الثلاثاء، 9 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة الطارق) (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ) سورة البروج (1ـ10)



* الفوائد من الآيات:

1) يقسم الله على بعض مخلوقاته.

 في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ) البروج(1ـ3)

إن الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدل على عظمة الله عز وجل، لأن عِظم المخلوق يدل على عِظم الخالق

ـ قال تعالى {وَالطَّارِقِ} أي أن الله أقسم بالطارق فما هو الطارق؟

 ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلاً بل فسره الله عز وجل

ـ بقوله تعالى { النَّجْمُ الثَّاقِبُ } هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم فتكون (ال) للجنس،

ويحتمل أنه النجم الثاقب

أي: النجم اللامع، قوي اللمعان، لأنه يثقب الظلام بنوره، وأيًّا كان فإن هذه النجوم من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته.

والنجم تُرمى به الشياطين الذين يسترقون السمع، وفي رمي الشياطين بذلك حفظ لكتاب الله عز وجل (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 489/10)



 

2) حفظ الله لعباده.

في قوله تعالى (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) البروج(4)

ثم بين الله المقسم عليه بقوله: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) البروج(4 }

{إن} هنا نافية يعني ما كل نفس، و {لما} بمعنى (إلا) يعني ما كل نفس إلا عليها حافظ من الله

ـ قال تعالى { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ}سورة الانفطار (10ـ12)

. هؤلاء الحفظة يحفظون على الإنسان عمله، ما له وما عليه

هؤلاء الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل، سواء كان ظاهراً كأقوال اللسان، وأعمال الجوارح، أو باطناً حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حفظة آخرون ذكرهم الله في قوله: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11] (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 490/10)



3) من قدر على البداءة قدر على الإعادة.

في قوله تعالى(فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) البروج(5ـ8)

ـ قال تعالى { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ) هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار وهو النظر بالبصيرة،

يعني ليفكر الإنسان مما خلق؟

هل خلق من حديد؟ هل خلق من فولاذ؟

هل خلق من شيء قاسٍ قوي؟

 والجواب على هذه التساؤلات:

 أنه قال تعالى { خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ } وهو ماء الرجل، ووصفه الله تعالى في آيات أخرى بأنه ماء مهين ضعيف السيلان ليس كالماء العادي المنطلق، ووصفه الله تعالى في آية أخرى أنه نطفة أي قليل من الماء، هذا الذي خلق منه الإنسان. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 490/10)

 ـ قال تعالى { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } من بين صلب الرجل وترائبه أعلى صدره، وهذا يدل على عمق مخرج هذا الماء، وأنه يخرج من مكان مكين في الجسد.

وقال بعض العلماء:

ـ قال تعالى { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } أي صلب الرجل

ـ قال تعالى { وَالتَّرَائِبِ } ترائب المرأة. ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ

 والصواب: أن الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل، لأن الله تعالى وصفه بذلك. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 491/10)

ـ قال تعالى { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ }

ـ قال تعالى{ إِنَّهُ} أي الله عز وجل.

ـ قال تعالى{ عَلَىٰ رَجْعِهِ} أي على رجع الإنسان

ـ قال تعالى { لَقَادِرٌ } وذلك يوم القيامة , فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين، قادر على أن يعيده يوم القيامة. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 491/10)




 

4) اختبار القلوب في يوم القيامة.

في قوله تعالى (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) البروج(9ـ10)

ـ قال تعالى {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} أي تختبر السرائر، وهي القلوب

 فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 491/10)

ولهذا عامل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملة المسلمين حيث كان يُستأذن في قتلهم فيقول:

 «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» (أخرجه البخاري كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوة الجاهلية (3518)

فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلانًا منافق، وفلانًا منافق، لكن العمل في الدنيا على الظاهر ويوم القيامة على الباطن .

ولهذا يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عمل الجوارح علامة ظاهرة، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار

 ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابة يقول: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم ـ يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة لكن قلوبهم خالية والعياذ بالله ـ لا يتجاوز الإسلام حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» (أخرجه البخاري كتاب التوحيد، ، ومسلم كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (1063) (142)

قال الحسن البصري رحمه الله:

 (والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان)

والإيمان إذا وقر في القلب حمل الإنسان على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسان على إصلاح قلبه، فعلينا أن نعتني بقلوبنا وأعمالها، وعقائدها، واتجاهاتها، وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشرك والبدع، والحقد والبغضاء، وغير ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 491/10)

ـ قال تعالى {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ } يعني يوم القيامة ما للإنسان من قوة ذاتية

ـ قال تعالى { وَلَا نَاصِرٍ} وهي القوة الخارجية، هو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه،.

قال الله تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون: 101]

في الدنيا يتساءلون، يسأل بعضهم بعضاً، ويحتمي بعضهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب يعني لا قرابة، لا تنفع القرابة ولا يتساءلون. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 492/10)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق