الأحد، 7 يوليو 2019


تفسير جزء عم (سورة البروج) (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)
(سورة البروج (1ـ 10)

* الفوائد من الآيات:

1) الله تعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه.

في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) البروج(1ـ3)

قوله تعالى { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } يقسم الله بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام

كما في قوله ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ) الفرقان : 61(تفسير ابن كثير 493/4)

ـ قوله تعالى { ذَاتِ الْبُرُوجِ } أي صاحبة البروج
والبروج :جمع برج، وهو المجموعة العظيمة من النجوم وسميت بروجاً لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها،

* والبروج عند الفلكيين اثني عشر برجاً جمعت في قول الناظم:

حملٌ فثور فجوزاء ... فسرطان فأسدٌ سنبلة ميزان

فعقربٌ قوسٌ فجدي وكـ ... ذا دلو وذي آخرها الحيتان

فهي اثنا عشر برجاً، ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء، فيقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله، بأسمائه وصفاته، ولا نقسم بشيء من المخلوقات .التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين ـ474/10)

لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

 «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (أخرجه البخاري كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف (2679) ، ومسلم كتاب الإيمان باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى (1646) (4) .

ولقوله عليه الصلاة والسلام:

«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» (أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/ 34، والترمزي، أبواب النذور والإيمان باب ما جاء في أن من حلف بغير الله فقد أشرك (1535) وقال: حديث حسن صحيح.1) (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 475ـ474/10)

ـ قوله تعالى{ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ } اليوم الموعود هو يوم القيامة، وعد الله تعالى به وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 475/10)

ـ قوله تعالى(وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)

ـ قوله تعالى (وَشَاهِدٍ )ذكر علماء التفسير في الشاهد والمشهود عدة أقوال يجمعها أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود،

والشهود كثيرون

1/ منهم محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيداً علينا.

 كما قال الله تعالى (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء: من الآية41)

2/  ومنهم هذه الأمة شهداء على الناس

كما قال الله تعالى ( وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143)

3/ وأعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من خير وشر

 كما قال تعالى( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النور :24)

4/ ومنهم الملائكة يشهدون يوم القيامة.

ـ قوله تعالى { وَمَشْهُودٍ } فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة
كما قال تعالى{ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} [هود: 103](التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 475/10)

 

2) قصة أصحاب الاخدود.

في قوله تعالى (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) البروج(4ـ 7)

ـ قوله تعالى { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } هذه الجملة جواب القسم

ـ قوله تعالى { قُتِلَ } يعني أهلك، وقيل: القتل هنا بمعنى اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.

ـ قوله تعالى { أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ } هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار،

وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام، ومنها شيء في اليمن

 والمقصود : أن هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن دينهم، ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً حُفراً ممدودة في الأرض كالنهر وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين بها ـ والعياذ بالله ـ

ـ قوله تعالى { النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ } فحفروا لهم في الأرض أخدودا وأججوا فيه نارا وأعدوا لها وقودا يسعرونها به ثم أرادوهم فلم يقبلوا منهم فقذفوهم فيها.(تفسير ابن كثير 494/4)

ـ قوله تعالى { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } يعني أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين كانوا ـ والعياذ بالله ـ عندهم قوة وجبروت يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها على الأسرة، فكهون كأن شيئاً لم يكن،

وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان البشر تلتهمه النار وهو جالس على سريره يتفكه بالحديث ولا يبالي.

ـ قوله تعالى { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } يعني هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين أي حضور لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد، بل استحقوا هذه العقوبة أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 475/10)

 

3) من صفات الله تعالى (العزيزـ والحميد) .

في قوله تعالى (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) البروج(8ـ9)

ـ قوله تعالى { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا } أي ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا، أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل

ـ قوله تعالى { الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }

ـ قوله تعالى (الْعَزِيزِ): هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى له الغلبة والعزة على كل أحدو القهر

ـ قوله تعالى { الْحَمِيدِ } بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أنه إذا جاءه ما يُسر به قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات» ،
وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الحمد لله على كل حال» (صحيح أخرجه ابن ماجه (3803)والحاكم في المستدرك (1/449) وصححه الشيخ الالباني في الصحيحة (265) (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 476/10)

ـ قوله تعالى (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي الذي بملك السماوات والأرض، وهذه الملكية شاملة لملك الأعيان والتدبير وما فيها، فهو يملك السماوات ومن فيها، والأراضين ومن فيها، وما بينهما، وما فيها كل شيء ملك لله ولا يشاركه أحد في ملكه.

ـ قوله تعالى { وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي: مطلع عز وجل على كل شيء، ومن جملته ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار، وسوف يجازيهم (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 477ـ478/10)

 


 

4) حلم الله على عباده .

في قوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)( البروج:10)

قال بعض السلف::

 انظر إلى حلم الله عز وجل يحرقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة

يقول: { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } البروج:10

ـ قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا ) فإنها تحمل عليهما جميعاً، فنقول: هم فتوا المؤمنين بصدهم عن سبيل الله، وفتنوهم بالإحراق أيضاً.

ـ قوله تعالى { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا } أي يرجعوا إلى الله من معصيته إلى طاعته

ـ قوله تعالى { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } لأنهم أحرقوا أولياء الله فكان جزاؤهم مثل عملهم جزاء وفاقاً. وشتان بين نار الدنيا ونار الآخرة فقد فضلت على الأولى بتسعة وتسعين جزءاً.

في هذه الآيات من العبر:

أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم، وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة، المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى ويستدرجهم من حيث لا يعلمون. (التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 478/10)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق