تفسير جزء عم (سورة الغاشية)
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
(ٰهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ *
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً
* تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا
يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ
* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ
* فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ
* وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(سورة الغاشية (1ـ16
* الفوائد من الآيات:
1) وصف القيامة بأوصاف عظيمة.
في قوله تعالى (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) الغاشية:1
ـ قوله تعالى{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } يجوز أن يكون الخطاب موجه للرسول صلى الله
عليه وعلى آله وسلم وحده وأمته تبعاً له.
ـ قوله تعالى { هَلْ)والاستفهام هنا للتشويق ويجوز أن يكون للتعظيم لعظم هذا الحديث عن الغاشية.
ـ قوله تعالى { حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } أي نبأها وخبرها،
ـ قوله تعالى (الْغَاشِيَةِ } هي الداهية العظيمة التي تغشى الناس، وهي
يوم القيامة التي تحدث الله عنها في القرآن كثيراً، ووصفها بأوصاف عظيمة.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 506/10)
* كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة ؟ قال
: " هل أتاك حديث الغاشية " .رواه أبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن
قتيبة ، كلاهما عن مالك به ، ورواه مسلم.(تفسير ابن كثير503/4)
2) حال أهل النار في يوم القيامة.
في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ
نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ
لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ) الغاشية((2ـ7)
أقسم الله سبحانه وتعالى الناس في هذا اليوم إلى قسمين
1 ـ قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} خاشعة: أي ذليلة
ـ قوله تعالى {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} عاملة عملاً يكون به النصب وهو التعب.
قال العلماء:
وذلك أنهم يكلفون يوم القيامة
بجر السلاسل والأغلال، والخوض في نار جهنم، كما يخوض الرجل في الوحل، فهي عاملة تعبة
من العمل الذي تكلف به يوم القيامة؛ لأنه عمل عذاب وعقاب.
بقوله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} أي يومئذ تأتي الغاشية، وهذا لا يكون
إلا يوم القيامة.
إذن فهي عاملة ناصبة بما تكلف به من جر السلاسل والأغلال، والخوض في نار
جهنم أعاذنا الله منها. (تفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 507/10)
ـ قوله تعالى { تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً } قال ابن عباس والحسن وقتادة" تصلى
نارا حامية" أي حارة شديدة الحر. (تفسير ابن كثير504/4
ـ قوله تعالى { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن
ضَرِيعٍ } الغاشية(5ـ6)
ـ قوله تعالى { تُسْقَىٰ} أي هذه الوجوه
ـ قوله تعالى {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي شديدة الحرارة، هذا بالنسبة لشرابهم،
ومع هذا لا يأتي هذا الشراب بكل سهولة، أو كلما عطشوا سقوا، وإنما يأتي كلما اشتد عطشهم
هذا الماء إذا قرب من وجوههم شواها وتساقط لحمها، وإذا دخل في أجوافهم قطعها
فلا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً، لا ظاهراً بالبرودة ببرد الوجوه،
ولا باطناً بالري، ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ يغاثون بهذا الماء .( تفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 507/10)
* فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة
أن الماء يطفىء النار؟
فالجواب: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو
أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون
* أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على
قدر ميل، والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك،
وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس
بالدنيا.
* يحشرون في مكان واحد ويعرقون منهم من يصل العرق
إلى كعبه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حِقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد.
إذن أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا. تفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 507/10)
ـ قوله تعالى{ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ
)الضريع قالوا: إنه شجر ذو شوك عظيم إذا يبس لا يرعاه ولا البهائم،
وإن كان أخضر رعته الإبل ويسمى عندنا الشبرق. فهم ـ والعياذ بالله ـ في نار جهنم ليس
لهم طعام إلا من هذا الضريع، ولكن لا تظن أن الضريع الذي في نار جهنم كالضريع الذي
في الدنيا فهو يختلف عنه اختلافاً عظيماً. (تفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 507/10)
ـ قوله تعالى(لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ) }
الغاشية:7
ـ قوله تعالى (لَّا يُسْمِنُ } فلا ينفع الأبدان في ظاهرها
ـ قوله تعالى { وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ } فلا ينفعها في باطنها فهو لا خير فيه ليس
فيه إلا الشوك، والتجرع العظيم، والمرارة، والرائحة المنتنة التي لا يستفيدون منها
شيئاً.( تفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 507/10)
3) حال أهل الجنة في يوم القيامة.
في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَّا تَسْمَعُ فِيهَا
لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ
* وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) الغاشية(8ـ16)
ـ قوله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } "ناعمة" أي يعرف النعيم فيها وإنما حصل لها ذلك
بسعيها .(تفسير
ابن كثير504/4)
ـ قوله تعالى { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } أي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية لأنها
وصلت به إلى هذا النعيم وهذا السرور وهذا الفرح، فهي راضية لسعيها بخلاف الوجوه الأولى
فإنها غاضبة ـ والعياذ بالله ـ غير راضية على ما قدمت.
ـ قوله تعالى { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } الجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عز
وجل لأوليائه يوم القيامة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ـ قوله تعالى { جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } العلو ضد السفول فهي فوق السماوات السبع
ومن المعلوم أنه في يوم القيامة تزول السماوات السبع والأرضون ولا يبقى
إلا الجنة والنار فهي عالية وأعلاها ووسطها الفردوس الذي فوقه عرش الرب جل وعلا.( تفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين
508/10)
ـ قوله تعالى {لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} أي لا تسمع في هذه الجنة قولةً لاغية، أو
نفساً لاغية، بل كل ما فيها جد، كل ما فيها سلام، كل ما فيها تسبيح، وتحميد، وتهليل،
وتكبير، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، أي أنه لا يشق عليهم، فهم دائماً في ذكر
الله عز وجل، وتسبيح وأنس وسرور، يأتي بعضهم إلى بعض يزور بعضهم بعضاً في حبور لا نظير
له.( تفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 509/10)
ـ قوله تعالى { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} وهذه العين بين الله عز وجل أنها أنهار
ـ قوله تعالى { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ
وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ
لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ } [محمد: 15] .
ـ قوله تعالى {جارية} أي تجري حيث أراد أهلها لا تحتاج إلى حفر
ساقية، ولا إقامة أخدود كما
قال ابن القيم رحمه الله:
أنهارها في غير أخدود جرت
سبحان ممسكها عن الفيضان
ـ قوله تعالى { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ)عالية يجلسون عليها يتفكهون
ـ قوله تعالى { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } الأكواب جمع كوب وهو الكأس ونحوه
ـ قوله تعالى { مَّوْضُوعَةٌ } يعني ليست مرفوعة عنهم، بل هي موضوعة لهم متى شاءوا
شربوا فيها من هذه الأنهار الأربعة التي سبق ذكرها.
ـ قوله تعالى { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } النمارق جمع نمرقة وهي الوسادة أو ما يتكىء
عليه.
ـ قوله تعالى { مَصْفُوفَةٌ } على أحسن وجه تلتذ العين بها قبل أن يلتذ البدن
بالاتكاء إليها.
ـ
قوله تعالى { وَزَرَابِيُّ } الزرابي أعلى أنواع الفرش
ـ قوله تعالى { مَبْثُوثَةٌ } منشورة
في كل مكان،
ولا تظن أن هذه النمارق، وهذه
الأكواب، وهذه السرر، وهذه الزرابي لا تظن أنها تشبه ما في الدنيا؛ لأنها لو كانت تشبه
ما في الدنيا لكنا نعلم نعيم الآخرة، ونعلم حقيقته لكنها لا تشبهه
إنما الأسماء واحدة والحقائق مختلفة
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما:
(ليس في الآخرة مما في الدنيا
إلا الأسماء فقط) (أخرجه مسلم كتاب الزهد باب تحريم الرياء (2985) (46) .( تفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين 509/10)
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق