تفسير جزء عم (سورة الليل)
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ
إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
* فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي
عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ
وَالْأُولَىٰ * فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى
* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ
يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ)سورة الليل (1ـ 21)
* الفوائد على هذه الآيات.
1) أقسم الله بأشياء متضاده من مخلوقاته.
في قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ
إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
)الليل(1ـ 4)
ـ قوله تعالى { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } أقسم الله سبحانه وتعالى بالليل إذا يغشى
أي: حين يغشى الأرض ويغطيها بظلامه، لأن الغشاء بمعنى الغطاء.
ـ قوله تعالى { وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أي: إذا ظهر وبان، وذلك بطلوع الفجر الذي
هو النور الذي هو مقدمة طلوع الشمس،
والشمس هي آية النهار كما أن القمر آية الليل.
ـ قوله تعالى { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ } يعني وخَلْق الذكر والأنثى على أحد التفسيرين
الذي جعل
(ما) هنا مصدرية، والذي خَلَق الذكر والأنثى
وهو الله عز وجل على التفسير الآخر.
المعنى الأول: يكون الله سبحانه وتعالى أقسم بخلق الذكر
والأنثى.
المعنى الثاني: يكون الله تعالى
أقسم بنفسه، لأنه هو الذي خلق الذكر والأنثى.
ـ قوله تعالى {إِنَّ
سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } أي : إن عملكم
ـ قوله تعالى { لَشَتَّىٰ }أي لمتفرق تفرقاً عظيماً.
فالله عز وجل أقسم بأشياء متضادة على أشياء متضادة: الليل ضد النهار،
الذكر ضد الأنثى، السعي متضاد صالح وسيىء، فتناسب المقسم به والمقسم عليه،
وهذا من بلاغة القرآن. كل ذلك بتقدير الله عز وجل، والله يهدي من يشاء
إلى صراط مستقيم. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 542/10)
2) تيسير الأمور وتعسيرها بحسب إيمان العبد.
في قوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ
* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ
مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ) الليل(5ـ 11)
1) كلما كان الآنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له.
ـ قوله تعالى{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } أي: أعطى ما أمر بإعطائه من مال، أو جاه،
أو علم.
ـ قوله تعالى { وَاتَّقَىٰ } اتقى ما أمر باتقائه من المحرمات.
ـ قوله تعالى { وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ } أي: صدق بالقولة الحسنى وهي قول الله عز
وجل، وقول رسوله صلى الله عليه وسلّم، لأن أصدق الكلام، وأحسن الكلام .
ـ قوله تعالى { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ} السين: هنا للتحقيق أي: أن من أعطى واتقى
وصدق بالحسنى، فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها، في أمور دينه ودنياه، ولهذا
تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل.
2) كلما كان الآنسان أبعد عن الله كان أشد عسراً في أموره
.
ـ قوله تعالى { وَأَمَّا مَن بَخِلَ} فلم يعط ما أمر بإعطائه.
ـ قوله تعالى { وَاسْتَغْنَىٰ } استغنى عن الله عز وجل، ولم يتق ربه، بل
رأى أنه في غنى عن رحمة الله.
ـ قوله تعالى { وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ } أي: بالقولة الحسنى، وهي قول الله تعالى
وقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ـ قوله تعالى { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ} ييسر للعسرى في أموره كلها،
* ولكن قد يأتي الشيطان للإنسان فيقول: نجد أن الكفار تيسر
أمورهم ؟
فيقال: نعم قد تيسر أمورهم، لكن قلوبهم تشتعل ناراً وضيقاً وحرجاً
ـ قال تعالى{ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ } . [الآنعام: 125] .
ثم ما ينعمون به فهو تنعيم جسد
فقط، لا تنعيم روح
* حديث «الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر» (أخرجه مسلم كتاب الزهد باب الدنيا سجن
للمؤمن وجنة للكافر (2956) (1) .
يعني أي شيء يغني عنه ماله إذا بخل به وتردى.
أي: هلك أي شيء يغني المال؟ لا يغني شيئاً. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
543/10)
3) أنواع الهداية.
في قوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ* وَإِنَّ لَنَا
لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ )الليل(12ـ 13)
وليُعلم أن الهدى نوعان:
1 ـ هدى التوفيق.
فهذا لا يقدر عليه إلا الله.
كما قال الله تعالى: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [القصص: 56] .
2 ـ هدى إرشاد ودلالة.
فهذا يكون من الله، ويكون من
الخلق: من الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن العلماء.
كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
{ وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[الشورى: 52] . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
544/10)
وإذا نظرنا إلى هذه الآية الكريمة { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ}الليل:12
وجدنا أن الله تعالى بين كل شيء. بين ما يلزم الناس في العقيدة، وما يلزمهم
في العبادة، وما يلزمهم في الأخلاق، وما يلزمهم في المعاملات، وما يجب عليهم اجتنابه
في هذا كله.
حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه واله
وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما (أخرجه الإمام أحمد (5/153) .
فإن قيل: إن الله سبحانه وتعالى قال: { إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ } فما الفرق؟
الجواب: الفرق أن الهدى التزم الله تعالى ببيانه
وإيضاحه للخلق، أما الملك فهو لله ملك الآخرة والأولى. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
545/10)
4)الإنذار من عذاب جهنم.
في قوله تعالى (فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا
يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ)الليل(14ـ 16)
ـ قوله تعالى {فأنذرتكم} يعني: خوفتكم
ـ قوله تعالى { نَارًا} يعني بها نار الآخرة.
ـ قوله تعالى { تَلَظَّىٰ } تشتعل، ولها أوصاف كثيرة في القرآن والسنة.
ـ قوله تعالى { لَا يَصْلَاهَا } يعني: لا يحترق بها
ـ قوله تعالى { إِلَّا الْأَشْقَى } يعني الذي قدرت له الشقاوة.
ـ قوله تعالى { الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} التكذيب في مقابل الخبر، والتولي في مقابل
الأمر والنهي.
ـ قوله تعالى { الَّذِي كَذَّبَ) فهذا كذب الخبر ولم يصدق، قيل له: إنك ستبعث.
قال: لا أبعث. قيل له: هناك جنة ونار. قال: ليس هناك جنة ونار. قيل له: سيكون كذا وكذا،
قال: ما يكون. هذا تكذيب.
ـ قوله تعالى { وَتَوَلَّىٰ } يعني أعرض عن طاعة الله، وأعرض عما جاءت به رسله،
فهذا هو الشقي. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 545/10)
5) الاخلاص في الانفاق.
في قوله تعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي
يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلَّا
ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ)الليل (17ـ 21)
ـ قوله تعالى { وَسَيُجَنَّبُهَا } أي: يجنب هذه النار التي تلظى
ـ قوله تعالى { الْأَتْقَى } والأتقى اسم تفضيل من التقوى يعني :الذي اتقى الله
تعالى حق تقاته.
ـ قوله تعالى { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ } يفيد أنه لا يبذر ولا يبخل، وإنما يؤتي
المال على وجه يكون به التزكية.
ـ قوله تعالى (نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ } يعني أنه لا يعطي المال مكافأة على نعمة
سابقة من شخص فليس لأحد عليه فضل حتى يعطيه مكافأة، ولكنه يعطي ابتغاء وجه الله .
ـ قوله تعالى { إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ } . فهو لا ينفق إلا طلب وجه الله، أي طلب
الوصول إلى دار كرامة الله التي يكون بها رؤية الله عز وجل.
ـ قوله تعالى { وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ } يعني سوف يرضيه الله عز وجل بما يعطيه من
الثواب الكثير. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 546/10)
تم بحمد الله تفسير سورة
الليل
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق