تفسير جزء عم (سورة العلق)
بسم الله الرحمن الرحيم
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ
* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ * أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ
إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ * كَلَّا لَئِن لَّمْ
يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ
نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب) سورة العلق (1ـ19)
* الفوائد على هذه الآيات.
1) أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن
الكريم
في قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق(1ـ 5)
هذه الآيات أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من القرآن الكريم
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن
الزهري ، عن عروة عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه
وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح
. ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو : التعبد - الليالي ذوات العدد
، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه
الملك فيه فقال : اقرأ
. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" فقلت : ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فغطني حتى بلغ
مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت :
ما أنا بقارئ . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت :
ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد
ثم أرسلني فقال
:
ـ قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)العلق(1ـ 5)
قال
: فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال :
" زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فقال : يا
خديجة ، ما لي : فأخبرها الخبر وقال : " قد خشيت علي " . فقالت له : كلا
أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا ; إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري
الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد
بن عبد العزى ابن قصي - وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ،
وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا
كبيرا قد عمي - فقالت خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابن أخي
، ما ترى ؟
فأخبره
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى
فقال ورقة : هذا الناموس الذي
أنزل على موسى ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أو مخرجي هم ؟ "
. فقا لورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا
مؤزرا . هذا
الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه
ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى ،ؤزرا(تفسير ابن كثير 530/4)
2) بيان بدء خلق الإنسان
في قوله
تعالى (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ) العلق:2
ـ قوله تعالى(خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ )التنبيه على خلق الإنسان من علقة.(تفسير ابن كثير 530/4)
والعلق: عبارة عن دودة حمراء من الدم صغيرة وهذا
هو المنشأ الذي به الحياة لأن الإنسان دم لو تفرغ من الدم لهلك. وقد بين الله عز وجل أنه خلق الإنسان من
علق، ولكنه يتطور، فخلقه من تراب؛ لأن أول ما خلق الإنسان من التراب ثم صب عليه الماء
فكان طيناً ثم استمر مدة فكان حمئاً مسنوناً، ثم طالت مدته فكان صلصالاً، يعني إذا
ضربته بيدك تسمع له صلصلة كالفخار، ثم خلقه عز وجل لحماً، وعظماً، وعصباً إلى آخره،
هذا ابتداء الخلق المتعلق بآدم.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
562ـ563/10)
3) كرم الله الإنسان بالعلم.
في قوله تعالى(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق (3 ـ 5)
ـ قوله تعالى (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) أن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم
يعلم فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة والعلم
تارة يكون في الأذهان وتارة يكون في اللسان
، وتارة يكون في الكتابة بالبنان ، ذهني ولفظي ورسمي . (تفسير ابن كثير530/4)
ـ قوله تعالى (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)
وفي الأثر: قيدوا العلم بالكتابة وفيه أيضا من عمل
بما علم ورثه الله علم ما لم يكن يعلم.(تفسير ابن كثير530/4)
4) بيان صفات الإنسان.
في قوله تعالى (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ *
أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ ) العلق(6ـ8)
ـ قوله تعالى(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ) يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر
وبطر وطغيان.(تفسير
ابن كثير530/4)
ـ قوله تعالى { كَلَّا} بمعنى حقًّا، يعني أن الله تعالى يثبت هذا إثباتاً لا مرية فيه .
ـ قوله تعالى { إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ} الإنسان هنا ليس شخصاً معيناً، بل المراد
الجنس، كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى فإنه يطغى، من الطغيان وهو مجاوزة
الحد.(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين564/10)
ـ قوله تعالى (
أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ } إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله .تفسير ابن كثير531/4)
ـ قوله تعالى { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ} أي المرجع يعني مهما طغيت وعلوت واستكبرت
واستغنيت فإن مرجعك إلى الله عز وجل.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
565/10)
5) قصة النبي عليه السلام مع ابو جهل
في قوله تعالى (أ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا
إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ
*أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ )العلق(9ـ13)
ففي الآية ناهٍ ومنهي
فالناهي هو طاغية قريش أبو جهل
وأما المنهي فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قيل لأبو جهل: إن محمداً يصلي
عند الكعبة أمام الناس، يفتن الناس ويصدهم عن أصنامهم وآلهتهم، فمر به ذات يوم وهو
ساجد فنهى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: لقد نهيتك فلماذا تفعل؟ فانتهره النبي عليه
الصلاة والسلام فرجع
ثم قيل لأبي جهل إنه أي محمداً
صلى الله عليه وعلى آله وسلم مازال يصلي فقال: والله لئن رأيته لأطأن عنقه بقدمي، ولأعفرن
وجهه بالتراب، فلما رآه ذات يوم ساجداً تحت الكعبة وأقبل عليه يريد أن يبر بيمينه وقسمه،
لما أقبل عليه وجد بينه وبينه خندقاً من النار وأهوالاً عظيمة، فنكص على عقبيه وعجز
أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. (أخرجه مسلم كتاب صفات المنافقين باب قوله:)
إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (2797) (38)(التفسير الثمين
الشيخ محمد العثيمين 565/10)
ـ قوله تعالى (أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ)
أي فما
ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله بقوله وأنت تزجره وتتوعده
على صلاته. (تفسير
ابن كثير531/4)
6) سعة علم الله
في قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ)العلق:14
أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه
على فعله أتم الجزاء.(تفسير ابن كثير531/4)
يرى سبحانه وتعالى علماً ورؤية،
فهو سبحانه يرى كل شيء مهما خفي ودق ويعلم كل شيء مهما بعد , وبيان أن الله تعالى يعلم
بحاله، وحال من ينهاه، وسيجازي كلاًّ منهما بما يستحق.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
566/10)
7) بيان عقوبة ابو جهل.
في قوله تعالى (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا
بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ
الزَّبَانِيَةَ)العلق(15ـ 18)
ـ قوله تعالى (كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا
بِالنَّاصِيَةِ) ثم قال تعالى متوعدا ومتهددا لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد
ـ قوله تعالى { كَلَّا } هذه بمعنى حقًّا، ويحتمل أن تكون للردع، أي لردعه عن فعله السيىء الذي
كان يقوم به تجاه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو بمعنى حقًّا
ـ قوله تعالى { لَئِن} والقسم مقدر قبله إذ تقديره: والله لئن لم ينته لنسفعن
ـ قوله تعالى { لَنَسْفَعًا } أي لنأخذن بشدة
ـ قوله تعالى { بِالنَّاصِيَةِ} مقدم الرأس. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
566/10)
والمراد بالناصية هنا ناصية أبي جهل الذي توعد النبي صلى الله عليه وعلى
آله وسلم على صلاته ونهاه عنها، أي لنسفعن بناصيته،
وهل المراد الأخذ بالناصية في الدنيا، أو في الآخرة يجر
بناصيته إلى النار؟
* يحتمل أنه يؤخذ بالناصية وقد أخذ بناصيته في يوم
بدر حين قتل مع من قتل من المشركين
* ويحتمل أن يكون يؤخذ بناصيته يوم القيامة فيقذف
في النار. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 566/10)
ـ قوله تعالى { كَاذِبَةٍ } أي أنها موصوفة بالكذب، ولا شك أن من أكبر
ما يكون كذباً ما يحصل من الكفار الذين يدعون أن مع الله ألهة أخرى، فإن هذا أكذب القول
وأقبح الفعل. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 567/10)
ـ قوله تعالى { خَاطِئَةٍ } أي مرتكبة للخطأ عمداً.
وليعلم أن هناك فرقاً بين خاطئ ومخطئ:
الخاطئ من ارتكب الخطأ عمداً غير معذور
والمخطئ من ارتكبه جهلاً هذا
معذور. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 567/10)
ـ قوله تعالى (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ) أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم.(تفسير ابن كثير531/4)
ـ قوله تعالى { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } يعني عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل
وهم الزبانية ملائكة النار، وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم غلاظ شداد، غلاظ في الطباع
شداد في القوة.(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 567/10)
8) الحث على التقرب إلى الله.
في قوله تعالى
(كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب)العلق:19
ـ قوله تعالى { لَا تُطِعْهُ } أي لا تطع هذا الذي ينهاك عن الصلاة، بل اسجد ولا
تبالي به، وإذا كان الله نهى نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يطيع هذا الرجل فهذا يعني
أنه جل وعلا سيدافع عنه، يعني افعل ما تؤمر ولا يهمنك هذا الرجل، واسجد لله عز وجل،
والمراد بالسجود هنا الصلاة.
س:مالسبب في التعبير بالسجود؟
لكن عبر بالسجود عن الصلاة لأن السجود ركن في الصلاة لا تصح إلا به، فلهذا
عبر به عنها.
ـ قوله تعالى{
وَاقْتَرِب} أي اقترب
من الله عز وجل؛ لأن الساجد أقرب ما يكون من ربه
كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث
قال:
حيث قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب ما يقال في
الركوع والسجود (482) (215) . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
568/10)
تم بحمد الله تفسير سورة
العلق
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق