الثلاثاء، 20 مايو 2014


الفتور أسبابه وعلاجه

الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، كما هو مقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة، فالإيمان يعلو حتى يصل إلى الأوج والذروة، ويهبط متضائلا تارة أخرى، والفائز من لا يغالي عند التعالي، ولا يسرف عند الهبوط.

 

 

وللفتور آثاره الضارة والمهلكة على المسلم،
 ما لم يتدارك نفسه ويعمل على تجديد إيمانه، فقد يتمادى في الفتور ويتحول فتوره إلى تقصير، ثم يتحول التقصير إلى تفريط وهكذا يتشبع بالمعاصي ويستثقل الطاعة،
فعن أَبِي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله
 (كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين (14)(رواه الترمذي وصححه وأصله في صحيح مسلم)

 ومن يجب على كل مسلم أن يتفحص قلبه ويعمل على محاسبة نفسه ويجدد الإيمان في قلبه.


 

أسباب الفتور

وللفتور أسبابه منها:

1 / السرف ومجاوزة الحد في تعاطي المباحات،
 مما يؤدي إلى الكسل و التراخي، إن لم يكن الانقطاع و القعود،

لذلك قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"سورة الأعراف 31

ومما نقل عن عمر رضي الله عنه قوله: "إياكم و البطنة في الطعام و الشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه).


 

2/ ومنها إيثار حياة العزلة و التفرد:
فالفرد منا يحتاج إلى من يعينه ويشد من عزمه ويذكره، لذلك
قال تعالى: "{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ}آل عمران:103

 

 

3/ ومنها قلة تذكر الموت و الدار الآخرة:
 فإن ذلك من شأنه أن يؤدى إلى فتور الإرادة، وضعف العزيمة و في ضوء هذا نفهم الحكمة من أمره صلى الله عليه وسلم - بزيارة القبور بعد النهي و التحذير، إذ يقول :"كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها"رواه مسلم، وزاد أبو داود والنسائي: " فإنها تذكر بالآخرة".


 

4/  ومنها التقصير في عمل اليوم و الليلة:
 مثل النوم عن الصلاة المكتوبة بسبب السمر الذي لا مبرر له بعد العشاء ، ومثل إهمال بعض النوافل الراتبة ، وترك قيام الليل ، أو صلاة الضحى ، أو تلاوة القرآن.









5/ ومنها الاستهانة بالمعاصي والذنوب:
فإن ذلك ينتهي بالعامل لا محالة إلى الفتور
 


 

علاج الفتور:

ولعلاج الفتور ينبغي على المسلم

**أن يحرص على البعد عن المعاصي و السيئات كبيرها وصغيرها، فإنها نار تحرق القلوب، وتستوجب غضب الله،

**كما يجب المواظبة على عمل اليوم و الليلة: من ذكر ودعاء وضراعة، أو استغفار، أو قراءة قرآن، أو صلاة ضحى، أو قيام ليل، ومناجاة ولاسيما في وقت السحر، فإن ذلك كله مولد إيماني جيد، ينشط النفوس ويحركها ويعلى الهمم، ويقوى العزائم.

**كما يجب ترصد الأوقات الفاضلة، و العمل على إحيائها بالطاعات فإن هذا مما ينشط النفوس، ويقوى الإرادات.

 حري بنا فحص القلب، لنعرف درجته من الزيادة والنقصان، فنحمد الله أو نستدرك. وننظر ماذا خالط قلوبنا من الشوائب، التي تعكر الصفاء، و توهم بالاطمئنان في غير موضع الرجاء... كما يجب أن نحرص على إلزام أنفسنا على مصاحبة الأخيار ،
قال تعالى: "اوَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ لآية 28 ، الكهف)
 

قال ابن عباس:
لا تجاوزهم إلى غيرهم، يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة... كما يجب أن نتذكر الموت والجنة والنار فإن في دوام تذكرهما ما يحرك الهمم الساكنة و العزائم الفاترة، جاء عن ابن هرم بن حيان أنه كان يخرج في بعض الليالي، وينادى بأعلى صوته: "عجبت من الجنة كيف ينام طالبها، وعجبت من النار كيف نام هاربها، ثم يقول:
{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ) الأعراف {97}".

وختاما يجب أن يعلم كل منا أن الفتور أمر طبيعي في النفس، لكن يجب عندما يعتري الإنسان ألا يستسلم له، ويعمل على شحذ الهمة سريعا،

قال بعض السلف: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، فبلغت بعضهم فقال: طوبى له! أوقد استقامت؟ ما زلت أجاهدها ولم تستقم بعد أربعين سنة!

صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
 
 
 

الاثنين، 5 مايو 2014

الجنة ـ والنار


الجنة ـ والنار

شرح حديث: (حجبت النار بالشهوات...) و(الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) صحيح البخاري من كتاب الرقائق

قال المصنف رحمه الله: [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره).وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) ].

 


هذان الحديثان المتتابعان يتكلمان عن الجنة والنار،

وقد جاءت الألفاظ النبوية بأمرين:

الأول: حجبت النار بالشهوات.

الثاني: حجبت الجنة بالمكاره.

وفي الحديث الثاني: أن الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وكذلك النار.


والجنة والنار مخلوقتان لله تبارك وتعالى، لا تبيدان ولا تفنيان، وهما موجدتان الآن، والله تبارك وتعالى جعل الجنة داراً لأوليائه، وجعل النار داراً لعصاته،

 ولما خلق الجنة بعث إليها جبريل ليراها، فلما رآها قال: (وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحفها الله جل وعلا بالمكاره)؛ لأن الجنة درجة عالية تحتاج إلى صعود،

 فلما رآها جبريل مرة أخرى قال: (وعزتك ما ظننت أن سيدخلها أحد)؛ لأن بينها وبين الناس مفاوز وهي المكاره.


 

والمكاره هي المشاق التي تحصل عند القيام بالعبادة:

كالذهاب إلى الصلوات، والصيام، وإنفاق المال،  لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ  [آل عمران:92]،

والصبر على أقدار الله جل وعلا وقضائه، والكف عن الشهوات، وغض البصر، وحفظ الفرج، فهذه كلها مكاره،

لكن الإنسان إذا هتك الحجاب وتخلص من هذه المكاره، واستطاع أن ينتصر عليها لم يكن بينه وبين الجنة شيء،

 ولهذا قال في الحديث الآخر: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك).


قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

المعنى في الحديث الثاني: أن الجنة سهل الحصول عليها إذا تحقق القصد، وقام العبد بالطاعة، وكذلك النار سهل دخولها إذا اتبع المرء هواه، وفعل المعصية.فهذان الحديثان مرتبطان بعضهما ببعض،

 وقد بينا أن الجنة والنار داران قد خلقهما الله تبارك وتعالى.فهذه الجنة كما حفها الله بالمكاره فقد حف الله جل وعلا النار بالشهوات،

 وفي رواية البخاري : حجبت، وفي رواية مسلم : حفت، والمعنى واحد متقارب.
 
 


 

والشهوات المقصود بها هنا: الشهوات المحرمات، وأما الشهوات المباحة فلا تكن بينك وبين النار.

والمقصود من الحديث الثاني إضافة إلى ما بينه ابن الجوزي أن نقول: ألا يحتقر الإنسان أي عمل يصنعه، وألا يحتقر أي معصية يفعلها، فقد تكون تلك المعصية سبباً في هلاكك، وقد تكون تلك الطاعة سبباً في نجاتك.






قال علي رضي الله عنه وأرضاه:
(إن الله أخفى اثنتين: أخفى الله أولياءه في عباده، فلا تدري من تلقاه أيهم ولي لله، وأخفى رضاه في طاعته، فلا تدري أي طاعة أطعت الله بها كانت سبباً في رضوان الله تبارك وتعالى عليك).

والمقصود من الحديثين: ألا يزدري الإنسان أي طاعة ولا يحتقرها، وأن يسابق في الخيرات وينافس بالطاعات، ويعلم أن الجنة درجة عالية تحتاج إلى صعود، ففي ذلك مشاق وعناء، أدخلنا الله وإياكم إياها.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

السبت، 3 مايو 2014


رفع الأمانة في آخر الزمان

 (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى أثرها مثل المجل: كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) ].نسأل الله العافية.
 
 



وهناك خلاف بين العلماء في المقصود بالأمانة في الحديث:

 فقال بعضهم: إن الأمانة في الحديث هي عين الأمانة في قول الله جل وعلا في سورة الأحزاب:  إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ  [الأحزاب:72]،

 ففسرت بالإيمان، وهو ظاهر الحديث، لكن ينبغي أن يفرق بينهما وأن يقال: إن المقصود هنا أثر الإيمان، وهناك تلازم، فإذا ضعف الإيمان تكون الخيانة، وإذا قوي الإيمان تكون الأمانة، هذا هو الصواب في فهم الحديث، فإذا ضعف الإيمان رفعت الأمانة، وحلت -عياذ بالله- الخيانة.

 
 

قوله: (مثل أثر الوكت)، الوكت: هو الأثر اليسير للشيء.

قوله: (ينام النومة) اختلف في معنى (ينام النومة)، لكن الأظهر -والله تعالى أعلم- أنه يضعف إيمانه، فالنوم أخو الموت، فشبه ضعف الإيمان بالنوم؛ لأن عدم الإيمان يسمى موتاً،  أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ  [الأنعام:122]، فيكون نومه هو ضعف إيمانه، فإذا ضعف إيمانه نجم عن ذلك -عياذاً بالله- الخيانة وقلة الأمانة،

 فالوكت هو الأثر اليسير للشيء.

ثم ذكر المجل، والمجل في اللغة: ما يكون من أثر العمل إذا غلظ، فمثلاً إذا صنعت بيدك شيئاً شاقاً فإذا فرغت من ذلك العمل فإنه يكون هناك أثر في اليد، وهذا الأثر الذي في اليد من ذلك العمل الغليظ يسمى مجلاً.

وأما التنفط فهو الانتفاخ، والإنسان -كما جاء في الحديث- إذا وطأ على جمرة ولو كانت الجمرة يسيرة فإنها تؤثر في باطن القدم، فيحصل تنفط وانتفاخ، وهذا التنفط والانتفاخ يصير وكأنه ورم وليس بداخله شيء.

فكذلك الرجل ضعيف الإيمان يرى أو يتعاهد معه ويبايع، وتقام معه العهود والمواثيق، ويظن راعيه أنه حامل للأمانة، وليس لديه من الأمانة شيء،

فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً ثم أتى بأسلوب تعجب: (ما أظرفه ما أعقله ما أجلده)، وهذا كله يسمى أسلوب تعجب وهو في الحقيقة مدح من الناس على الظاهر، لكنك إذا تبايعت معه وتعاملت معه فإنك لا تجد عنده من الأمانة شيئاً أبداً.




وعمر رضي الله عنه يقول: (اللهم أشكو إليك ضعف الأمين، وفجور القوي).لكن إذا اجتمعت في الإنسان قوة في أداء العمل، مع أمانة ومراقبة الله جل وعلا في عمله الذي أوكل إليه،

وهذا الحديث يبين: أن يحرص الإنسان على أن يتقي الله جل وعلا فيما أوكل إليه، وأن يبتعد كل البعد عن الغدر، وعن الخيانة، وعن نقض العود والمواثيق وأشباه ذلك مما يقدح في إيمان العبد؛ لأن السلوك الذي تصنعه مع الغير إنما هو دليل على إيمانك قوة أو ضعفاً، فمن كان الإيمان واليقين راسخاً في قبله كان تعامله مع الناس حق أمين،


 


 والله جل وعلا ذكر في كتابه المكر والخديعة والخيانة،

 فنسب لذاته العلية المكر والخديعة مقيدتين، ولم ينسب الخيانة إلى ذاته.قال الله جل وعلا وهو خير القائلين:  وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ  [الأنفال:30]،

وقال جلا وعلا:  يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ  [النساء:142].

ولما ذكر أهل الخيانة قال:  وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ  [الأنفال:58]. فلم يقل: فخنهم، ولم ينسبها إلى نبيه،  فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ  [الأنفال:58]

يعني: أظهر الأمر لهم جلياً أن ما بيني وبينكم انتهى، وقد يفسر: كن واضحاً معهم، هذا هو المعنى الحرفي للآية،

فالمقصود أن الخيانة مذمومة على كل وجه، ولا يليق بمسلم أن يصنعها، وهي من الدلائل والبراهين والقرائن على قوة الإيمان أو ضعفه،
 
          وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.







الجمعة، 2 مايو 2014



 الأمانة.

عن حذيفة رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة) ]. أخرجه البخاري
 
 

 فقال :إنها نزلت في جذر قلوب الرجال، وكلمة جذر: تقرأ جَذر وتقرأ جِذر، بالكسر والفتح، وكلاهما صحيح،

ومعنى الجذر: الأصل من الشيء.


وفي هذا الإخبار أن هناك ثلاث طرائق جعلت بها الأمانة في قلوب الرجال:

الطريق الأول: طريق الفطرة،

الطريق الثاني: طريق الإلهام،

الطريق الثالث: طريق الوضع الرباني المحض.
 



 وهذا معنى قوله: (نزلت في جذر قلوب الرجال) أي: في أصلها، فينشأ الإنسان والمرء فطرة على أنه أمين.

ثم قال: (ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة)، ويصح أن تقرأ: ثم علّموا القرآن، ثم علّموا السنة.

من هذا الحديث اخذ العلماء أن الأصل :

أن يتعلم الإنسان القرآن في الأول، ثم يتعلم السنة، وأن يفقه الإنسان القرآن ثم يفقه السنة، ولو تعلمهما متجاورين -أي: ليس هناك فارق زمن بعيد بينهما- فلا حرج،
 

·      ظهور طائفة:

لأنه ظهر منذ القدم أقوام يقولون: يكتفى بالقرآن ولا حاجة للسنة، وفي عصرنا يسمون أنفسهم بالقرآنيين، ولكن هذه التسمية التي أطلقوها على أنفسهم غير صحيحة، لأن الرجل إذا فقه القرآن أصلاً علم أن من لوازم فقه القرآن أن يعلم السنة،

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي)، وقال: (إلا وإني أوتيت القرآن وما يعدله)، وفي رواية (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)،

 وفي الحديث: (يوشك رجل شبعان متكئاً على أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه عملنا به، ومالم نجد فيه لا نعمل به) أي: كأنه ينبذ السنة.

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا أعرفن رجلاً يأتي لأمر إما أمر أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله)

فهؤلاء لم يوجدوا في زمن النبوة لكنهم وجدوا بعد ذلك، وقد حذر منهم نبينا صلى الله عليه وسلم



س /متى ظهرت هذه الطائفه؟

وأول ما ظهرت نبتة هؤلاء القوم كان ذلك في زمن الشافعي ، رحمه الله تعالى، ولذلك أفرد الشافعي رحمه الله في كتابه الرسالة باباً يخصهم، وذكر محاورة جرت له مع بعضهم، وكيف أقام رحمه الله الحجة عليهم، وأبان لهم الأمر، وأوضح لهم المحجة، فجزاه الله عن الأمة خير الجزاء.

ثم ما زال هؤلاء القوم يكثرون في عصر ويقلون في عصر،
 
 

 فمن رام أن يحمل الناس على أن الدين ما في القرآن فقط، فهو يريد أن يحملهم على هدم الدين؛ لأنه لا يمكن أن يعرف القرآن إلا بالسنة، والقرآن جاء لتعظيم سنة صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية،

 والله جل وعلا يقول:  اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ  [الأنفال:24].

فإن قلنا: إن الفاعل في (دعاكم) هو النبي صلى الله عليه وسلم فالأمر واضح، وإن قلنا: إن الضمير يعود على لفظ الجلالة، فما سلف من أول قوله جل وعلا:  اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ  [الأنفال:24] معناه أن القرآن والسنة شيء واحد، ولا يجوز أبداً،بل عين الكفر أن يطالب الإنسان الناس العمل بما في القرآن فقط، وأن يطالبهم بترك السنة، وأنها لا حجة فيها.



 


والمقصود من ذلك كله هدم الدين، لكن الحجة قائمة عليهم؛ لأن الدين لا يعلم إلا بالقرآن والسنة، لكن المنهجية العلمية تجعلنا نقول: نبدأ بالقرآن ثم بالسنة، فما أشكل علينا فهمه من القرآن نفهمه عن طريق السنة.



 

ومثاله: أن الله جل وعلا ذكر في القرآن أن القصر في الصلاة لا يكون إلا لسبب الخوف: (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا)، لكن السنة بينت أن القصر في السفر يكون في الخوف وفي غير الخوف، قال صلى الله عليه وسلم: (صدقة تصدق الله بها عليكم) .




وهذا هو المراد من قول حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة).وطالب العلم الحق هو من يجمع بينهما، ولا سبيل إلى فهم القرآن إلا بالسنة، ولا سبيل إلى الأخذ بالسنة إلا بموجبات القرآن.

صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .