الخميس، 4 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة الانشقاق )(2)

قـال الله تعـالى

( فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)سورة الانشقاق (16ـ 25)


* الفوائد على هذه الآيات:

1) قسم الله تعالى على بعض مخلوقاته.

قال تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ } الانشقاق(16ـ18)

هذه الجملة مكونة من قسم، ومُقسم به، ومقسم عليه، ومُقسِم

ـ قوله تعالى { فَلَا أُقْسِمُ } قد يظن الظان أن معنى نفي، وليس كذلك بل هو إثبات و {لا} هنا جيء بها للتنبيه

وأن القسم مثبت، أما المقسِم فهو الله عز وجل أما المقسَم به في هذه الآية فهو الشفق وما عطف عليه.

* فإن قال قائل: لماذا يقسم الله على خبره وهو سبحانه الصادق بلا قسم؟

 وكذلك يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خبره وهو صادق بلا قسم؟

قلنا: إن القسم يؤكد الكلام، والقرآن الكريم نزل باللسان العربي وإذا كان من عادتهم أنهم يؤكدون الكلام بالقسم صار هذا الأسلوب جارياً على اللسان العربي الذي نزل به القرآن.

ـ قوله تعالى { بِالشَّفَقِ} الشفق هو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس. وإذا غابت هذه الحمرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء، هذا قول أكثر العلماء،

ـ قوله تعالى { وَاللَّيْلِ} الليل معروف

ـ قوله تعالى { وَمَا وَسَقَ} أي ما جمع، لأن الليل يجمع الوحوش والهوام وما أشبه ذلك، تجتمع وتخرج وتبرز من جحورها وبيوتها.

ـ قوله تعالى { وَالْقَمَرِ} القمر معروف.

ـ قوله تعالى { إِذَا اتَّسَقَ} يعني إذا اجتمع نوره وتم وكمل، وذلك في ليالي الإبدار. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 469/10)

 

2) تغيرأحوال الناس.

في قوله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ) الانشقاق:19

هذه الجملة جواب القسم وهي مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم، واللام، ونون التوكيد والخطاب هنا لجميع الناس، أي لتتحولن حالاً عن حال، وهو يعني أن الأحوال تتغير فيشمل:

  أحوال الزمان.

  أحوال المكان.

  أحوال الأبدان.

أحوال القلوب.

الأول: أحوال الزمان.

تتنقل فيوم يكون فيه السرور والانشراح وانبساط النفس، ويوم آخر يكون بالعكس، وهذا شيء يعرفه كل واحد بنفسه تصبح اليوم فرحاً مسروراً وفي اليوم الثاني بالعكس بدون سبب لكن هكذا لابد أن الإنسان يركب طبقاً عن طبق.

وتتغير حال الزمان من أمن إلى خوف، ومن حرب إلى سلم، ومن قحط إلى مطر ومن جدب إلى خصب إلى غير ذلك من تقلبات الأحوال..

الثاني: وأحوال المكان.

 الأمكنة ينزل الإنسان هذا اليوم منزلاً، وفي اليوم التالي منزلاً آخر، وثالثاً ورابعاً إلى أن تنتهي به المنازل في الآخرة، وما قبل الآخرة وهي القبور هي منازل مؤقتة. القبور ليست هي آخر المنازل بل هي مرحلة.

الثالث: أحوال الأبدان.

 يركب الإنسان فيها طبقاً عن طبق .

أول ما يخلق الإنسان طفلاً صغيراً يمكن أن تجمع يديه ورجليه بيد واحدة منك وتحمله بهذه اليد ضعيفًا، ثم لايزال يقوى رويداً رويداً حتى يكون شاباً جلداً قوياً، ثم إذا استكمل القوة عاد فرجع إلى الضعف، وقد شبه بعض العلماء حال البدن بحال القمر يبدو هلالاً ضعيفاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً حتى يمتلىء نوراً، ثم يعود ينقص شيئاً فشيئاً حتى يضمحل، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.

الرابع: أحوال القلوب.

 وما أدراك ما أحوال القلوب؟!

 أحوال القلوب هي النعمة وهي النقمة

والقلوب كل قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء

حديث:.(ان قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) أخرجه مسلم كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء (2654) (17)  

فإن شاء أزاغه وإن شاء هداه, ولما حدّث النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قال:

«اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (أخرجه الترمذي كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن (2140) . وقال: حديث حسن صحيح..)

فالقلوب لها أحوال عجيبة، فتارة يتعلق القلب بالدنيا، وتارة يتعلق بشيء من الدنيا، وتارة يتعلق بالمال ويكون المال أكبر همه، وتارة يتعلق بالنساء وتكون النساء أكبر همه، وتارة يتعلق بالقصور والمنازل ويكون ذلك أكبر همه، وتارة يتعلق بالمركوبات والسيارات ويكون ذلك أكبر همه،

وتارة يكون مع الله عز وجل، دائماً مع الله يتعلق بالله سبحانه وتعالى، ويرى أن الدنيا كلها وسيلة إلى عبادة الله، وطاعته، فيستخدم الدنيا من أجل تحقيق العبودية لله عز وجل؛ لأنها خلقت له ولا تستخدمه الدنيا, وهذه أعلى الأحوال.. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 10/ 469ـ470)

 

3)الإيمان بالله وتعظيم آياته.

قال تعالى: { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} الانشقاق(20ـ21)

ـ قوله تعالى { فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) أي فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم. ؟(تفسير ابن كثير 492/4)

 ـ قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ } وما لهم إذا قرئت عليهم آيات الله وكلامه وهو هذا القرآن لا يسجدون إعظاما وإكراما واحتراما؟(تفسير ابن كثير 492/4)



 

4) تكذيب المشركين للحق.

ـ قوله تعالى (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) الانشقاق(22ـ24)

ـ قوله تعالى (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ ) أي من سجيتهم التكذيب والعناد والمخالفة للحق.

ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ)  مجاهد وقتادة يكتمون في صدورهم.

 ـ قوله تعالى (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) أي فأخبرهم يا محمد بأن الله عز وجل قد أعد لهم عذابا أليما. (تفسير ابن كثير 492/4)



5) أجر المؤمنين.

قوله تعالى(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) الانشقاق:25

 ـ قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) هذا استثناء منقطع يعني لكن الذين آمنوا - أي بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم

ـ قوله تعالى (لَهُمْ أَجْرٌ) أي في الدار الآخرة. (تفسير ابن كثير 492/4)

ـ قوله تعالى {غير ممنون} أي غير مقطوع، بل هو مستمر أبد الآبدين.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 473/10)

 

6) شروط قبول العمل.

أن العمل الصالح ما جمع شيئين:

الأول: الإخلاص لله تعالى

 بأن لا يريد بعمله إلا وجه لله عز وجل وابتغاء مرضاته، وابتغاء ثوابه، وابتغاء النجاة من النار فلا يريد شيئاً من الدنيا وزينتها.

الثاني: أن يكون متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أي أن يتبع الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عمله فعلاً لما فعل، وتركاً لما ترك. فما فعله النبي صلى الله عليه وسلّم تعبداً مع وجود سببه فالسنة فعله إذا وجد سببه. وما وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفعله فإن السنة تركه. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 473/10)

تم بحمد الله تفسير سورة الانشقاق

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق