الخميس، 4 فبراير 2021


شرح كتاب رياض الصالحين (1- باب الإخلاص وإحضار النيةَّ)

         حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه( إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)


الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

قال المؤلف رحمه الله :

1- وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:

 (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ) متفق على صحته؛ رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيساوي ـ رضي الله عنهما ـ في صحيحيهما اللذين هما اصح الكتب المصنفة.

شرح الشيخ محمد العثيمين رحمه الله:

ذكر المؤلف هذا بحديث عمر بن الخطاب الذي قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى)

هاتان الجملتان بينهما فرقاً عظيماً

ـ فالأولي سبب (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)

يبين فيها النبي صلي الله عليه وسلم أن كل عمل لابد فيه من نية، فكل عمل يعمله الإنسان وهو عاقل مختار، فلابد فيه من نية، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملاً إلا بنية

كيف تعمل وأنت في عقلك، وأنت مختار غير مكره، كيف تعمل عملاً بلا نية؟ ! هذا مستحيل؛ لأن العمل ناتج عن إرادة والإرادة هي النية.

ـ والثانية نتيجة (وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى)

فكل امرئ له ما نوي: إن نوي الله والدار الآخر في أعماله الشرعية، حصل له ذلك، وإن نوي الدنيا، قد تحصل وقد لا تحصل.

 

                      

                           

 

* الأمثال النبوية :

ثم ضرب النبي صلي الله عليه وسلم مثلاً يطبق هذا الحديث عليه.

 قال: (فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ)

ـ الهجرة : أن ينتقل الإنسان من دار الكفر إلي دار الإسلام.

ـ يختلفون الناس في الهجرة.

الأول: منهم من يهاجر، ويدع بلده إلى الله ورسوله.

هذا هو الذي ينال الخير فقد أدرك ما نوي. ولهذا قال(فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ)

الثاني: هاجر لدنيا يصيبها.

رجل يحب جمع المال، فسمع أن بلاد الإسلام مرتعاً خصباً يصيبها خصباً لاكتساب الأموال، فهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام؛ من أجل الماء فقط.

الثالث: رجل هاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام؛ يريد امرأة يتزوجها.

 قيل له: لا نزوجك إلا في بلاد الإسلام، ولا تسافر بها إلي بلد الكفر، فهاجر من بلده إلى بلاد الإسلام؛ من أجل أن يتزوج هذه المرأة.

فمريد الدنيا ومريد المرأة، لم يهاجر إلي الله ورسوله، ونية الهجرة لإرادة الدنيا والمرأة؛ نية منحطة سافلة.

ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم (فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ)

                                

 

أقسام الهجرة:

الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل، وتكون للمكان.

القسم الأول: هجرة المكان.

أن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي، ويكثر فيه الفسوق، إلى مكان لا يوجد فيه ذلك.

القسم الثاني: هجرة العمل.

  أن يهجر الإنسان ما نهاه الله عنه من المعاصي والفسوق.

كما قال النبي صلي الله عليه وسلم:

(المسلمُ من سَلِمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدهِ، والمهاجرُ من هجر ما نهى اللهُ عنه) أخرجه البخاري (10) واللفظ له، ومسلم (40) مختصراً.

 فتهجر كل ما حرم الله عليك، سواء كان مما يتعلق بحقوق الله، أو ما يتعلق بحقوق عباد الله؛ فتجهر السبب والشتم والقتل والغش وأكل المال بالباطل وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وكل شيء حرم الله تهجره، حتى لو أن نفسك دعتك إلى هذا وألحت عليك، فاذكر أن الله حرم ذلك حتى تهجره وتبعد عنه.

القسم الثالث: هجرة العامل.

فإن العامل قد تجب هجرته أحياناً، قال أهل العلم: مثل الرجل المجاهر بالمعصية؛ الذي لا يبالي بها؛ فإنه يشرع هجره إذا كان في هجره فائدة ومصلحة.

ومثال ذلك: رجل معروف بالغش بالبيع والشراء؛ فيهجره الناس، فإذا هجروه تاب من هذا ورجع وندم.

أما إذا كان الهجر لا يفيد ولا ينفع وهو من أجل معصية، فإنه لا يحل هجره.

لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال:

 (لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ: فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ) أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560)


الدليل على ذلك:

 قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع - رضي الله عنهم - الذين تختلفوا عن غزوة تبوك

فهجرهم النبي صلي الله عليه وسلم وأمر المسلمين بهجرهم، لكنهم انتفعوا في ذلك انتفاعا عظيماً ولجأوا إلي الله، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتابوا وتاب الله عليهم.(شرح رياض الصالحين الشيخ محمد العثيمين 1/11ـ 21)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق