تفسير جزء عم (سورة الفجر)(1)
بسم الله الرجمن الرحيم
(وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ
وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ *
هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ
* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ
الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ* الَّذِينَ
طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ
سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَا
) الفجر(1ـ 14)
الفوائد على هذه الآيات.
1) أقسم الله سبحانه على خمس أشياء.
في قوله تعالى(وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ
وَالْوَتْرِ *وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) الفجر(1ـ 4)
الأول: الفجر.
ـ قوله تعالى{ وَالْفَجْرِ } هو النور الساطع الذي يكون في الأفق الشرقي قرب
طلوع الشمس، وبينه وبين طلوع الشمس ما بين ساعة واثنتين وثلاثين دقيقة إلى ساعة وسبع
عشرة دقيقة، ويختلف باختلاف الفصول فأحياناً تطول الحصة ما بين الفجر وطلوع الشمس،
وأحياناً تقصر حسب الفصول والفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب، والمقصود بالفجر هنا
الفجر الصادق
*
الفرق بين الفجر الصادق والكاذب من ثلاثة وجوه:
الأول: الفجر الكاذب يكون مستطيلاً في السماء ليس
عرضاً ولكنه طولاً وأما الفجر الصادق يكون عرضاً يمتد من الشمال إلى الجنوب.
الثاني: أن الفجر الصادق لا ظلمة بعده، بل يزداد
الضياء حتى تطلع الشمس،
وأما الفجر الكاذب فإنه يحدث بعده ظلمة بعد أن يكون هذا الضياء، ولهذا
سمي كاذباً؛ لأنه يضمحل ويزول.
الثالث: أ الفجر الصادق متصل بالأفق أما الفجر الكاذب
فبينه وبين الأفق ظلمة
هذه ثلاثة فروق آفاقية حسية يعرفها
الناس إذا كانوا في البر، أما في المدن فلا يعرفون ذلك، لأن الأنوار تحجب هذه العلامات.(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين517/10)
2) ليال عشر.
وقوله تعالى: { وَلَيَالٍ عَشْر} قيل المراد عشر ذي الحجة، وأطلق على الأيام
ليالي، لأن اللغة العربية واسعة، قد تطلق الليالي ويراد بها الأيام، والأيام يراد بها
الليالي
وقيل المراد بـ { وَلَيَالٍ عَشْرٍ} ليال العشر الأخيرة من
رمضان
القول
الأول :
الذين يقولون المراد بالليال العشر عشر ذي الحجة، فلأن عشر ذي الحجة أيام
فاضلة
ـ قال فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله
من هذه الأيام العشر» قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله
إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» (أخرجه البخاري كتاب العيدين با فضل العمل
في أيام التشريق (969)) .
القول الثاني:
إن المراد بالليال العشر هي ليال عشر رمضان الأخيرة، فقالوا: إن الأصل
في الليالي أنها الليالي وليست الأيام، وقالوا: أن ليال العشر الأخيرة من رمضان فيها
ليلة القدر
الراجح:
وهذا القول أرجح من القول الأول، وإن كان القول الأول هو قول الجمهور،
لكن اللفظ لا يسعف قول الجمهور، وإنما يرجح القول الثاني أنها الليالي العشر الأواخر
من رمضان. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين518/10)
3) الشفع 4)
والوتر.
ـ قوله تعالى (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )الفجر:3
1) قيل: إن المراد به كل الخلق، فالخلق إما شفع وإما وتر
والله عز وجل يقول: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ
} . [الذاريات:
49]
والعبادات إما شفع وإما وتر، فيكون المراد بالشفع والوتر كل ما كان مخلوقاً
من شفع ووتر، وكل ما كان مشروعاً من شفع ووتر.
2) قيل: المراد بالشفع الخلق كلهم، والمراد بالوتر الله
عز وجل.
إن الشفع هو الخلق؛ لأن المخلوقات كلها مكونة من شيئين
ـ قوله تعالى { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ
} والوَتْر أو الوِتر هو الله
ـ لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن الله وتر يحب الوتر» أخرجه البخاري كتاب الدعوات باب لله مائة
اسم غير واحدة (6410) ومسلم كتاب الذكر والدعاء باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها
(2677) (5)
الآية تحتمل معنيين ولا منافاة بينهما فلتكن لكل المعاني التي تحتملها
الآية،
وهذه القاعدة في علم التفسير أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين وأحدهما
لا ينافي الآخر فهي محمولة على المعنيين جميعاً. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين518/10)
5) والليل .
قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} أقسم الله أيضاً بالليل إذا يسري
والسري:
هو السير في الليل، والليل يسير يبدأ بالمغرب وينتهي بطلوع الفجر فأقسم الله
به لما في ساعاته من العبادات كصلاة المغرب، والعشاء، وقيام الليل، والوتر وغير ذلك.
ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء
الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: «من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له،
من يستغفرني فأغفر له» (أخرجه البخاري كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل (6321) ومسلم كتاب
صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه (758)
(168)). (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين518/10)
2) قصة قوم عاد
في قوله تعالى (هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ
* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي
لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)
الفجر(5ـ9)
ـ قوله تعالى {هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ }
لذي
عقل،
ـ قوله تعالى { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} يعني ما
الذي فعل بهم؟
وعاد قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية، أرسل الله تعالى إليهم هوداً
عليه الصلاة والسلام فبلغهم الرسالة ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا من أشد منا قوة
والذي فعل الله بعاد أنه أرسل
عليهم الريح العقيم سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فترى القوى فيها صرعى
كأنهم أعجاز نخل خاوية
ـ قوله تعالى { إِرَمَ } هذه اسم للقبيلة، وقيل اسم للقرية، وقيل
غير ذلك.
ـ قوله تعالى { ذَاتِ الْعِمَادِ } يعني أصحاب الأبنية
القوية
ـ قوله تعالى { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} أي لم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية
ومحكمة .(التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين519/10)
3) قصة قوم ثمود.
في قوله تعالى (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ
بِالْوَادِ) (الفجر:10)
ـ قوله تعالى { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} ثمود هم قوم صالح ومساكنهم معروفة الآن
مر عليها النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم في طريقه إلى تبوك وأسرع
وقنّع رأسه صلى الله عليه وسلّم وقال: «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن
تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم» (أخرجه البخاري كتاب التفسير (4702) ومسلم
كتاب الزهد باب النهي عن الدخول على أهل الحجر إلا من يدخل باكياً (2980)
هؤلاء القوم أعطاهم الله قوة حتى صاروا يخرقون الجبال والصخور العظيمة
ويصنعون منها بيوتاً
ـ قوله تعالى { جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أي: وادي ثمود، وهو معروف، هؤلاء أيضاً
فعل الله بهم ما فعل من العذاب والنكال حيث قيل لهم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام
ثم بعد الثلاثة الأيام أخذتهم الصيحة والرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين520/10)
4) قصة فرعون.
في قوله تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ
طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ
سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) الفجر(10ـ14)
ـ قوله تعالى {و وَفِرْعَوْنَ } فرعون هو الذي أرسل الله إليه موسى عليه الصلاة
والسلام، وكان قد استذل بني إسرائيل في مصر، يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم
س:ما لسبب الذي أدى به إلى هذه الفعلة القبيحة، لماذا يقتل
الأبناء ويبقي النساء؟!
فقال بعض العلماء: إن كهنته قالوا له إنه سيولد في بني إسرائيل
رجل يكون هلاكك على يده فصار يقتل الأبناء ويستبقي النساء.
ولكن بقدرة الله عز وجل أن هذا الرجل الذي كان هلاك فرعون على يده تربى
في بيت فرعون، فإن امرأة فرعون التقطته وربته في بيت فرعون، وفرعون استكبر في الأرض
وعلا في الأرض. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين520/10)
ـ قوله تعالى { ذِي الْأَوْتَادِ } أي ذي القوة، لأن جنوده كانوا له بمنزلة
الوتد، والوتد تربط به حبال الخيمة فتستقر وتثبت، فله جنود أمم عظيمة ما بين ساحر وكاهن
وغير ذلك لكن الله سبحانه فوق كل شيء
ـ قوله تعالى { الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} أي: زادوا عن حدهم واعتدوا على عباد الله.
ـ قوله تعالى { فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} أي: الفساد المعنوي، والفساد المعنوي يتبعه
الفساد الحسي
فيما سبق من الأمم أن الله تعالى
يدمر هؤلاء المكذبين عن آخرهم
لكن هذه الأمة رفع الله عنها هذا النوع من العقوبة وجعل عقوبتها أن يكون
بأسهم
بينهم، يدمر بعضهم بعضاً، وعلى هذا فما حصل من المسلمين من اقتتال بعضهم
بعضاً، ومن تدمير بعضهم بعضاً إنما هو بسبب المعاصي والذنوب، يسلط الله بعضهم على بعض
ويكون هذا عقوبة من الله سبحانه وتعالى
ـ قوله تعالى { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ} الصب معروف أنه يكون من فوق، والعذاب الذي
أتى هؤلاء من فوق من عند الله عز وجل
ـ قوله تعالى {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ } السوط هو العصا الذي يضرب به، ومعلوم أن
الضرب بالعصا نوع عذاب، لكن
س:هل هذا السوط الذي صبه الله تعالى على عاد، وثمود، وفرعون،
هل هو العصا المعروف الذي نعرف، أو أنه عصا عذاب أهلكهم؟
الجواب: الثاني عصا عذاب أهلكهم وأبادهم.
ـ قوله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم، أو لكل من يتوجه إليه الخطاب، يبين الله عز وجل أنه بالمرصاد لكل من طغى واعتدى
وتكبر وهذه الآية تفيد التهديد والوعيد لمن استكبر عن عبادة الله
أو كذب خبره. (التفسير
الثمين الشيخ محمد العثيمين521/10)
صل الله على نبينا محمد
وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق