تفسير جزء عم (سورة الأعلى)
(2)
قـال الله تعالى
(فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ *
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ
الْكُبْرَىٰ * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ
* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ بَلْ تُؤْثِرُونَ
الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ
الْأُولَىٰ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ) سورة الأعلى(9ـ19)
الفوائد على هذه الآيات:
1) الذكرى وأقسام الناس فيها.
في قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ *
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ *وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ
الْكُبْرَىٰ * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ)الاعلى(9ـ13)
ـ قوله تعالى { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ} يعني ذكر الناس، ذكرهم بآيات الله
ذكرهم بأيام الله، عظهم.
ـ قوله تعالى { إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى } يعني في محل تنفع فيه الذكرى،
وعلى هذا فتكون { إِن } شرطية
والمعنى إن نفعت الذكرى فذكر،
وإن لم تنفع فلا تذكر، لأنه لا فائدة من تذكير قوم نعلم أنهم لا ينتفعون، هذا ما قيل
في هذه الآية.
يقول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله.
لابد من التذكير حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف
يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب، وإما حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون
المحرم، قال الناس: لو كان هذا محرماً لذكَّر به العلماء، أو لو كان هذا واجباً لذكَّر
به العلماء، فلابد من التذكير ولابد من نشر الشريعة سواء نفعت أم لم تنفع. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 501/10)
ـ قوله تعالى { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ * وَيَتَجَنَّبُهَا
الْأَشْقَى } فبين
تعالى أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين:
* القسم الأول:
من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفاً عن علم بعظمة الخالق جل وعلا، فهذا
إذا ذكر بآيات ربه تذكر فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع.
* أما القسم الثاني
قوله تعالى { وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى } أي يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها .
ـ قوله تعالى { الْأَشْقَى } هنا اسم تفضيل من الشقاء وهو ضد السعادة
فالأشقى: المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع
بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع
بالذكرى.
ولهذا قال تعالى{ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ
* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ)الذي يصلى النار الموصوفة بأنها{ الْكُبْرَى
}
ـ قوله تعالى { الْكُبْرَى } وهي نار جهنم؛ لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة
لها،
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«أن نار الدنيا جزء من سبعين
جزءاً من نار الآخرة» (أخرجه مسلم كتاب الجنة، باب جهنم (2843) (43) .
أي أن نار الآخرة فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً .
بقوله:{ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ) المعنى لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة
سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع لكن أحياء يعذبون. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 501ـ502/10)
2) أنواع التزكية.
في قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ)الاعلى :14ـ15
ـ قوله تعالى {أَفْلَحَ} مأخوذ من الفلاح،
والفلاح كلمة جامعة وهو: الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.
ـ قوله تعالى { مَن تَزَكَّىٰ} مأخوذة من التزكية وهو التطهير، ومنه سميت الزكاة
زكاة؛ لأنها تطهر الإنسان من الأخلاق الرذيلة. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 502/10)
* فصارت التزكية لها ثلاث متعلقات:
الأول: في حق الله.
في حق الله تعالى يتزكى من الشرك فيعبد الله تعالى مخلصاً له الدين.
والثاني: في حق الرسول.
في حق الرسول يتزكى من الابتداع فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي صلى
الله عليه وسلّم في العقيدة ,والعمل,
والقول.
والثالث: في حق عامة الناس.
في معاملة الناس يتزكى من الغل والحقد والعداوة والبغضاء، وكل ما يجلب
العداوة والبغضاء بين المسلمين يتجنبه، ويفعل كل ما فيه المودة والمحبة .
* قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:
«لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا،
ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم»
(أخرجه
مسلم، كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وإن إفشاء السلام سبب
لحصولها (54) (93) (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 503/10)
ـ قوله تعالى { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ) أي: ذكر الله, كل ذكر لاسم الله عز وجل، أي كلما ذكر الإنسان
اسم الله اتعظ وأقبل إلى الله وصلى. والصلاة معروفة هي عبادة ذات أقوال وأفعال، مفتتحة
بالتكبير، مختتمة بالتسليم. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
504/10)
3) الآخرة خير وأبقى.
في قوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ) (الاعلى16ـ 19)
ـ قوله تعالى { بَلْ } تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي،
أي أنه سبحانه وتعالى انتقل ليبين حال الإنسان أنه مؤثر للحياة الدنيا
لأنها عاجلة، والإنسان خلق من عجل، ويحب ما فيه العجلة، فتجده يؤثر الحياة الدنيا،
وهي في الحقيقة على وصفها دنيا
ـ دنيا زمناً
ـ ودنيا وصفاً
أما كونها دنيا زمناً فلأنها سابقة على الآخرة فهي متقدمة عليها،
والدنو بمعنى القرب.
وأما كونها دنيا ناقصة فكذلك هو الواقع فإن الدنيا مهما طالت بالإنسان
فإن أمدها الفناء، ومنتهاها الفناء، ومهما ازدهرت للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا
لا يكاد يمر بك يوم في سرور إلا وعقبه حزن. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
504/10)
ـ قوله تعالى { وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير بما فيها
من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر . كذلك أيضاً هي أبقى من الدنيا, لأن بقاء
الدنيا كما أسلفنا قليل زائل مضمحل، بخلاف بقاء الآخرة فإنه أبد الآبدين. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
504ـ505/10)
ـ قوله تعالى { إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ}الاعلى)18ـ19)
ـ قوله تعالى { إِنَّ هَٰذَا} أي ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على
الآخرة وينسى الآخرة، وكذلك
ما تضمنته الآيات من المواعظ
ـ قوله تعالى { لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى } أي السابقة على هذه الأمة.
ـ قوله تعالى { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ} وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة
والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به الأحوال. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
505/10)
تم بحمد الله تفسير سورة
الأعلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق