الأربعاء، 17 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة الغاشية) (2)

قـال الله تـعـالى

 (ٰأَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) سورة الغاشية(17ـ 26)

الفوائد على هذه الآيات.

1) التفكر في مخلوقات الله.

في قوله تعالى(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) الغاشية(17ـ20)

وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي إن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، أنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين510/10)

ـ قوله تعالى { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ } وهي الأباعر

ـ قوله تعالى { كَيْفَ خُلِقَتْ } يعني كيف خلقها الله عز وجل، هذا الجسم الكبير المتحمل، تجد البعير تمشي مسافات طويلة لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة.

 والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حُّمل وهو بارك لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان، لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لعلوها، ولكن الله تعالى يسر لهم الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين510/10)

س:لماذا خص ذكر الإبل في الآيات من سائر الحيوانات؟

لم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبي وغيرها لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين510/10)


ـ قوله تعالى { وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } أي رفعت هذا الارتفاع العظيم، ومع هذا فليس لها عمد مع أن العادة أن السقوف لا تكون إلا على عمد، لكن هذا السقف العظيم المحفوظ قام على غير عمد . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين510/10)

ـ قال تعالى{ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [الرعد: 2]

ـ قوله تعالى { وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } أي جعلت منصوبة فإنها ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن.(تفسير ابن كثير 505/4)

وقد قال بعض العلماء:

 إن هذه الجبال راسية في الأرض بمقدار علوها في السماء، يعني أن الجبل له جرثومة وجذر في داخل الأرض في عمق يساوي ارتفاعه في السماء، وليس هذا ببعيد أن يُمكّن الله لهذا الجبل في الأرض حتى يكون بقدر ما هو في السماء لئلا تزعزعه الرياح. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين511/10)

ـ قوله تعالى { وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } أي وانظروا كيف سطح الله هذه الأرض الواسعة وجعلها سطحاً واسعاً ليتمكن الناس من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير هذا


وقد استدل بعض العلماء: بهذه الآية على أن الأرض ليست كروية بل سطح ممتد لكن هذا الاستدلال فيه نظر، لأن هناك آيات تدل على أن الأرض كروية.

والواقع شاهد بذلك:

يقول الله عز وجل: { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } [الزمر: 5] .
والتكوير التدوير، ومعلوم أن الليل والنهار يتعاقبان على الأرض، فإذا كانا مكورين لزم أن تكون الأرض مكورة. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين512/10)

ـ قوله تعالى { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } وقد جاء في الحديث أنها يوم القيامة تمد مد الأديم أي مد الجلد (مسند الإمام أحمد 375/1، وسنن ابن ماجه أبواب الفتن، باب فتنة الدجال (4081) ..)

 حتى لا يكون فيها جبال، ولا أودية، ولا أشجار، ولا بناء، يذرها الرب عز وجل قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا

فإذا قال الإنسان: إذا كانت كما ذكرت كروية فكيف تثبت المياه، مياه البحار عليها وهي كروية 

نقول في الجواب عن ذلك:

إن الذي أمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه يمسك البحار أن تفيض على الناس فتغرقهم، والله على كل شيء قدير.

قدرة الله عز وجل أمسكت هذه البحار أن تفيض على أهل الأرض فتغرقهم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين512/10)


2) أمر الله نبيه بالتذكير.

في قوله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) الغاشية(21ـ22)

ـ قوله تعالى {فَذَكِّرْ} أمره الله أن يذكر ولم يخصص أحداً بالتذكير، أي لم يقل ذكّر فلاناً وفلاناً فالتذكير عام، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُعث إلى الناس كافة، أي ذكّر كل أحد في كل حال وفي كل مكان، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام، وذكّر خلفاؤه من بعده الذين خلفوه في أمته في العلم والعمل والدعوة. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين512/10)

ـ قوله تعالى (إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّر)ٌ أي فذكر يا محمد الناس بما أرسلت به إليهم فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.(تفسير ابن كثير 505/4)

ـ قوله تعالى { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} يعني ليس لك سلطة عليهم، ولا سيطرة عليهم،  أنت عليك البلاغ بلغ، والسلطان والسيطرة لله عز وجل. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين513/10)

 

3) الاعراض عن الحق يوجب العذاب.

في قوله تعالى (إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ) الغاشية(23ـ24)

فمن تولى وكفر بعد أن بلغه الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه سيعذب. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين514/10)

ـ قوله تعالى { إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ } الغاشية:23

 ـ قوله تعالى { تَوَلَّىٰ} أعرض

ـ قوله تعالى {وَكَفَرَ} أي استكبر ولم يقبل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام

 ـ قوله تعالى { فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ } والعذاب الأكبر يوم القيامة. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين514/10)



4) الرجوع إلى الله للحساب والجزاء.

في قوله تعالى (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) الغاشية(25ـ26)

ـ قوله تعالى { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } أي مرجعهم، فالرجوع إلى الله مهما فر الإنسان فإنه راجع إلى ربه عز وجل لو طالت به الحياة راجع إلى الله.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

«ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ـ مباشرة بدون مترجم يكلمه الله يوم القيامة ـ فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه ـ يعني على اليسار ـ فلا يرى إلاما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» ( اخرجه البخاري، كتاب الزكاة باب الصدقة قبل الرد (1413) ومسلم كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمره (1016) (67) . جه ص (53)

حديث: (كلنا سيخلو به ربه عز وجل يوم القيامة ويقرره بذنوبه، يقول: فعلت كذا في يوم كذا، حتى يقر ويعترف، فإذا أقر واعترف قال الله تعالى:

 «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» (أخرجه البخاري، كتاب المظالم (2441) ومسلم كتاب التوبة، باب سعة رحمة الله على المؤمنين (2768) (52) .

ـ قوله تعالى { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم } نحاسبهم

 قال العلماء:

 وكيفية الحساب ليس مناقشة يناقش الإنسان، لأنه لو يناقش هلك، لو يناقشك الله عز وجل على كل حساب هلكت

كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعائشة: «من نوقش الحساب هلك» (أخرجه البخاري، كتاب الزكاة باب الصدقة قبل الرد (1413) ، ومسلم كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة (1016) 67.

أو قال «عذب» (أخرجه مسلم كتاب الجنة ونعيمها باب إثبات الحساب (2786) (79) . .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين514/10)


* كيفية الحساب:

أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به بنفسه ليس عندهما أحد ويقرره بذنوبه فعلت كذا فعلت كذا، فعلت كذا حتى إذا أقر بها قال الله تعالى: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» 

أما الكفار فلا يحاسبون هذا الحساب لأنه ليس لهم حسنات تمحو سيئاتهم لكنها تحصى عليهم أعمالهم، ويقررون بها أمام العالم، ويحصون بها، وينادى على رؤوس الأشهاد

ـ قوله تعالى {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين515/10).

تم بحمد الله تفسير سورة الغاشية

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق