تفسير جزء عم (سورة الأعلى)
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي
خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ
(4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ * إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا
يَخْفَىٰ * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ )سورة الأعلى(1ـ8)
* الفوائد من الآيات:
1) أقسام الخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم.
والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به.
مثال: قوله تبارك وتعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا
عَنْكَ وِزْرَكَ }[الشرح1,2)
القسم الثاني: أن يقوم الدليل على أنه عام فيعم.
ومثال :الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام، وفيه
قرينة تدل على العموم:
قوله
تعالى: { أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [الطلاق: 1]
هذا على أن الخطاب الموجه للرسول عليه الصلاة والسلام موجه له وللأمة.
القسم الثالث: أن لا يدل دليل على هذا ولا على هذا، فيكون
خاصًّا به لفظاً، عامًّا له وللأمة حكماً.
مثال: فهي كثيرة جداً يوجه الله الخطاب للرسول
عليه الصلاة والسلام، والمراد الخطاب له لفظاً وللعموم حكماً.
قوله الله عز وجل: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى })(سورة الاعلى:1)(التفسير الثمين الشيخ
محمد العثيمين 496/10)
2) التسبيح بالقلب واللسان.
في قوله تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الأعلى:1
ـ قوله تعالى { سَبِّحِ} يعني نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته،
فإن التسبيح يعني التنزيه، إذا قلت: سبحان الله، يعني أنني أنزه الله
عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص.
ـ قوله تعالى { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } قال بعض المفسرين:
ـ قوله تعالى { اسْمَ رَبِّكَ } الصحيح أن معناها:
سبح ربك ذاكراً اسمه، يعني لا
تسبحه بالقلب فقط بل سبحه بالقلب واللسان
وذلك بذكر اسمه تعالى(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
497/10)
ـ قوله تعالى { رَبِّكَ } الرب: معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور،
فالله تعالى هو الخالق، وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور والمشركون يقرون بذلك
قوله تعالى { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [لقمان: 25] .
فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه
غيره
وهذا من الجهل !
* كيف تقر بأن الله وحده هو الخالق، المالك، المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره!!
إذن معنى الرب هو الخالق، المالك،
المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه أن لا يعبد إلا الله
كقوله تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [البقرة: 21] (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 498/10)
ـ قوله تعالى { الْأَعْلَى} من العلو، وعلو الله عز وجل
نوعان:
علو
صفة، وعلو ذات
1/
أما علو الصفة: فإن أكمل الصفات لله عز وجل.
2/ وأما علو الذات: فهو أن الله تعالى فوق عباده مستو
على عرشه.(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 498/10)
3) أوجد الله المخلوقات من العدم.
في قوله تعالى(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ)الاعلى:2
ـ قوله تعالى { خَلَقَ } يعني أوجد من العدم، كل المخلوقات أوجدها الله عز وجل
ونحن في هذا العصر وقد تقدمت الصناعة هذا التقدم الهائل لو اجتمع كل هؤلاء
الخلق أن يخلقوا ذباباً ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون: صنعوا آدمياً آلياً ما
يستطيعون أن يخلقوا ذبابة، هذا الادمي الالي ما هو إلا الات تتحرك فقط، لكن لا تجوع،
ولا تعطش ، ولا تتحرك إلا بتحريك.
فالله سبحانه وتعالى وحده هو
الخالق وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة
قوله تعالى { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ
آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [آل عمران: 59] .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 499/10)
ـ قوله تعالى { فَسَوَّىٰ } يعني سوى ما خلقه على أحسن صورة، وعلى الصورة المتناسبة,
لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة
تامة
ـ قوله تعالى { الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ} كل شيء يسوى على الوجه الذي يكون لائقاً
به. .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 499/10)
4) أنواع الهداية.
في قوله تعالى(وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ* وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى )الاعلى:3ـ5
ـ قوله تعالى { وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ} قدر كل شيء عز وجل. قدره في حاله، وفي مآله،
وفي ذاته، وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، فالآجال محدودة، والأحوال محدودة والأجسام
محدودة، وكل شيء مقدر تقديراً
كما
قال تعالى: { وَخَلَقَ
كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }الفرقان(2).
ـ قوله تعالى {فَهَدَىٰ}
يشمل
الهداية الشرعية، والهداية الكونية
الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له
تجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه
وانظر إلى أدنى الحشرات النمل مثلاً لا تصنع بيوتها إلا في مكان مرتفع
على ربوة من الأرض تخشى من السيول تدخل بيوتها فتفسدها، وإذا جاء المطر في بيوتها طعام
من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة
لئلا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهد مجرب من الذي هداها لذلك؟ إنه الله عز وجل،
وهذه هداية كونية أي: أنه هدى
كل مخلوق لما يحتاج إليه.
أما الهداية الشرعية ـ هي المقصود من حياة بني آدم .
قوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]
فإذا علمنا أن الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلها إلى الله عز وجل،
إذا علمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا
عز وجل من الكرامة. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 499/10)
ـ قوله تعالى (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ )أي من جميع صنوف النباتات والزروع.
ـ قوله تعالى (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)
قال ابن عباس : هشيما متغيرا.(تفسير ابن كثير 501/4)
5) وعد الله نبيه بعدم نسيان القرآن.
في قوله تعالى{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ * إِلَّا مَا شَاءَ
اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا
يَخْفَىٰ}(الاعلى6ـ7)
هذا وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
يقرئه القرآن ولا ينساه الرسول،
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام
يتعجل إذا جاء جبريل يُلقي عليه الوحي
فقال
الله له: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}
[القيامة:
16 ـ19] .
فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة
الوحي ثم يقرأه.
ـ قوله تعالى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ * إِلَّا مَا
شَاءَ اللَّهُ) يعني إلا ما شاء أن تنساه
. وربما نُسّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية من كتاب الله ولكنه
سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام.
وقال قتادة
: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله.(تفسير ابن كثير 501/4)
وقوله تعالى: { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ
) أي أن
الله تعالى يعلم الجهر
ـ قوله تعالى (الْجَهْرَ) ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعاً.
ـ قوله تعالى { وَمَا يَخْفَىٰ} أي ما يكون خفيًّا لا يُظهر فإن الله يعلمه. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 500/10)
6) تيسير الأمور لأهل الطاعة.
في قوله تعالى (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ)الاعلى:8
ـ قوله تعالى { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ) وهذا أيضاً وعد من الله عز وجل لرسوله عليه
الصلاة والسلام أن ييسره لليسرى، واليسرى أن تكون أموره ميسرة، ولاسيما في طاعة الله
عز وجل .
إذن نقول اعمل أيها الإنسان، اعمل الخير وتجنب الشر،
حتى ييسرك الله لليسرى ويجنبك العسرى، فرسول الله صلى الله عليه وسلّم وعده الله بأن
ييسره لليسرى فيسهل عليه الأمور، ولهذا لم يقع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في
شدة وضنك إلا وجد له مخرجاً عليه الصلاة والسلام. .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
500ـ 501/10)
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق