آدم تلقيها يوم القيامة، تلقي هذه الجثث فيخرجون من قبورهم لله وجل، كما بدأهم أول خلق، أي كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض، وأنت خرجت من بطن أمك حافياً، عارياً، غرلاً

كذلك تخرج من بطن الأرض يوم القيامة حافياً ليس عليك نعال، عارياً ليس عليك كساء، غرلاً لست مختوناً،

ولما حدّث النبي عليه الصلاة والسلام بذلك

قالت عائشة: يا رسول الله: الرجال والنساء جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» (أخرجه البخاري(6527)ومسلم(2859)

ـ قوله تعالى{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} تأكيداً لاستماعها لربها وطاعتها . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين  465/10)

 

 2) ملاقاة الله عز وجل.

في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) الانشقاق:6

ـ قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ } يعم كل إنسان مؤمن وكافر

الكادح: هو الساعي بجد ونوع مشقة

ـ قوله تعالى {إلَىٰ رَبِّكَ} يعني أنك تكدح كدحاً يوصلك إلى ربك، يعني أن منتهى كدحك مهما كنت ينتهي إلى الله، لأننا سنموت وإذا متنا رجعنا إلى الله عز وجل

ـ قوله تعالى (مُلَاقِيهِ) ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أو شر .(تفسير ابن كثير 489/4)

* لكن الفرق بين المطيع والعاصي.

 أن المطيع يعمل عملاً يرضاه الله، ويصل به إلى مرضاة الله يوم القيامة.

والعاصي يعمل عملاً يغضب الله، لكن مع ذلك ينتهي إلى الله عز وجل  .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين  466/10)



3ـ صفة أخذ الكتاب يوم القيامة.

1/ صفة المؤمن في أخذ الكتاب

قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا) الانشقاق(7ـ9)

ـ قوله تعالى {ُوتِيَ } هنا فعل مبني لما لم يسم فاعله، فمن الذي يؤتيه؟

 يحتمل أنه الملائكة، أو غير ذلك لا ندري، المهم أنه يعطى كتابه بيمينه أي يستلمه باليمنى.

 ـ قوله تعالى { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } أي يحاسبه الله تعالى بإحصاء عمله عليه، لكنه حساب يسير، ليس فيه أي عسر

* كما جاءت بذلك السنة:

 أن الله عز وجل يخلو بعبده المؤمن، ويقرره بذنوبه فيقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، ويقر بذلك ولا ينكر

فيقول الله تعالى: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها اليوم» (أخرجه البخاري (2441) ومسلم (2768)

ولا شك أن هذا حساب يسير يظهر فيه منّة الله على العبد، وفرحه بذلك واستبشاره. .

ـ قوله تعالى { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا } ينقلب من الحساب إلى أهله في الجنة مسروراً، أي مسرور القلب

وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام:

 أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر (أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وانها مخلوقة (3246) . ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الحنة (2834) (14))

ثم هم بعد ذلك درجات، وهذا يدل على سرور القلب؛ لأن القلب إذا سُر استنار الوجه . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين  466/10)

 

2/ صفة الكافر في أخذ الكتاب.

قوله تعالى{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ *  فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ * بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } الانشقاق(10ـ 15)

هؤلاء هم الأشقياء والعياذ بالله، يؤتى كتابه وراء ظهره وليس عن يمينه

* فقيل: إن من لا يؤتى كتابه بيمينه ينقسم إلى قسمين:

منهم من يؤتى كتابه بالشمال، ومنهم من يؤتى كتابه وراء ظهره

 والأقرب والله أعلم :

أنه يؤتى كتابه بالشمال، ولكن تلوى يده حتى تكون من وراء ظهره، إشارة إلى أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره كتاب الله عز وجل ولم يبال به، ولم يرفع به رأساً ولم ير بمخالفته بأساً.

ـ قوله تعالى { فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} أي يدعو على نفسه بالثبور،

يقول: واثبوراه يا ويلاه، وما أشبه ذلك من كلمات الندم والحسرة، ولكن هذا لا ينفع في ذلك اليوم؛ لأنه انتهى وقت العمل، فوقت العمل هو في الدنيا، أما في الآخرة فلا عمل وإنما هو الجزاء

ـ قوله تعالى { وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا} أي يصلى النار

ـ قوله تعالى { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } أي: ألا يرجع بعد الموت، ولهذا كانوا ينكرون البعث ويقولون لا بعث، ويقولون: من يحيي العظام وهي رميم.

ـ قال تعالى{ بَلَىٰ } أي سيحور ويرجع

ـ قوله تعالى { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا } يعني أنه سيرجع إلى الله عز وجل الذي هو بصير بأعماله، وسوف يحاسبه عليها على ما تقتضيه حكمته وعدله.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين  467/10)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق