الاثنين، 8 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة البروج) (2)

قـال الله تعالى

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)(سورة البروج (11ـ22)



* الفوائد من الآيات:

1) ما أعده الله للمؤمنين.

في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (البروج:11)

يخبر تعالى عن عباده المؤمنين أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بخلاف ما أعـد لأعدائه من الحريق تفسير ابن كثير 497/4)

ـ قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } هم الذين آمنوا بالله وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فإن هذا هو الإيمان

كما فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره» (صحيح أخرجه البخاري (50) ومسلم (8)من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 480/10)

ـ قوله تعالى { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } فالمراد عملوا الأعمال الصالحة، والأعمال الصالحة هي التي بنيت على الإخلاص لله، واتباع شريعة الله، فمن عمل عملاً أشرك به مع الله غيره فعمله مردود عليه.

 لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه

أنه تعالى قال: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (أخرجه مسلم كتاب الزهد باب تحريم الرياء (2985) (46) .

وأما المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن من عمل عملاً ليس على شريعة الله فإنه باطل مردود.

 لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (أخرجه مسلم كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة (1718) (18) (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 481/10)

ـ قوله تعالى { لَهُمْ جَنَّاتٌ } وذلك بعد البعث فإنهم يدخلون هذه الجنات التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

* قال الله في الحديث القدسي:

 «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (أخرجه البخاري (3344) ومسلم (2824)

. لأن فيها من النعيم ما لا يتصوره الإنسان والله تعالى يذكر في الجنات:

 نخلاً، ورماناً، وفاكهةً، ولحمَ طير، وعسلاً، ولباًن، وماءً، وخمراً

لكن حقائق هذه الأشياء ليست كحقائق ما في الدنيا أبداً، لأنها لو كانت حقائقها كحقائق ما في الدنيا لكنا نعلم ما أخفي لنا من هذا، ولكنها أعظم وأعظم بكثير مما نتصوره

كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:

(ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء فقط) ،أما الحقائق فهي غير معلومة. أخرجه مسلم كتاب الزهد باب تحريم الرياء (2985) (46) .

ـ قوله تعالى{ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ }

 قال العلماء::

ـ قوله تعالى { مِن تَحْتِهَا } أي من تحت أشجارها وقصورها وإلا فهي على السطح فوق، ثم هذه الأنهار جاء في الأحاديث أنها لا تحتاج إلى حفر ولا تحتاج إلى بناء أخدود.(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (13/97) وهناد في الزهد (95) والطبري في تفسيره للآية (25) من سورة البقرة وأبو نعيم في صفة الجنة (315) وانظر تفسير ابن كثير 4/ ص 271 عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً..

ـ قوله تعالى{ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} يعني الذي به النجاة من كل مرهوب وحصول كل مطلوب؛ لأن الفوز هو عبارة عن حصول المطلوب وزوال المكروه، والجنة كذلك فيها كل مطلوب، وقد زال عنها كل مرهوب.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 482/10)



 

2) إن الله تعالى ذو القوة المتين.

في قوله تعالى (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (البروج:12

ـ قوله تعالى { بَطْشَ } يعني أخذه بالعقاب، والشديد القوي

فبطش الله يعني انتقامه وأخذه شديد عظيم ولكنه لمن يستحق ذلك

أما من لا يستحق ذلك فإن رحمة الله تعالى أوسع، ما أكثر ما يعفو الله عن الذنوب وما أكثر ما يستر من العيوب، ما أكثر ما يدفع من النقم، وما أكثر ما يجري من النعم، لكن إذا أخذ الظالم لم يفلته.

 كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

 «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ، وتلى قوله تعالى:

{ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } سورة هود:102

(أخرجه البخاري) (4686) ومسلم كتاب البر والصلة، باب كتاب تحريم الظلم (2583) (61) .. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 483/10)

 

 

3) من كمال قدرته تعالى.

في قوله تعالى(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ) البروج:13

يعني أن الأمر إليه ابتداء وإعادة فهو الذي بدأ الأشياء، وإليه تنتهي الأشياء الأشياء منه وإليه في كل شيء، الخلق من الله وإليه، الشرائع من الله وإليه، كل الأمور من الله وإليه. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 483/10)

 

4) الله ذو المغفرة الواسعة.

في قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) البروج:14

ـ قوله تعالى { الْغَفُورُ} يعني ذو المغفرة، والمغفرة ستر الذنب والعفو عنه فليست المغفرة ستر الذنب فقط بل ستره وعدم المؤاخذة عليه

 * كما جاء في الحديث الصحيح:

«إن الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه حتى يقربها ويعترف فيقول الله عز وجل: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» (أخرجه البخاري (2441) ومسلم (2768)

ويُذكر أن بني إسرائيل كانوا إذا أذنب الواحد منهم ذنباً وجده مكتوباً على باب بيته فضيحة وعاراً. (البيهقي في الشعب (2/145، 5/ 426) .

 لكننا نحن ولله الحمد قد ستر الله علينا، فعلينا أن نتوب إلى الله ونستغفره من الذنب فتمحى آثاره.

ـ قوله تعالى {وَهُوَ الْغَفُورُ} أي الساتر لذنوب عباده المتجاوز عنها.

ـ قوله تعالى { الْوَدُودُ } مأخوذة من الود، والود هو خالص المحبة فهو جل وعلا ودود.

 ومعنى ودود:  أنه محبوب وأنه حاب . فكلما كان الإنسان أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كان أحب إلى الله.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 483/10)

 

5)عظمة الله وتمام سلطانه.

  في قوله تعالى (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) البروج(15ـ16)

ـ قوله تعالى { ذُو الْعَرْشِ } أي صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل، وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها

قد جاء في الأثر :

أن السماوات السبع والاراضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة في الأرض وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة (أخرجه ابن جرير 3/7، وأبن أبي شيبة في كتاب العرش رقم (58) والبيهقي في الأسماء والصفات (862) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (109) وقال: (وأعلم أنه لا يصح حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة العرش إلا هذا الحديث) وانظر شرح العقيدة الواسطية لفضيلة شيخنا رحمه الله تعالى ص (140) من إعداد كاتبه..)

حلقة الدرع صغيرة ألقيت في فلاة من الأرض ليست بشيء بالنسبة لها،

«وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة» إذن لا أحد يقدر سعته

. فالحاصل أن :العرش هو سقف المخلوقات كلها، عرش عظيم استوى عليه الرحمن ـ جل وعلا

كما قال تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه: 5] .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 485/10)

ـ قوله تعالى{ الْمَجِيدُ } فيها قراءتان (المجيدِ) و (المجيدُ)

ـ فعلى القراءة الأولى تكون وصفاً للعرش

ـ وعلى الثانية تكون وصفًّا للرب عز وجل

وكلاهما صحيح فالعرش مجيد، وكذلك الرب عز وجل مجيد .

ـ قوله تعالى (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) أي مهما أراد فعله لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله(تفسير ابن كثير 497/4)





6) أخذ العظة والعبرة من قصص الانبياء

في قوله تعالى(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ)(البروج(17ـ20)

ـ قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) والخطاب هنا موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصح أن يتوجه إليه بالخطاب، والاستفهام للتنبيه. لأن الشيء إذا جاء بالاستفهام انتبه له الإنسان أكثر

ـ قوله تعالى (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) يعني هل أتاك خبرهم،؟ والجواب نعم

 أتانا خبرهم فقد قص الله سبحانه وتعالى علينا من نبأ فرعون ونبا ثمود ما فيه العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

وفرعون ملك مصر فرعون هذا كان جباراً عنيداً متكبراً يدعي أنه الرب, وأدعى أيضاً الألوهية, وكان يستهزئ بموسى عليه السلام وبما جاء به من الآيات ويتحداه, فإن السحرة لما جمعوا كل من عندهم من السحر، وجاءوا لمقابلة موسى عليه السلام حيث إن موسى عليه السلام أتى بآية تشبه السحر، ولكنها ليست بسحر، بل آية من آيات الله عز وجل

وألقى السحرة ما بأيديهم من الحبال والعصى، وخيل إلى الحاضرين من سحرهم أنها تسعى،أمر الله عز وجل إلي موسى أن يلقي عصاه، فإذا هي تلقف ما يأفكون،

فآمن السحرة بموسى عليه السلام، وكفروا بفرعون الطاغية وفي النهاية أغرق الله فرعون في الماء .

أما ثمود: فإن الله أعطاهم قدرة وقوة حتى كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين، ويتخذوا من القصور سهولاً، وعندما كذبوا رسولهم صالح عليه السلام أهلكهم الله برجفة وصيحة، فهلكوا عن بكرة أبيهم، فأصبحوا فب ديارهم جاثمين. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 485/10)

ـ قوله تعالى { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ } يشمل كل من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى من اليهود والنصارى

ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:

«والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يعني أمة الدعوة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار» (أخرجه مسلم كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (153) (241) .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 485/10)

 ـ قوله تعالى (وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ } يعني أن الله تعالى محيط بهم من كل جانب لا يشذون عنه ولا عن علمه ولا عن سلطانه ولا عن عقابه، ولكنه عز وجل قد يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 486/10)



7) تكفل الله تعالى بحفظ القرآن.

في قوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (البروج(21ـ22)

ـ قوله تعالى { بَلْ هُو} أي ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام

ـ قوله تعالى { قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } أي ذو عظمة ومجد، ووصف القرآن بأنه مجيد لا يعني أن المجد وصف للقرآن نفسه فقط، بل هو وصف للقرآن، ولمن تحمل هذا القرآن فحمله وقام بواجبه من تلاوته حق تلاوته، فإنه سيكون لهم المجد والعزة والرفعة.

ـ قوله تعالى { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } هذا اللوح كتب الله به مقادير كل شيء، ومن جملة ما كتب به أن هذا القرآن سينزل على محمد صلى الله عليه وسلّم فهو في لوح محفوظ،

 قال العلماء:

 ـ قوله تعالى { مَّحْفُوظٍ } لا يناله أحد، محفوظ عن التغيير والتبديل، والتبديل والتغيير. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 486/10)

 



* الكتابة من الله عز وجل أنواع:

النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ

وهذه الكتابة لا تبدل ولا تغير، ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يبدل أو يغير ما فيه.

الثاني: الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم

 لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر، بعث الله إليه ملكاً موكلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نفخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد (أخرجه مسلم كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته (2641) (1) . .

النوع الثالث: كتابة حولية كل سنة

 وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر، فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة،

قال الله تبارك وتعالى: { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 4] .

النوع الرابع: كتابة يومية

وهي التي تقوم بها الملائكة حيث يكتبون كل ما يعمله الإنسان في ذلك اليوم سواء كان قولاً بلسانه أو عملاً بجوارحه، أو اعتقاداً بقلبه وذلك في الصحف التي بأيدي الملائكة وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلها قبل العمل. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 486/10)

تم بحمد الله تفسير سورة البروج

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق