تفسير جزء عم (سورة الفجر)(2)
قـال الله تعالى
(فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا
إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا
ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ* وَتَأْكُلُونَ
التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا * كَلَّا إِذَا
دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ
يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ
لِحَيَاتِي *فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ
أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) سورة الفجر(15ـ 30)
الفوائد على هذه الآيات.
1) الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر
في قوله تعالى (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ
رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا
ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا ) الفجر(15ـ17)
الابتلاء من الله عز وجل يكون بالخير وبالشر
كما قال تعالى: { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
} [الأنبياء:
35] .
فيُبتلى الإنسان بالخير ليبلوه الله عز وجل أيشكر أم يكفر ,ويبتلى بالشر
ليبلوه أيصبر أم يفجر
وأحوال الإنسان دائرة بين خير وشر، بين خير يلائمه ويسره، وبين شر لا
يلائمه ولا يسره، وكله ابتلاء من الله،
والإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربه
فأكرمه ونعمه فيقول
فيقول {رَبِّي أَكْرَمَنِ} يعني أنني أهل للإكرام ولا يعترف بفضل الله
عز وجل
ولو أن الإنسان قال: إن الله أكرمني بكذا اعترافاً بفضله وتحدثاً بنعمته
لم يكن عليه في ذلك.
ـ قوله تعالى{ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } يعني ضيق عليه الرزق
ـ قوله تعالى { فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} يعني يقول إن الله تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني كما رزق فلاناً، ولم
يكرمني كما أكرم فلاناً
فصار عند الرخاء لا يشكر، يعجب بنفسه ويقول هذا حق لي، وعند الشدة لا
يصبر بل يعترض على ربه وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً،
أما المؤمن فليس
كذلك:
المؤمن إذا أكرمه الله ونعّمه شكر ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضل من الله
عز وجل وإحسان، وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق.
وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر
عليه رزقه صبر واحتسب، وقال هذا بذنبي، والرب عز وجل لم يهني ولم يظلمني، فيكون صابراً
عند البلاء.
ـ قوله تعالى { كَلَّا} يعني لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق ولكنه تفضل منه، ولم يهنك
حين قدر عليك رزقه، بل هذا مقتضى حكمته وعدله.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
522ـ523/10)
2) الحث على إكرام اليتيم والمسكين.
في قوله تعالى(بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا
تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ) الفجر(17ـ 18)
قال تعالى: { بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } يعني أنتم إذا أكرمكم الله عز وجل بالنعم
لا تعطفون على المستحقين للإكرام وهم اليتامى
واليتيم قال العلماء: هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى،
وأما من ماتت أمه فليس بيتيم،
ـ قوله تعالى { الْيَتِيمَ } يشمل الفقير من اليتامى، والغني من اليتامى لأنه
ينبغي الإحسان إليه وإكرامه لأنه انكسر قلبه بفقد أبيه ومن يقوم بمصالحه، فأوصى الله
تعالى به حتى يزول هذا الكسر الذي أصابه.
ـ قوله تعالى { وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ } يعني لا يحض بعضكم بعضاً على أن يطعم المسكين،
فهو لا يطعم المسكين ولا يحض على طعام المسكين
وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نكرم الأيتام، وأن يحض بعضنا بعضاً
على إطعام المساكين؛ لأنهم في حاجة. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 523/10)
3) حب المال طبيعية الإنسان.
في قوله تعالى (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا
* وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر(19ـ20)
ـ قوله تعالى { التُّرَاثَ} ما يورثه الله العبد من المال، سواء ورثه عن ميت،
أو باع واشترى وكسب، أو خرج إلى البر وأتى بما يأتي به من عشب وحطب وغير ذلك،
فالتراث ما يرثه الإنسان، أو
ما يورثه الله الإنسان من المال فإن بني آدم يأكلونه أكلاً لما
ـ قوله تعالى { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} أي عظيماً، وهذا هو طبيعة الإنسان،
قد يكون الإنسان بإيمانه لا يهتم بالمال وإن جاءه شكر الله عليه، وأدى
ما يجب وإن ذهب لا يهتم به،
لكن طبيعة الإنسان من حيث هو كما وصفه الله عز وجل في هاتين الايتين. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
523/10)
في قوله تعالى (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ
ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي
قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي *فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ
وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ
رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر(21ـ30)
1ـ تدك الارض
في قوله تعالى (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا
دَكًّا) الفجر(21)
يذكر الله سبحانه وتعالى الناس بيوم القيامة حتى لا حتى لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، تُدك الجبال،
ولا بناء، ولا أشجار، تمد الأرض كمد الأديم، يكون الناس عليها في مكان واحد. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
524/10)
2ـ مجيء الرب جل جلاله.
ـ قوله تعالى { وَجَاءَ رَبُّكَ} هذا المجيء هو مجيئه ـ عز وجل فالذي يأتي هو الله عز وجل، وليس كما حرفه
أهل التعطيل حيث قالوا إنه جاء أمر الله، فإن هذا إخراج للكلام عن ظاهره بلا دليل،
فنحن من عقيدتنا أن نجري
كلام الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلّم على ظاهره وأن لا نحرف فيه. ونقول: إن
الله تعالى يجيء يوم القيامة هو نفسه، ولكن كيف هذا المجيء؟ هذا هو الذي لا علم لنا
به لا ندري كيف يجيء؟
نؤمن بأن الله يجيء لكن على أي كيفية؟ الله أعلم.
والدليل قوله تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ } [الشورى:
11] . (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 524ـ525
3ـ صفوف الملائكة.
ـ قوله تعالى { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } أي صفًّا بعد صف.
4ـ الإتيان بجهنم.
ـ قوله تعالى { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } ولم يذكر الجائي لكن قد دلت السنة أنه يؤتى
بالنار تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام منها يقوده سبعون ألف ملك (أخرجه مسلم كتاب الجنة، باب جهنم
(2842) (29)
وما أدراك ما قوة الملائكة؟ قوة ليست كقوة البشر، ولا كقوة الجن بل هي
أعظم وأعظم بكثير.
فقوة الملائكة عظيمة، وهم يجرون هذه النار بسبعين ألف زمام، كل زمام يجره
سبعون ألف ملك، إذاً هي عظيمة، هذه النار إذا رأت أهلها من مكان بعيد، سمعوا لها تغيظاً
وزفيراً، وليست كزفير الطائرات أو المعدات، زفير تنخلع منه القلوب. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 524/10)
5ـ تذكر الانسان يقيناَ ما أخبر به.
ـ قوله تعالى { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ
لَهُ الذِّكْرَىٰ} يعني إذا جاء الله في يوم القيامة، وجاء الملك الملائكة صفوفاً صفوفاً،
وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع
يتذكر الإنسان، يتذكر أنه وعد بهذا اليوم، وأنه أعلم به من قبل الرسل
عليهم الصلاة والسلام، وأنذروا وخوفوا، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن
ولو جاءته كل آية، حينئذ يتذكر لكن يقول الله عز وجل. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
526/10)
ـ قوله تعالى { وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ} أي : وكيف تنفعه الذكرى. (تفسير ابن كثير511/4
وأنى له الاتعاظ فات الأوان؟!
والإيمان عن مشاهدة لا ينفع لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد،
الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] .
6ـ الندم على ما قدم.
ـ قوله تعالى (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
) يعني
: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي - إن كان عاصيا - ويود لو كان ازداد من الطاعات
- إن كان طائعا. (تفسير
ابن كثير511/4)
7ـ عذاب الله للعصاة والمكذبين.
ـ قوله تعالى {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ
) أي ليس
أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه.(تفسير ابن كثير511/4)
ـ قوله تعالى (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } وليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن
كفر بربهم عز وجل وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين.(تفسير ابن كثير 511/4)
8ـ وصف حال النفس المؤمنة.
ـ قوله تعالى { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
) يعني
المؤمنة الآمنة، لأنك لا تجد نفسًا أكثر إطمئناناً من نفس المؤمن أبداً، المؤمن نفسه
طيبة مطمئنة، ولهذا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلّم من المؤمن قال: «عجباً لأمر المؤمن
إن أمره كله خير، إن أصابته ضَّراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سَّراء شكر فكان
خيراً
وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله يقول :
(ما يصنع أعدائي بي ـ أي شيء يصنعون ـ إن جنتي في صدري ـ أي الإيمان والعلم
واليقين ـ وإن حبسي خلوة، ونفيي ـ إن نفوه من البلد ـ سياحة وقتلي شهادة) هذا هو اليقين،
هذه الطمأنينة. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 528/10)
ـ قوله تعالى { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) أي إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في
جنته راضية أي في نفسها مرضية أي قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها.(تفسير ابن كثير511/4)
ـ قوله تعالى { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) أي: ادخلي في عبادي الصالحين، من جملتهم،
لأن الصالحين من عباد الله الذين أنعم الله عليهم وهم: النبيون، والصديقون، والشهداء،
والصالحون.
ـ قوله تعالى (وَادْخُلِي جَنَّتِي ) أي جنته التي أعدها الله عز وجل لأوليائه،
أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً.. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 530/10)
تم بحمد الله تفسير سورة
الفجر
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق