الجمعة، 29 يونيو 2018

31 - شرح رياض الصالحين - الحديث ( 20 ) كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة و...






شرح رياض الصالحين ـ الحديث (20) حديث (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن اعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فاتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين


- وعن أبي سعيد بن مالك بن سنان الخدري- رضي الله عنه- أن نبي الله صلى


الله عليه وسلم قال:


 ((كان فيمن كان  قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فاتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين


نفساً فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله - تعالى- فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط، فاتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم- أي حكما- فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتها كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة)) (متفق عليه) .


وفي رواية في الصحيح: ((فكان إلى القرية الصالحة أقرب بشبر، فجعل من أهلها)) وفي رواية في الصحيح: ((فاوحى الله تعالي إلى هذه أن تباعدي، وإلي هذه أن تقربي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلي هذه أقرب بشبر فغفر له)) وفي رواية: ((فنأى بصدره نحوها)) .


الشرح:


عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم إنه ندم وسال عن أعلم أهل الأرض


يسأله: هل له من توبة؟


 فدل على رجل، فإذا هو راهب -يعني عابداً- ولكن ليس عنده علم،


 فلما سأله قال إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟


فاستعظم الراهب هذا الذنب وقال: ليس لك توبة! فغضب الرجل وانزعج وقتل الراهب؛ فأتم به مائة نفس، ثم إنه سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم فقط له: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟


 قال: نعم! ومن الذي يحول بينه وبين التوبة؟


 باب التوبة مفتوح، ولكن اذهب إلى القرية الفلانية؛ فإن فيها قوماً يعبدون الله. والأرض التي كان فيها كأنها- والله أعلم- دار كفر فأمره هذا العالم أن يهاجر بدينه إلى هذه القرية التي يعبد فيها الله- سبحانه وتعالى


فخرج تائبا نادماً مهاجراً بدينه إلى الأرض التي فيها القوم الذين يعبدون الله عز وجل. وفي منتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، الكافر تقبض روحه ملائكة العذاب, والمؤمن تقبض روحه ملائكة الرحمة، فاختصموا؛ ملائكة العذاب تقول: إنه لم يعمل خيراَ قط , وملائكة الرحمة تقول :إنه تاب وجاء نادماً تائباً، فحصل بينهما خصومة


فبعث الله إليهم ملكاً ليحكم بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتها كان أقرب فهو له؛ يعني فهو من أهلها. إن كانت أرض الكفر أقرب إليه فملائكة العذاب تقبض روحه، وإن كان إلى بلد الإيمان أقرب فملائكة الرحمة تقبض روحه.


فقاسوا ما بينهما؛ فإذا البلد التي اتجه إليها- وهي بلد الإيمان -أقرب من البلد التي هاجر منها بنحو شبر - مسافة قريبة - فقبضته ملائكة الرحمة.


ففي هذا دليل علي فوائد كثيرة:


منها: أن القاتل له توبة
 أن القاتل إذا قتل إنساناً عمداً ثم تاب فإن الله - تعالى- يقبل توبته،


ودليل ذلك في كتاب الله قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: من الآية48))





يعني ما دون الشرك، فإن الله تعالى يغفره إذا شاء.


وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم.


وذكر عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- أن القاتل ليس له توبة؛
لأن الله يقول:( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93) .


ولكن ما ذهب إليه الجمهور هو الحق
 وما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- فإنه يمكن أن يحمل على أنه ليس توبة بالنسبة للمقتول.


وذلك لأن القاتل إذا قتل تعلق فيه ثلاثة حقوق:


الحق الأول: لله، والثاني: للمقتول، والثالث: لأولياء المقتول.


أما حق الله:


فلا شك أن الله تعالى يغفره بالتوبة،
 لقول الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ) (الزمر: من الآية53) .


ولقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (الفرقان: من الآية68/70) .


وأما حق المقتول:


فإن توبة القاتل لا تنفعه ولا تؤدي إليه حقه؛ لأنه مات، ولا يمكن الوصول إلى استحلاله، أو التبرؤ من دمه، فهذا هو الذي يبقي مطالباً به القاتل ولو تاب، وإذا كان يوم القيامة فالله يفصل بينهما.


وأما حق أولياء المقتول:


 فإنها لا تصح توبة القاتل؛ حتى يسلم نفسه إلي أولياء المقتول، ويقر بالقتل، ويقول: أنا القاتل، وأنا بين أيديكم، إن شئتم اقتلوني وإن شئتم خذو الدية، وإن شئتم اسمحوا، فإذا تاب إلى الله، وسلم نفسه لأولياء المقتول- يعني لورثته - فإن توبته تصح، وما بينه وبين المقتول يكون الحكم فيه إلى الله يوم القيامة.


وصل الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين