تفسير جزء عم (سورة الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا
عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي
أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا *
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب) سورة الشرح (1ـ 8)
* الفوائد على هذه الآيات.
1)أقسام انشراح الصدر.
في قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ
لَكَ صَدْرَكَ) الشرح :1
ـ قوله تعالى{أَلَمْ نَشْرَحْ
لَكَ صَدْرَكَ} أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا.
* أقسام انشراح الصدر.
وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه
1/ حكم الله
الشرعي وهو الدين.
2/
وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان
1/ حكم الله الشرعي.
معناه: قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل سمعنا
وأطعنا وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة
ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت.
2/ حكم الله القدري.
هو الإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره،
مطمئناً إليه، يقول: أنا عبد، والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال
سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكنه لا يصل إلى أن يحمل هًّما أو
غمًّا.
ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال:
«عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته
ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له» (أخرجه مسلم كتاب الزهد: باب المؤمن أمره
كله خير (2999) (64) (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 552ـ 553/10).
2) غفر ما تقدم من ذنبه وماتأخر
قوله تعالى (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ
ظَهْرَكَ)الشرح (2ـ 3)
ـ قوله تعالى { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} وضعناه أي طرحناه وعفونا وسامحنا وتجاوزنا
عنك .
ـ قوله تعالى { وِزْرَكَ} أي إثمك
ـ قوله تعالى { الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} يعني أقضه وآلمه؛ لأن الظهر هو محل الحمل،
فالمعنى أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وسلّم وزره وخطيئته حتى بقي مغفوراً
له.
إذاً مغفرة الذنوب المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة
وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة
والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم وما تأخر إلا الرسول صلى الله عليه وسلّم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه
قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
س/ فهل النبي صلى الله عليه وسلّم يذنب؟
فالجواب: نعم فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (أخرجه الترمذي كتاب صفة القيامة، باب استعظام
المؤمن ذنوبه (2449) وقال: حديث غريب
لابد من خطيئة لكن هناك أشياء
لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل الكذب والخيانة، فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً،
لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالتهم وهذا شيء مستحيل، وسفاسف الأخلاق من الزنا
وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة،
فالحاصل: أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى
الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي أقضه وأتعبه
وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف بأوزار غيره!!
أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها
في بعض الآثار:
أن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار
عنده كالجبل فوق رأسه وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال
به هكذا (أخرجه
البخاري كتاب الدعوات باب التوبة (6308) عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فالمؤمن تهمه خطاياه وتلحقه الهموم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو
حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
554ـ555/10
3) رفع الله ذكر نبيه عليه
السلام.
في قوله تعالى
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح:4
ـ قوله تعالى { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} رفع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لا
أحد يشك فيه.
أولاً: لأنه يرفع ذكره عند كل صلاة في أعلى مكان
وذلك في الأذان: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله.
ثانياً: يرفع ذكره في كل صلاة فرضاً في التشهد،
فإن التشهد مفروض، وفيه أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
ثالثاً: يرفع ذكره عند كل عبادة، كل عبادة مرفوع
فيها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن كل عبادة لابد فيها
من شرطين أساسيين هما:
1ـ الإخلاص لله تعالى
2ـ المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
556/10)
3) أن العسر ملازم لليسر.
في
قوله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) الشرح(5ـ 6)
ـ قوله تعالى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } هذا بشارة من الله عز وجل للرسول صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأمة، وجرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عسر حينما كان
بمكة يضيق عليه، وفي الطائف، وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } يعني
كما شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ورفعنا لك ذكرك، وهذه نعم عظيمة كذلك هذا العسر
الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 556ـ 557/10)
4) الحث على مدوامة الاعمال.
في قوله تعالى
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب) الشرح (7ـ 8)
ـ قوله تعالى { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } أي إذا فرغت من أعمالك فانصب لعمل آخر يعني
اتعب لعمل آخر، لا تجعل الدنيا تضيع عليك، ولهذا كانت حياة الإنسان العاقل حياة جد،
كلما فرغ من عمل شرع في عمل آخر، وهكذا
إذا فرغت من عمل فانصب في عمل آخر، إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل
الآخرة
فإذا قضيت الصلاة يوم الجمعة فانتشر في الأرض وابتغِ من فضل الله، وصلاة
الجمعة يكتنفها عملان دنيويان
ـ قوله تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} يعني وأنتم مشتغلون في دنياكم
ـ قوله تعالى { فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا
الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ
الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ} [الجمعة: 9، 10]
ـ قوله تعالى{ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب } يعني إذا عملت الأعمال التي فرغت منها ونصبت
في الأخرى فارغب إلى الله عز وجل في حصول الثواب، وفي حصول الأجر، وفي الإعانة كن
مع الله عز وجل قبل العمل وبعد العمل ، قبل العمل كن مع الله تستعينه عز وجل، وبعده
ترجو منه الثواب(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 557ـ 558/10)
تم بحمد الله تفسير سورة
الشرح
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق