شرح كتاب رياض الصالحين (1- باب الإخلاص وإحضار النيةَّ)
حديث عائشة رضي الله عنها( يغزو جيش الكعبة )
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه أجمعين
قال المؤلف رحمه الله :
2) عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِاللهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»؛ متفق عليه، هذا لفظ البخاري.
* قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام الكعبة غُزِيَت الكعبة مِن قِبَلِ اليمن:
أهل اليمن الذين جاؤوا لهدم الكعبة بفيل عظيم أرسله إليهم ملك الحبشة
وسبب ذلك :
أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى الكعبة، بيت الله عز وجل فبنى بيتاً يشبه الكعبة، ودعى الناس إلى حجه ليصدهم عن حج بيت الله فغضب لذلك العرب، وذهب رجل منهم إلى هذا البيت الذي جعله ملك اليمن بدلاً عن الكعبة وتغوَّط فيه، ولطخ جدرانه بالقذر
فغضب ملك اليمن غضباً شديداً، وأخبر ملك الحبشة بذلك فأرسل إليه هذا الفيل العظيم
قيل: وكان معه ستة فيلة لتساعده فجاء ملك اليمن بجنوده ليهدم الكعبة على زعمه
ولكن الله سبحانه حافظ بيته، فلما وصلوا إلى مكان يسمى المغمَّس وقف الفيل وحرن، وأبى أن يتجه إلى الكعبة فزجره سايسه ولكنه أبى، فإذا وجهوه إلى اليمن انطلق يهرول، وإن وجهوه إلى مكة وقف. وهذه آية من آيات الله عز وجل، ثم بقوا حتى أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل.(البداية والنهاية لأبن كثير ـرحمه الله ـ (3/139) .(التفسير الثمين الشيخ محمد العثيمين 602/10)
* قال الشيخ محمد العثيمين :
الأبابيل: يعني الجماعات الكثيرة من الطيور، وكل طير يحمل حجرًا قد أمسكه بِرِجْلِه، ثم يرسله على الواحد منهم، حتى يضربه مع هامته ويخرج إلى دبره،
لقوله تعالى ﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 5]
كأنهم زرع أكلته البهائم، وأندَكُّوا في الأرض.
فحمى اللهُ عَزَّ وجَلَّ بيتَه من كيد هذا الملك الظالم الذي جاء ليهدم بيت الله.(شرح رياض الصالحين الشيخ محمد العثيمين 1/22ـ23)
* في آخر الزمان يغزو الكعبة، جيش عظيم.
قال الشيخ محمد العثيمين :
عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِاللهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ»، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»(أخرجه البخاري رقم (2118) كتاب البيوع ومسلم (2884) كتاب الفتن.)
ذَكَرَ المؤلِّفُ حديثَ عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يغزو جيش الكعبة؛ الكعبة المُشَرَّفة حماها الله، وأنقذها من كل شَرٍّ.
«حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ» بأرضٍ واسعة مُتَّسعة،
«خَسَفَ اللهُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» خُسِفَت بهم الأرض، وساخوا فيها هم وأسواقهم، وكُلُّ مَن معهم.
وفي هذا دليل على أنهم جيش عظيم؛ لأن معهم أسواقهم؛ للبيع والشراء وغير ذلك؛ فَيَخْسِفُ الله بأولهم وآخرهم.
لَمَّا قال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، ورَدَ على خاطر عائشة رضي الله عنها سؤال
فقالت: يا رسول الله، كيف يُخْسَف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومَن ليس منهم؟»
أسواقهم: الذين جاؤوا للبيع والشراء، ليس لهم قصدٌ سيئ في غزو الكعبة، وفيهم أُنَاس ليسوا منهم؛ تبعوهم من غير أن يعلموا بِخُطَّتِهِم.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
«يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَأَسْوَاقِهِمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»
هذا فَرْدٌ من أفراد قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى».
هذا الحديث عِبرة:
أنَّ مَن شارك أهلَ الباطل، وأهلَ البغي والعدوان؛ فإنه يكون معهم في العقوبة؛ الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تَعُمُّ الصالح والطالح، والبَرَّ والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلي والمستكبر، ولا تترك أحدًا، ثم يوم القيامة يُبْعَثون على نيَّاتهم.
والشاهد من هذا الحديث:
قولُ الرسول صلى الله عليه وسلم:
«ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ» فهو كقوله: «إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».(شرح رياض الصالحين الشيخ محمد العثيمين 1/23ـ 24)
صل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين