الأحد، 21 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة البلد)

بسم الله الرحمن الرحيم

(لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) سورة البلد (1ـ 20)



* الفوائد على هذه الآيات.

1) أقسم الله على أشرف البقاع (مكه)

في قوله تعالى (لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )البلد(1ـ3)

 ـ قوله تعالى (لا) هذه تأتي هنا للتنبيه والتأكيد

ـ قوله تعالى (أُقْسِمُ } القسم تأكيد الشيء بذكر معظم على وجه مخصوص.

ـ قوله تعالى { بِهَٰذَا الْبَلَدِ } البلد هنا مكة، وأقسم الله بها لشرفها وعظمها، فهي أعظم بقاع الأرض حرمة وأحب بقاع الأرض إلى الله عز وجل، ولهذا بعث منها رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي هو سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه، فجدير بهذا البلد الأمين أن يقسم به.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 531/10)

ـ قوله تعالى (وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ) فيكون إقسام الله تعالى بهذا البلد مقيداً بما إذا كانت حلاًّ للرسول صلى الله عليه وسلّم عام الفتح؛ لأنها في ذلك اليوم تزداد شرفاً إلى شرفها، حيث طُهِّرت من الأصنام وهزم المشركون، وفتحت عليهم بلادهم عنوة، وصارت هذه البلد بعد أن كانت بلد كفر صارت بلاد إيمان، وبعد أن كانت بلاد شرك صارت بلاد توحيد، وبعد أن كانت بلاد عناد صارت بلاد إسلام، فأشرف حال لمكة كانت عند الفتح. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 532/10)

ـ قوله تعالى { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } وأقسم بالوالد وما ولد.

 فمن المراد بالوالد ومن المراد بالولد؟

المراد بالوالد وما ولد كل والد وما ولد

 الإنسان والبهائم وكل شيء، لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عز وجل، كيف يخرج هذا المولود حيًّا سويًّا سميعاً بصيراً من نطفة من ماء، فهذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل

وهذا الصحيح أن هذه عامة تشمل كل والد وكل مولود. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 532/10)


 

2) بيان أن الانسان خلق في كبد.

في قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4)

ـ قوله تعالى { خَلَقْنَا الْإِنسَانَ} جواب القسم

 الإنسان :اسم جنس يشمل كل واحد من بني آدم

ـ قوله تعالى { فِي كَبَدٍ } فيها معنيان:

المعنى الأول: في استقامة، يعني أنه خلق على أكمل وجه في الِخلقة، مستقيماً يمشي على قدميه، ويرفع رأسه، وبدنه معتدلاً. والبهائم بالعكس الرأس على حذاء الدبر، أما بنو آدم فالرأس مرتفع أعلى البدن.

فهو كما قال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } . [التين: 4] . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 532/10)

المعنى الثاني: المراد بـ { كَبَدٍ } مكابدة الأشياء ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، وفي طلب الرزق، وفي إصلاح الحرث وغير ذلك.

أيضاً معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها على طاعة الله، واجتناب معاصي الله، وهذا الجهاد الذي هو أشق من معاناة طلب الرزق، ولاسيما إذا ابتلي الإنسان ببيئة منحرفة وصار بينهم غريباً، فإنه سيجد المشقة في معاناة نفسه، وفي معاناة الناس أيضاً.

فإن قال قائل: أفلا يمكن أن تكون الآية شاملة للمعنيين؟

فالجواب: بلى، وهكذا ينبغي إذا وجدت في الكتاب العزيز آية تحتمل معنيين وليس بينهما مناقضة فاحملها على المعنيين، لأن القرآن أشمل وأوسع. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 533/10)

 

 

3) النهي عن التغطرس بقوة البدن وكثرة المال.

في قوله تعالى (أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ) البلد(5ـ7)

ـ قوله تعالى { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } أي: أن الإنسان في نفسه وقوته يظن أن لن يقدر عليه أحد، لأنه في عنفوان شبابه وقوته وكبريائه وغطرسته، فيقول لا أحد يقدر علي، أنا أعمل ما شئت , حتى الرب عز وجل يظن أنه لا يقدر عليه، وهذا لا شك بالنسبة للكافر.

أما المؤمن فإنه يعلم أن الله قادر عليه، وأنه على كل شيء قدير فيخاف منه.

ـ قوله تعالى { يَقُولُ } أي يقول الإنسان أيضاً في حال غناه وبسط الرزق له

ـ قوله تعالى {أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا } أي: مالاً كثيراً في شهواته وفي ملذاته.

ـ قوله تعالى { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ)  أيظن هذا أنه لا يراه أحد في تبذيره المال، وصرفه في ما لا ينفع.

وكل هذا تهديد للإنسان أن يتغطرس، وأن يستكبر من أجل قوته البدنية، أو كثرة ماله. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 533/10)





4) نعم الله على عباده.

في قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)

البلد(8ـ 10)

 ـ قوله تعالى (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ) أى يبصر بهما فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما. (تفسير ابن كثير513/4)

ـ قوله تعالى (وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ) أي : ينطق به ، فيعبر عما في ضميره . (تفسير ابن كثير513/4)

ـ قوله تعالى (وَشَفَتَيْنِ) يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام ، وجمالا لوجهه وفمه .(تفسير ابن كثير513/4)

ـ قوله تعالى { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } قيل: أي بينا له طريق الخير، وطريق الشر. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 534/10)

 

5) بيان فضائل الأعمال.

في قوله تعالى ( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *  يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) البلد(11ـ 16)

ـ قوله تعالى { فَلَا اقْتَحَمَ } يعني هلا اقتحم العقبة؟ والاقتحام هو التجاوز بمشقة يسمى اقتحاماً.

ـ قوله تعالى { الْعَقَبَةَ} هي الطريق في الجبل الوعر ولا شك أن اقتحام هذه العقبة شاق على النفوس، لا يتجاوزه أو لا يقوم به إلا من كان عنده نية صادقة في تجاوز هذه العقبة. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 535/10)

ـ قوله تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} هذا الاستفهام للتشويق والتفخيم أيضاً، يعني: ما الذي أعلمك شأن هذه العقبة التي قال الله عنها

** قوله تعالى { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ } بينها الله في قوله { فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *  يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) البلد(13ـ16)

ـ قوله تعالى {فَكُّ رَقَبَةٍ } وفك الرقبة له معنيان:

المعنى الأول: فكها من الرق، بحيث يعتق الإنسان العبيد المملوكين سواء كانوا في ملكه فيعتقهم، أو كانوا في ملك غيره فيشتريهم ويعتقهم.

المعنى الثاني: فك رقبة من الأسير، فإن فكاك الأسير من أفضل الأعمال إلى الله عز وجل. والأسير ربما لا يفكه العدو إلا بفدية مالية، وربما تكون هذه الفدية فدية باهظة كثيرة لا يقتحمها إلا من كان عنده إيمان بالله عز وجل بأن يخلف عليه ما أنفق، وأن يثيبه على ما تصدق. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 535/10)

ـ قوله تعالى { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } أي: ذي مجاعة شديدة، لأن الناس قد يصابون بالمجاعة الشديدة.

ـ قوله تعالى { يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ } اليتيم هو من مات أبوه قبل أن يبلغ سواءً كان ذكراً أم أنثى.
فإن بلغ فإنه لا يكون يتيماً؛ لأنه بلغ وانفصل.

فاليتيم من مات أبوه؛ لأنه إذا مات أبوه لم يكن له كاسب من الخلق يكسب له.

ـ قوله تعالى { ذَا مَقْرَبَةٍ } ذا قرابة من الإنسان لأنه إذا كان يتيماً كان له حظ من الإكرام والصدقات، وإذا كان قريباً ازداد حظه من ذلك؛ لأنه يكون واجب الصلة.

ـ قوله تعالى { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } المسكين: هو الذي لا يجد قوته ولا قوت عياله.

المتربة: مكان التراب، والمعنى: أنه مسكين ليس بيديه شيء إلا التراب.

ومعلوم أنه إذا قيل عن الرجل: ليس عنده إلا التراب.

فالمعنى: أنه فقير جداً ليس عنده طعام، وليس عنده كساء، وليس عنده مال فهو مسكين ذو متربة. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 535/10)

 

6) بيان أصحاب اليمين وأصحاب الشمال.

في قوله تعالى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) البلد(17ـ20)

ـ قوله تعالى { ثُمَّ كَانَ} يعني: ثم هو بعد ذلك ليس محسناً على اليتامى والمساكين فقط، بل هو ذو إيمان.

ـ قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) آمن بكل ما يجب الإيمان به.

ـ قوله تعالى { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر

والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، . (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 536/10)

ـ قوله تعالى { وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } أي: أوصى بعضهم بعضاً أن يرحم الآخر، ورحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم ويرحم كذلك سائر البشر.

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (أخرجه الترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس (1924) . وقال: حديث حسن صحيح. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 536/10)

ـ قوله تعالى { أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات

ـ قوله تعالى { أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} أي: أصحاب اليمين، الذين يُؤتون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 536/10)

ـ قوله تعالى {هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} { هُمْ } : الضمير هنا جاء للتوكيد

ـ قوله تعالى { الْمَشْأَمَةِ } يعني: الشمال أو الشؤم.

ـ قوله تعالى{ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ } أي عليهم نار مغلقة، لا يخرجون منها ولا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 536/10)

                       تم بحمد الله تفسير سورة البلد

صل الله على نبينا محمد وعلة اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق