السبت، 20 فبراير 2021


شرح كتاب رياض الصالحين (1- باب الإخلاص وإحضار النيةَّ)

حديث عائشة رضي الله عنها( يغزو جيش الكعبة )

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

قال المؤلف رحمه الله :

2) عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِاللهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»؛ متفق عليه، هذا لفظ البخاري.

                       

* قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام الكعبة غُزِيَت الكعبة مِن قِبَلِ اليمن:

أهل اليمن الذين جاؤوا لهدم الكعبة بفيل عظيم أرسله إليهم ملك الحبشة

وسبب ذلك :

أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى الكعبة، بيت الله عز وجل فبنى بيتاً يشبه الكعبة، ودعى الناس إلى حجه ليصدهم عن حج بيت الله فغضب لذلك العرب، وذهب رجل منهم إلى هذا البيت الذي جعله ملك اليمن بدلاً عن الكعبة وتغوَّط فيه، ولطخ جدرانه بالقذر

فغضب ملك اليمن غضباً شديداً، وأخبر ملك الحبشة بذلك فأرسل إليه هذا الفيل العظيم

قيل: وكان معه ستة فيلة لتساعده فجاء ملك اليمن بجنوده ليهدم الكعبة على زعمه

ولكن الله سبحانه حافظ بيته، فلما وصلوا إلى مكان يسمى المغمَّس وقف الفيل وحرن، وأبى أن يتجه إلى الكعبة فزجره سايسه ولكنه أبى، فإذا وجهوه إلى اليمن انطلق يهرول، وإن وجهوه إلى مكة وقف. وهذه آية من آيات الله عز وجل، ثم بقوا حتى أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.(البداية والنهاية لأبن كثير ـرحمه الله ـ (3/139) .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 602/10)

* قال الشيخ محمد العثيمين :

الأبابيل: يعني الجماعات الكثيرة من الطيور، وكل طير يحمل حجرًا قد أمسكه بِرِجْلِه، ثم يرسله على الواحد منهم، حتى يضربه مع هامته ويخرج إلى دبره،

لقوله تعالى ﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 5]

 كأنهم زرع أكلته البهائم، وأندَكُّوا في الأرض.

فحمى اللهُ عَزَّ وجَلَّ بيتَه من كيد هذا الملك الظالم الذي جاء ليهدم بيت الله.(شرح رياض الصالحين الشيخ محمد العثيمين 1/22ـ23)

                      

* في آخر الزمان يغزو الكعبة، جيش عظيم.

قال الشيخ محمد العثيمين :

عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِاللهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»(أخرجه البخاري رقم (2118) كتاب البيوع ومسلم (2884) كتاب الفتن.)

ذَكَرَ المؤلِّفُ حديثَ عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يغزو جيش الكعبة؛ الكعبة المُشَرَّفة حماها الله، وأنقذها من كل شَرٍّ.

«حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ» بأرضٍ واسعة مُتَّسعة،

«خَسَفَ اللهُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» خُسِفَت بهم الأرض، وساخوا فيها هم وأسواقهم، وكُلُّ مَن معهم.

وفي هذا دليل على أنهم جيش عظيم؛ لأن معهم أسواقهم؛ للبيع والشراء وغير ذلك؛ فَيَخْسِفُ الله بأولهم وآخرهم.

لَمَّا قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، ورَدَ على خاطر عائشة رضي الله عنها سؤال

 فقالت: يا رسول الله، كيف يُخْسَف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومَن ليس منهم؟»

 أسواقهم: الذين جاؤوا للبيع والشراء، ليس لهم قصدٌ سيئ في غزو الكعبة، وفيهم أُنَاس ليسوا منهم؛ تبعوهم من غير أن يعلموا بِخُطَّتِهِم.

 فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:

«يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَأَسْوَاقِهِمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»

هذا فَرْدٌ من أفراد قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى».

هذا الحديث عِبرة:

 أنَّ مَن شارك أهلَ الباطل، وأهلَ البغي والعدوان؛ فإنه يكون معهم في العقوبة؛ الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تَعُمُّ الصالح والطالح، والبَرَّ والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلي والمستكبر، ولا تترك أحدًا، ثم يوم القيامة يُبْعَثون على نيَّاتهم.

والشاهد من هذا الحديث:

قولُ الرسول صلى الله عليه وسلم:

«ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» فهو كقوله: «إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».(شرح رياض الصالحين الشيخ محمد العثيمين 1/23ـ 24)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

الخميس، 4 فبراير 2021


شرح كتاب رياض الصالحين (1- باب الإخلاص وإحضار النيةَّ)

         حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه( إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)


الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

قال المؤلف رحمه الله :

1- وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:

 (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ) متفق على صحته؛ رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيساوي ـ رضي الله عنهما ـ في صحيحيهما اللذين هما اصح الكتب المصنفة.

شرح الشيخ محمد العثيمين رحمه الله:

ذكر المؤلف هذا بحديث عمر بن الخطاب الذي قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى)

هاتان الجملتان بينهما فرقاً عظيماً

ـ فالأولي سبب (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)

يبين فيها النبي صلي الله عليه وسلم أن كل عمل لابد فيه من نية، فكل عمل يعمله الإنسان وهو عاقل مختار، فلابد فيه من نية، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملاً إلا بنية

كيف تعمل وأنت في عقلك، وأنت مختار غير مكره، كيف تعمل عملاً بلا نية؟ ! هذا مستحيل؛ لأن العمل ناتج عن إرادة والإرادة هي النية.

ـ والثانية نتيجة (وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى)

فكل امرئ له ما نوي: إن نوي الله والدار الآخر في أعماله الشرعية، حصل له ذلك، وإن نوي الدنيا، قد تحصل وقد لا تحصل.

 

                      

                           

 

* الأمثال النبوية :

ثم ضرب النبي صلي الله عليه وسلم مثلاً يطبق هذا الحديث عليه.

 قال: (فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ)

ـ الهجرة : أن ينتقل الإنسان من دار الكفر إلي دار الإسلام.

ـ يختلفون الناس في الهجرة.

الأول: منهم من يهاجر، ويدع بلده إلى الله ورسوله.

هذا هو الذي ينال الخير فقد أدرك ما نوي. ولهذا قال(فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ)

الثاني: هاجر لدنيا يصيبها.

رجل يحب جمع المال، فسمع أن بلاد الإسلام مرتعاً خصباً يصيبها خصباً لاكتساب الأموال، فهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام؛ من أجل الماء فقط.

الثالث: رجل هاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام؛ يريد امرأة يتزوجها.

 قيل له: لا نزوجك إلا في بلاد الإسلام، ولا تسافر بها إلي بلد الكفر، فهاجر من بلده إلى بلاد الإسلام؛ من أجل أن يتزوج هذه المرأة.

فمريد الدنيا ومريد المرأة، لم يهاجر إلي الله ورسوله، ونية الهجرة لإرادة الدنيا والمرأة؛ نية منحطة سافلة.

ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم (فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ)

                                

 

أقسام الهجرة:

الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل، وتكون للمكان.

القسم الأول: هجرة المكان.

أن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي، ويكثر فيه الفسوق، إلى مكان لا يوجد فيه ذلك.

القسم الثاني: هجرة العمل.

  أن يهجر الإنسان ما نهاه الله عنه من المعاصي والفسوق.

كما قال النبي صلي الله عليه وسلم:

(المسلمُ من سَلِمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدهِ، والمهاجرُ من هجر ما نهى اللهُ عنه) أخرجه البخاري (10) واللفظ له، ومسلم (40) مختصراً.

 فتهجر كل ما حرم الله عليك، سواء كان مما يتعلق بحقوق الله، أو ما يتعلق بحقوق عباد الله؛ فتجهر السبب والشتم والقتل والغش وأكل المال بالباطل وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وكل شيء حرم الله تهجره، حتى لو أن نفسك دعتك إلى هذا وألحت عليك، فاذكر أن الله حرم ذلك حتى تهجره وتبعد عنه.

القسم الثالث: هجرة العامل.

فإن العامل قد تجب هجرته أحياناً، قال أهل العلم: مثل الرجل المجاهر بالمعصية؛ الذي لا يبالي بها؛ فإنه يشرع هجره إذا كان في هجره فائدة ومصلحة.

ومثال ذلك: رجل معروف بالغش بالبيع والشراء؛ فيهجره الناس، فإذا هجروه تاب من هذا ورجع وندم.

أما إذا كان الهجر لا يفيد ولا ينفع وهو من أجل معصية، فإنه لا يحل هجره.

لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال:

 (لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ: فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ) أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560)


الدليل على ذلك:

 قصة كعب بن مالك - رضي الله عنه، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع - رضي الله عنهم - الذين تختلفوا عن غزوة تبوك

فهجرهم النبي صلي الله عليه وسلم وأمر المسلمين بهجرهم، لكنهم انتفعوا في ذلك انتفاعا عظيماً ولجأوا إلي الله، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وأيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتابوا وتاب الله عليهم.(شرح رياض الصالحين الشيخ محمد العثيمين 1/11ـ 21)

صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين