شرح كتاب رياض الصالحين (1- باب الإخلاص وإحضار النيةَّ)
حديث جابر رضي الله عنه «إن بالمدينة لرجالًا..»
الحمد الله والصلاة والسلام
على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين
قال المؤلف
رحمه الله :
4- وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله
عنهما كُنَّا مع النبيِّ ﷺ في غَزَاةٍ
فَقالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ لَرِجَالًا
ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلَّا كَانُوا معكُمْ، حَبَسَهُمُ
المَرَضُ.)
وفي
رواية:
(إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب ثواب من
حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر (3/ 1518)، رقم: (1911).
عن أنس رضي الله
عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ:
(إِنَّ أَقْوَامَاً خلْفَنَا
بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ
الْعُذْرُ.).أخرجه
البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو(3/ 1044)، رقم: (2684).
* قال الشيخ محمد
العثيمين:
* معني الحديث:
ـ أن الإنسان إذا نوي العمل الصالح،
ولكنه حبسه عنه حابس فإنه يكتب له أجر ما نوي.
ـ أما إذا كان يعلمه في حال العذر؛ أي: لما
كان قادراً كان يعلمه، ثم عجز عنه فيما بعد؛ فإنه يكتب له أجر العمل كاملاً،
لأن النبي ﷺ قال:
(إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ كتبَ لَهُ من العملِ ما كانَ يعملُهُ وَهوَ
صحيحٌ مقيمٌ ...)أخرجه البخاري رقم(2996)كتاب الجهاد .
* أمثلة على هذا :
1/ إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في
المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة
تماماً من غير نقص.
2/ وإذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعاً، ولكنه
منعه منه مانع، ولم يتمكن منه؛ فإنه يكتب له أجره كاملاً، وكذلك إن كان من عادته أن
يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم عجز عن ذلك، ومنعه مانع، فإنه يكتب له الأجر كاملاً,أما
إذا كان ليس من عادته أن يفعله؛ فإنه يكتب له أجر النية فقط، دون أجر العمل.
* ودليل ذلك:
أنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسولَ اللهِ ﷺ ، فَقالوا:
ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالدَّرَجَاتِ
العُلَى، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ،
فَقالَ:
وَما ذَاكَ؟
قالوا: يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ
وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ
فَقالَ رَسولَ اللهِ ﷺ:
(أَفلا أُعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُونَ به مَن سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ
به مَن بَعْدَكُمْ؟ وَلَا يَكونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنكُم إلَّا مَن صَنَعَ مِثْلَ ما
صَنَعْتُمْ قالوا: بَلَى، يا رَسولُ اللهِ قالَ: تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ،
دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً).
فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ ،
فَقالوا:
سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأمْوَالِ
بما فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ
فَقالَ
رَسولِ اللهِ ﷺ:
( ذلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ)أخرجه البخاري رقم (843)كتاب الأذان و صحيح مسلم الرقم: 595) كتاب المساجد.
* شرح الحديث:
* قال الشيخ محمد
العثيمين :
قوله (في غزاة) أي في غزوة.
إشارة إلى من يخرج في سبيل الله، في الغزو، والجهاد في سبيل الله، فإن
له أجر ممشاه
ولهذا قال النبي ﷺ:
(ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلَّا كَانُوا معكُمْ)
ويدل لهذا قوله تعالى:
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ
وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ
الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ
صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ
اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة: 120/121) .
ونظير هذا:
أن الرجل إذا توضأ في بيته فأسبغ الوضوء، ثم خرج إلي المسجد؛ لا
يخرجه إلا الصلاة؛ فإنه لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه
بها خطيئة.
وهذا من فضل الله - عز وجل - أن تكون وسائل العمل فيها هذا الأجر الذي
بينه
الرسول ﷺ. والله
الموفق.(شرح كتب رياض
الصالحين الشيخ محمد العثمين1/ 28ـ29ـ30ـ31)
صل الله على نبينا
محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق